وجهت أكثر من 53 منظمة من المنظمات الحقوقية اللبنانية والدولية والأفراد، إضافة إلى 62 من الناجين وعائلات ضحايا انفجار مرفأ بيروت، رسالة مشتركة إلى أعضاء مجلس حقوق الإنسان في الأمم المتحدة تتعلق بانفجار بيروت.
وطالبت الرسالة الدول الأعضاء في “مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة” إنشاء بعثة تحقيق دولية ومستقلّة ومحايدة، على غرار بعثة لتقصي الحقائق لعام واحد، في الانفجار الذي وقع في 4 أغسطس 2020.
وفي أعقاب الانفجار، وعد المسؤولون اللبنانيون بإجراء تحقيق سريع وشفاف لكن الأشهر العشرة التي تلت الانفجار بحسب بيان صادر عن منظمة “هيومن رايتس ووتش” لم تشهد سوى العرقلة والتهرب والتأخير.
ووثّقت المنظمة عدة عيوب في التحقيق المحلي ما يجعله غير قادر على إحقاق العدالة بمصداقية.
وتتضمن هذه العيوب التدخل السياسي السافر، والحصانة للمسؤولين السياسيين الكبار، وعدم احترام معايير المحاكمات العادلة، وانتهاكات الإجراءات القانونية الواجبة.
وقالت الباحثة في هيومن رايتس ووتش في لبنان آية مجذوب إنه “كان لدى السلطات اللبنانية أكثر من عشرة أشهر لإظهار رغبتها وقدرتها على إجراء تحقيق ذي مصداقية في انفجار بيروت الكارثي، لكنها فشلت على كافة الأصعدة”.
واضافت: “على أعضاء مجلس حقوق الإنسان فتح تحقيق دولي ومستقل في أسباب الانفجار ومن مسؤول عنه، استجابة لطلبات عائلات الضحايا والشعب اللبناني بالمحاسبة”.
خط أحمر على السياسيين
وفي العاشر من أغسطس الماضي أحالت الحكومة اللبنانية انفجار بيروت إلى المجلس العدلي، وهي محكمة خاصة بدون إجراءات استئناف. وحتى اليوم لم تصدر أي لوائح اتهام، لكنها وجهت تهما إلى 37 شخصا، 19 منهم موقوفون حاليا في ظروف تبدو إنها تنتهك حقوقهم بالإجراءات القانونية الواجبة، بحسب المنظمة.
وفي العاشر من ديسمبر الماضي، اتهم القاضي فادي صوان الذي كان يقود التحقيق حينها، حسان دياب، رئيس حكومة تصريف الأعمال، وثلاثة وزراء سابقين على خلفية الانفجار. لكن دياب واثنين من الوزراء السابقين رفضوا حضور التحقيق، وقال محمد فهمي، وزير الداخلية في حكومة تصريف الأعمال، إنه لن يطلب من القوى الأمنية توقيفهم، حتى لو أصدر القضاء مذكرات توقيف.
وفي فبراير الماضي، أعفت محكمة التمييز القاضي صوان من مهامه إثر دعوى قدمها اثنان من الوزراء السابقين الذين اتهمهم. وعُيّن بديل عن القاضي صوان بعد يومين، لكن الإعفاء لفت الأنظار إلى “الخط الأحمر” الذي وضعه القضاء حول السياسيين.
غياب المحاسبة يعزز ثقافة الافلات من العقاب
وبحسب المنظمة الحقوقية فإن “غياب المحاسبة الذي شاب التحقيق يبيّن بشكل واضح ثقافة الإفلات من العقاب التي تمتع بها المسؤولون اللبنانيون لفترة طويلة، إضافة إلى أن فشل الإجراءات المحلية المستمر يعزز الحاجة إلى تحقيق دولي من أجل تحديد أسباب الانفجار ومن يتحمل المسؤولية عنه”.
ولفتت المنظمة إلى أن “تكلفة هذا الفشل تشمل بالإضافة إلى غياب العدالة للضحايا، الخطر الذين لا يمكن تقبله بأن ترتكب الأطراف المسؤولة المزيد من الانتهاكات والإهمال مما قد يؤدي إلى وقوع المزيد من الخسائر وعدم الاستقرار في سياق انهيار العملة، وتداعي الاقتصاد، وتهالك البنية التحتية وتدهور الخدمات العامة”.
وشددت المنظمة على أن “تخزين أكثر من 2,700 طن من نترات الأمونيوم في عنبر غير آمن ويفتقر إلى التهوية الجيدة في وسط منطقة تجارية وسكنية مزدحمة في العاصمة المكتظة بالسكان يُعتبر مخالفا لمعظم المعايير الوطنية وقد يُشكل خطرا غير مقبول على الحياة، لا سيما إذا خُزّنت إلى جانب براميل الزيت والكيروسين وحمض الهيدروكلوريك، وخمسة أميال من الفتيل على بكرات خشبية، و15 طنا من الألعاب النارية”.
بالإضافة إلى ذلك، وبحسب الرسالة، فقد “انتهكت آثار الانفجار وعواقبه التزامات لبنان الدولية في مجال حقوق الإنسان بضمان الحق في التعليم ومستوى معيشي لائق، بما فيه الحق في الغذاء والسكن والصحة والملكية والانتصاف الفعّال”.
واعتبرت رايتس ووتش أن “التحقيقات التي تُجرى بتكليف من الأمم المتحدة تُستخدَم “بشكل متزايد للرد على الانتهاكات الجسيمة للقانون الإنساني الدولي والقانون الدولي لحقوق الإنسان، سواء كانت مطوّلة أو ناتجة عن أحداث مفاجئة، ولتعزيز المحاسبة على ارتكاب هذه الانتهاكات ومكافحة الإفلات من العقاب”.
إنشاء بعثة تحقيق مستقلة
وقالت المنظمة الحقوقية: “حان الوقت ليتدخل مجلس حقوق الإنسان، ويستمع إلى دعوات عائلات الضحايا والشعب اللبناني المطالبة بالمحاسبة وحكم القانون وحماية الحقوق”.
وأضافت الرسالة: “على بعثة التحقيق المستقلة تحديد سبب الانفجار والانتهاكات الحقوقية الناتجة عن تقاعس الدولة اللبنانية عن حماية الحق في الحياة، بما في ذلك تقاعسها عن ضمان التخزين الآمن أو إزالة كمية كبيرة من المواد شديدة الاشتعال والمحتمل انفجارها. ويتعين على البعثة بعد ذلك إرسال نتائج تحقيقها واستنتاجاتها إلى السلطات القضائية اللبنانية المختصة”.
وقالت المجذوب: “لم يكن انفجار بيروت حدثا منعزلا أو غريبا. بل كان مثالا مأساويا للغاية عن تأثير عقود من الفساد وعدم الكفاءة والإفلات من العقاب وسوء الإدارة من قِبل النخبة الحاكمة اللبنانية، على حقوق الإنسان. بدون محاسبة عن هذا الانفجار، لا يوجد ما يحول دون وقوع كارثة أخرى”.