بقلم السفير إيلدار سليموف
شهدت جمهورية أذربيجان في 12 ديسمبر عام 2003 حكومةً وشعبا وفاة الشخصية الفريدة ذات القريحة الوقادة التي أخرجت بلادها من ويلات وبلاوى متلاحقة لتصل بر الأمن والأمان والإستقرار والتنمية منقطعة النظير خلال فترة وجيزة وإسمها حيدر علييف.
لم يكن الزعيم الوطني حيدر علييف عديم المبالاة بما جرى في أذربيجان من الأحداث المؤلمة والموجعة عشية إستقلالها عن الإتحاد السوفييتي المضمحل، مهما كان متواجدا في مسقط رأسه – جمهورية ناختشيوان ذات الحكم الذاتي بسبب خيانة القوى المتناحرة والطامعة في السلطة في العاصمة باكو.
غير أن التأريخ، أثبت مجددا أن رجال الدولة بالذات يكتبون صفحات مجيدة فيه وليسوا رجال الصدفة والخونة الذين أقحموا الشعب الأذربيجاني في خضم الفوضى العارمة والمعانات الشديدة لا تحمد عقباها المتمثلة هي الأخرى بإحتلال 20% من أراضيه التاريخية على أيدي المعتدين الأرمن. وبمضي الزمن القصير، ثار الشعب الأذربيجاني ضد هؤلاء الخونة وطالبهم بتسليم دفة الحكم الى حيدر علييف المخضرم ذي الخبرة والحنكة السياسية المتراكمة. ولعب عامل الشعب بالتحديد دورا حاسما في موافقة القائد العظيم على تولي زمام السلطة حتى يدخل البلد فيما يحمل الطمأنينة والإستقرار والرقي والرفاهية.
لقد تمكن الزعيم الوطني حيدر علييف في غضون فترة ليست بالطويلة من تكريس لمؤسسات الدولة وتمتينها، ووضع إستراتيجية متكاملة تستهدف مستقبلا مشرقا لشعبه الغالي بكل مدلول هذه الكلمة، فضلا عن تعزيز الحضور الدولي لأذربيجان عن طريق إقامة العلاقات الثنائية والمتعددة مع دول العالم، الأمر الذي فتح صفحة جديدة في حياة جمهورية أذربيجان المستقلة. وهنا يجب علي أن أذكر لقاءً تأريخيا جمع القائدين العظيمين وهما حيدر علييف والملك الحسين بن طلال، طيب الله ثراهما، على هامش القمة الإسلامية التي عقدت في مدينة دار البيضاء المغربية عام 1994، حيث حدد ذلك اللقاء آفاق العلاقات الثنائية والتعاون بين بلدينا الشقيقين، والتي تستمر اليوم بكل نجاح في ظل قادتي فخامة الرئيس إلهام علييف وجلالة الملك عبدالله الثاني.
اليوم نرى أن كل ما أنجزته بلادنا سياسيا وإقتصاديا وإجتماعيا وعسكريا وثقافيا وتظل تقتنيه، يقترن بإسم القائد العظيم حيدر علييف الذي جاد بكامل حياته خدمة لشعبه ووطنه، والذي حوّل المستحيل الى الممكن، وبالتالي، سجل تأريخا حديثا بأحرف ذهبية. كما وضع الزعيم الوطني أرضية مثمرة لإستعادة وحدة تراب أذربيجان وسلامة حدودها المعترف بها دوليا.
من جهة أخرى، أصبحت أذربيجان – منذ تقلد حيدر علييف رئاسة الجمهورية في عام 1993- دولة مقتدرة تتمتع بالمؤشرات الإجتماعية والمالية لا بأس بها، والتي تضمن لها الإستقلالية السياسية. إذ أن مستوى الفقر قد تراجع خلال 3 عقود ماضية من 44،7% الى 4،8%، والبطالة قد إنكفأت من 50% الى 7% وإحتياطي النقد الأجنبي قد إرتفع ليصل 53،5 مليار دولار أمريكي، ناهيك عن إقتصادنا الوطني الذي يستحوذ اليوم على 70% من إقتصادات جنوب القوقاز. وكل هذه الأرقام التي تترجمت على أرض الواقع بفضل سياسة حيدر علييف ثاقبة النظر، بالإضافة الى الموقع الجغرافي، قد جعلت بلادنا أن تحوز على الريادة الإقليمية من كافة الأبعاد، وأن تملك كلمة فاصلة في إتخاذ القرارات الدولية الخاصة بمشاريع الطاقة والنقل ذات الشأن العالمي. وهنا تجدر الإشارة الى خطوط الأنابيب لنقل النفط والغاز من بحر قزوين الى الأسواق العالمية، بما فيها مشاريع ممرات تربط الشمال وبالجنوب، والغرب بالشرق، والتي من المزمع أن تصل القارات ببعضها البعض.
مما يؤسف له بالإشارة أن القامة العظيمة مثل حيدر علييف لا تر كل المنجزات التي تفرح عيوننا اليوم، ولا سيما تحرير قره باغ الجبلية من أيدي الغزاة الأرمن، نظرا لأن زعيمنا الوطني سارع الى تمهيد الطريق نحو تلك المنجزات بمجرد إنتخابه رئيسا بأغلبية ساحقة في الإقتراع العام. وقد مني الشعب الأذربيجاني في 12 ديسمبر عام 2003 بفقدان زعيمه وقائده الكبير عن عمر ناهز ثمانين عاما، حيث شهدت العاصمة باكو ذلك اليوم تدفق المواطنين لتشييع شخصيتهم العبقرية الى منزلها الأخير، والذين لم ينقطعوا عن إجلالهم لحيدر علييف عبر زيارتهم لضريحه في هذا اليوم الحزين من كل عام.