مرايا –
أكد سياسيون وصحفيون سودانيون أن ما سميت بمبادرة “أهل السودان”؛ التي اختتمت مؤتمرا لها الأحد؛ تجاهلت بشكل كامل القضايا الجوهرية ومطالب الشارع، وأسست لإعادة إنتاج نظام الإخوان وواجهاته.
ونصت مقررات المؤتمر على منح الجيش جميع السلطات السيادية العليا في البلاد من خلال مجلس أعلى للدفاع؛ كما أقر إعادة أموال وأصول وأراضي تقدر قيمتها بمليارات الدولارات نهبتها عناصر من المؤتمر الوطني – الجناح السياسي لتنظيم الإخوان – إبان فترة حكمهم قبل أن تستردها اللجنة الوطنية التي كلفت باستردادها في أعقاب ثورة ديسمبر التي أطاحت بنظامهم في أبريل 2019.
وكان اللافت في توصيات البيان الختامي للمؤتمر الذي شهد مشاركة واسعة من عناصر وواجهات الإخوان هو تجاهل 3 قضايا أساسية يطالب بها الشارع السوداني وهي تفكيك لتفكيك منظومة فساد وتمكين الإخوان التي يعتقد على نطاق واسع إنها وفرت للتنظيم عشرات المليارات من الدولارات المنهوبة؛ ومكنت عناصره من معظم مفاصل مؤسسات الدولة المدنية والعدلية والامنية؛ كما تجاهل مطلب تحقيق العدالة لـ 117 شخصا قتلوا أثناء الاحتجاجات المستمرة منذ نحو 10 أشهر رفضا للإجراءات الخامس والعشرين من أكتوبر والمئات ممن قتلوا أثناء فض اعتصام لقيادة العامة للجيش في الثالث من يونيو 2019؛ ولم تعالج التوصيات أيضا بشكل واضح مسألة تشكيل المجلس التشريعي.
وشهد المؤتمر غيابا كاملا للقوى التي تقود الحراك الحالي في الشارع السوداني؛ مما جعل مراقبين يشبهونه بمبادرة “الوثبة” التي ابتدرها نظام الإخوان عندما اشتد عليه الضغط الشعبي في العام 2015؛ والتي جمع لها واجهات وأحزاب صغيرة تدين له بالولاء وتتقاسم معه السلطة.
ومن المتوقع أن تواجه توصيات المؤتمر في حال تنفيذها عقبات كبيرة أبرزها الرفض الواسع في الشارع المتمسك بمطالب محددة لم تتم مخاطبة أيا منها؛ إضافة إلى المجتمع الدولي الذي أعلن أكثر من مرة أنه لن يقبل بأي حكومة “غير توافقية”.
ووفقا للكاتب الصحفي شوفي عبد العظيم فإن هذه التوصيات إذا ما اعتمدت من قبل الشق العسكري فستؤجج الحراك في الشارع كما ستزيد من العزلة الدولية للسودان.
وأوضح بالعظيم لموقع سكاي نيوز عربية “لدى الشارع مطالب واضحة وهو منذ البداية كان رافضا لهذه المبادرة التي لم تفاجئ توصياتها المراقبين باعتبار أن من يقودونها ويسندونها هم أصلا من عناصر الإخوان والمؤيدين للشق العسكري”.
وأضاف أن تنفيذ مثل هذه المقررات سيعني مزيدا من العزلة الدولية، لأن المجتمع الدولي كان واضحا وربط أي عودة للتعاون مع السودان بتسليم السلطة لحكومة مدنية ذات مصداقية.
ومنذ نحو 10 أشهر يعيش السودان فراغا دستوريا كبيرا على خلفية الإجراءات التي اتخذها القائد العام للجيش في الخامس والعشرين من أكتوبر والتي أنهت الشراكة بين الشقين المدني والعسكري وعطلت بنود جوهرية من الوثيقة الدستورية التي كانت تحكم البلاد منذ أغسطس 2019.
ومنذ نهاية العام الماضي ظل السودان بلا حكومة تنفيذية وذلك بهد استقالة رئيس الوزراء السابق عبد الله حمدوك.
وتقول دول الترويكا (النرويج والمملكة المتحدة والولايات المتحدة) وبلدان الاتحاد الأوروبي إنها لن تدعم أي رئيس وزراء يتم تعيينه في السودان دون توافق المدنيين؛ وطالبت بالعودة للوثيقة الدستورية الموقعة في 2019. وتحمل تلك البلدان السلطات العسكرية المسؤولية عن انتهاكات حقوق الإنسان وتطالب بتسريع الجهود لمحاسبة الذين يعرقلون العملية الديمقراطية في البلاد.
وترى البلدان الأوروبية والولايات المتحدة أن أصحاب المصلحة السودانيون سيحتاجون إلى العمل على أساس الإعلان الدستوري لعام 2019 حول كيفية التغلب على الأزمة السياسية الحالية في البلاد؛ واختيار قيادة مدنية جديدة؛ وتحديد جداول زمنية واضحة وعمليات المهام الانتقالية المتبقية – بما في ذلك إنشاء المؤسسات التشريعية والعدلية.
وتشدد على أن أي عمل أحادي الجانب لتعيين رئيس وزراء جديد من شأنه أن يقوض مصداقية تلك المؤسسات ويخاطر بإدخال البلاد في المزيد من الصراع.
وشهد مؤتمر المبادرة التي يقودها القيادي السابق في المؤتمر الوطني – الجناح السياسي لتنظيم الإخوان – مشاركة واسعة من عناصر التنظيم وواجهاته وغياب كامل للقوى التي تقود الحراك الحالي في الشارع السوداني.
وأقرت المبادرة ضمنا باستمرار الشق العسكري في قيادة الفترة الانتقالية إذ اقترحت موافقة رئيس مجلس السيادة وقائد الجيش عبد الفتاح البرهان على تعيين رئيس الوزراء بعد ترشيحه؛ في حين يطالب الشارع بتأسيس سلطة مدنية كاملة وعودة الجيش إلى ثكناته.
وأشارت المبادرة أيضا إلى ضرورة “المصالحة وجبر الضرر”؛ وهو ما يتناقض مع مطلب الشارع بتحقيق العدالة لـ 117 شخصا قتلوا أثناء الاحتجاجات المستمرة منذ نحو 10 أشهر رفضا للإجراءات الخامس والعشرين من أكتوبر والمئات ممن قتلوا أثناء فض اعتصام القيادة العامة للجيش في الثالث من يونيو 2019. كما لم تحدد المبادرة آلية واضحة لتفكيك منظومة فساد وتمكين الإخوان التي يعتقد على نطاق واسع إنها وفرت للتنظيم عشرات المليارات من الدولارات المنهوبة، إضافة إلى تأسيس أذرع طويلة له في مؤسسات الخدمة المدنية والعدلية والأمنية.
وشبه شريف محمد عثمان القيادي في حزب المؤتمر السوداني والمجلس المركزي لقوى الحرية والتغيير المبادرة بتلك التي ابتدرها نظام الإخوان عندما اشتد عليه الضغط الشعبي في العام 2015؛ والتي جمع لها واجهات وأحزاب صغيرة تدين له بالولاء وتتقاسم معه السلطة.
وقال عثمان لموقع سكاي نيوز عربية إن المبادرة ومنذ إطلاقها قبل بضعة أسابيع وجدت رفضا واسعا من الشارع السوداني.
وأضاف عثمان “المبادرة هدفت لإعادة إنتاج نظام الإخوان وخلت أجندتها من أي معالجات للقضايا الأساسية لذلك كشفت عن نفسها سريعا”.
وفي حين وصف مشاركون في المبادرة مثل مبارك المهدي المساعد السابق للرئيس المعزول عمر البشير؛ الرافضين المبادرة والمشاركين في الحراك الحالي بـ “غير المنتجين”؛ وقال إن المبادرة تهدف لتحقيق الاستقرار والتوافق الوطني والوصول إلى انتخابات؛ يؤكد المحلل الصحفي فايز السليك أن أي مبادرة لا تخاطب قضايا الشارع الحقيقية سيكون مصيرها الفشل.
وقال السليك لموقع سكاي نيوز عربية إن المؤتمر فشل شكليا وإجرائيا وسعى فقط إلى إعادة تنظيم الإخوان إلى الواجهة ودعم استمرار الجيش في السلطة.
وفي ذات السياق؛ أشار كمال بولاد القيادي فيقوى الحرية والتغيير إلى أن مؤتمر المبادرة كان أشبه بـ “التغريد خارج السرب” لأنه تجاهل أصل الأزمة.
وأوضح بولاد لموقع سكاي نيوز عربية “عند النظر الي ما يسمي بمبادرة أهل السودان لابد من الرجوع إلى أصل الأزمة أو أسبابها فهي أزمه خرق وتجاوز للوثيقة الدستورية التي كانت تشكل الأساس الدستوري المتفق عليه والناظم لهياكل المرحلة الانتقالية وقد تم خرقها من طرف واحد رغم أنها كانت اتفاقا بين طرفين”.
واعتبرت رباح المهدي؛ الكاتبة ونجلة زعيم حزب الامة القومي الراحل الصادق المهدي؛ أن المبادرة لم تحسن التكتيك حيث أظهرت بوضوح ارتباطها بالمؤتمر الوطني المرفوض على نطاق واسع في الشارع السوداني.
وقالت المهدي لموقع سكاي نيوز عربية “ستفشل المبادرة في تسمية حكومة مدنية يسيطر عليها الجيش وستجد الرفض القاطع من كافة القوى الوطنية الحقيقية”.
وبالنسبة للصحفي مأمون الباقر، فإن أخطر ما في المبادرة هو اقحام الدين في السياسة مما أحدث شرخا كبيرا داخل المكونات الدينية نفسها؛ حيث رفصت مجموعات كبيرة من الطرق الصوفية ربط اسمها بالمبادرة، واعتبرتها محاولة للكسب السياسي.
ويقول الباقر لموقع سكاي نيوز عربية إن المبادرة أحدثت خلافا حولها داخل المؤسسة العسكرية حيث ألمح رئيس مجلس السيادة لدعمها في حين شكك نائبه فيها؛ مشيرا إلى أنه لن يعترف بها قبل النظر في قائمة الجهات التي تقف خلفها.
وأوضح الباقر “المبادرة لا تخرج في جوهرها ومظهرها عن تلك التجمعات التي كان ينظمها الإخوان خلال فترة حكمهم؛ لذلك لن تحقق أهدافها؛ وفقا لتعبيره.