مرايا – تعرضت المنطقة الخضراء في بغداد الخميس، لقصف صاروخي أسفر عن 10 جرحى، قبيل جلسة برلمانية لانتخاب رئيس للجمهورية، في خطوة تهدف إلى إخراج البلاد من مأزق سياسي عميق متواصل منذ عام، وتخللته مراحل من العنف والتوتر.
وانطلقت الجلسة بعد ساعتين من موعدها المقرر بحضور 277 نائباً من أصل 329، ما يعني تحقق النصاب. وقام النواب بالإدلاء بأصواتهم في جولة أولى تقدّم فيها عبد اللطيف رشيد الوزير السابق (78 عاماً) بعد فرز الأصوات وفق وكالة فرانس برس.
لكن لم يحصل أي مرشح على 220 صوتاً تخوله الفوز من الجولة الأولى، ولذلك سيجري التصويت في جولة ثانية بين المرشحين الحائزين على أعلى عدد من الأصوات.
وبدأت الجولة الثانية من جلسة التصويت على انتخاب رئيس الجمهورية بمشاركة 242 نائبا بحسب وكالة الأنباء العراقية التي أشارت إلى انحسار المنافسة بين عبد اللطيف رشيد وبرهم صالح بعد أن حصل الأول على 157 صوتاً والثاني على 99 صوتاً.
وفي انعكاس لحالة التوتر، تعرضت المنطقة الخضراء حيث يقع البرلمان ومؤسسات حكومية وسفارات أجنبية وأحياء مجاورة، لقصف بتسعة صواريخ من نوع كاتيوشا، بحسب بيان لخلية الإعلام الأمني الحكومية. وسمع مراسل فرانس برس في البرلمان دوي انفجارات، فيما سقط صاروخ قرب المبنى. ولا تتبنى أي جهة هذا الضربات التي تتكرر من حين إلى آخر.
وأصيب عشرة أشخاص بجروح بينهم ستة من قوات الأمن وحرس النواب، وفق مصدر أمني، كما أصيب 4 مدنيين بجروح عند سقوط صاروخ في حي سكني مجاور للمنطقة الخضراء.
ونددت السفيرة الأميركية في بغداد، ألينا رومانوفكسي، بالقصف، داعيةً في تغريدة العراقيين، إلى “إيجاد حلول لخلافاتهم السياسية ولتحقيق مطالبهم من خلال الوسائل السلمية فقط. مثل هذه الهجمات تقوض الديمقراطية وتحاصر العراق في دائرة دائمة من العنف”.
منذ الانتخابات التشريعية في 10 تشرين الأول/أكتوبر 2021، لم تتمكن الأطراف السياسية النافذة من الاتفاق على اسم رئيس جديد للجمهورية وتعيين رئيس جديد للحكومة، في صلب أزمة الخلاف بين المعسكرين الشيعيين الكبيرين: التيار الصدري من جهة، والإطار التنسيقي الذي يضمّ كتلاً عدّة من بينها دولة القانون بزعامة رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي وكتلة الفتح الممثلة لفصائل الحشد الشعبي.
لكن رئاسة الجمهورية تعكس من جهتها المنافسة الحادة كذلك بين الحزبين الكرديين الكبيرين.
وتتولى المنصب عادةً شخصية من حزب الاتحاد الوطني الكردستاني، فيما يدير الحزب الديمقراطي الكردستاني حكومة إقليم كردستان المتمتع بحكم ذاتي. لكن الحزب الديمقراطي الكردستاني بات يسعى كذلك إلى منصب رئاسة الجمهورية.
وفي العاصمة بغداد، أقامت القوات الأمنية صباح الخميس سواتر اسمنتية وأغلقت جسرين في بغداد أمام حركة السير، ما أثار حالة ازدحام.
“في اللحظة الأخيرة”
وأخفق البرلمان ثلاث مرات هذا العام في انتخاب رئيس للجمهورية لعدم تحقق نصاب الثلثين المطلوب لذلك (220 نائباً من أصل 329).
ورشّح حزب الاتحاد الوطني الكردستاني الرئيس الحالي برهم صالح للمنصب.
لكن مرشحاً آخر برز من جديد، فيما لم يتمكن الحزبان الكرديان الرئيسيان من حلّ خلافاتهما، وهو الوزير السابق والقيادي في الاتحاد الوطني عبد اللطيف رشيد البالغ من العمر 78 عاماً والذي ترشح بشكل مستقل.
وأعلن الحزب الديمقراطي الكردستاني (31 نائباً) في المقابل سحب مرشحه ريبر أحمد، مؤكدا عزمه على التصويت لعبد اللطيف رشيد، كما قال الوزير السابق والقيادي في الحزب بنكين ريكاني من البرلمان، مؤكداً أن كتلاً أخرى كبيرة سوف تصوّت كذلك لرشيد.
وقال ريكاني: “نحن قبلنا بمرشح التسوية وسحبنا مرشحنا كمساهمة من الحزب الديمقراطي الكردستاني في معالجة الانغلاق السياسي”.
وأعلن حزبان معارضان صغيران يملكان معاً 15 نائباً، مقاطعتهما جلسة الخميس.
وفور انتخابه، يمكن للرئيس الجديد تكليف رئيس حكومة، تختاره الكتلة الأكبر في البرلمان. ويقول حمزة حداد الباحث في المجلس الأوروبي للعلاقات الدولية إن “محمد شياع السوداني هو الشخصية الأوفر حظاً” لهذا المنصب، وهو وزير ومحافظ سابق عمره 52 عاماً، اختاره الإطار التنسيقي.
لكن حداد يشير إلى أنه “في السياسة العراقية، كلّ شيء يمكن أن يتغير في اللحظة الأخيرة”.
ومنذ إسقاط نظام صدام حسين في العام 2003 إثر الغزو الأميركي، تهيمن الأحزاب الشيعية على الحياة السياسية.
“حوار علني”
وكان ترشيح الإطار التنسيقي لمحمد شياع السوداني في الصيف، شرارة أشعلت التوتر بين الإطار والتيار الصدري الذي اعتصم مناصروه أمام البرلمان نحو شهر.
لكن الإطار التنسيقي الذي يضمّ كتلة نوري المالكي، رئيس الوزراء الأسبق والخصم التاريخي للصدر، لم يتراجع عن مرشحه.
ويعتزم الإطار تشكيل حكومة، وهو يمثّل حالياً الكتلة الأكبر في البرلمان، بعد الانسحاب المفاجئ لنواب التيار الصدري وعددهم 73 نائبًا من البرلمان.
ويطالب الصدر، الذي اعتاد على إطلاق المفاجآت السياسية، بحلّ البرلمان وإجراء انتخابات مبكرة.
ولا يزال موقفه بشأن التطورات غير معروف. وكان أثبت في الأسابيع الأخيرة قدرته على زعزعة المشهد السياسي عبر تعبئة عشرات الآلاف من مناصريه للنزول إلى الشارع.
وبلغ التوتر ذروته في 29 آب/أغسطس، حين قتل 30 من مناصريه في اشتباكات داخل المنطقة الخضراء مع قوات من الجيش والحشد الشعبي، وهي فصائل مسلحة شيعية موالية لإيران ومنضوية في أجهزة الدولة.
مذاك، لم يعلق الصدر على أي مسألة سياسية. لكنه مطلع تشرين الأول/أكتوبر دعا إلى استبعاد “الوجوه القديمة وأحزابها وأشخاصها” من الحكومة، معرباً عن انفتاحه على “حوار علني”.
ونشر الخميس تغريدة، يشجع فيها التلاميذ على بدء العام الدراسي الجديد.
وكانت بعثة الأمم المتحدة في العراق قد دعت الاثنين، الأطراف السياسية، إلى الانخراط في “حوار دون شروط مسبقة” من أجل إيجاد مخرج لـ”أزمة طال أمدها تنذر بمزيد من عدم الاستقرار”.