مرايا – تُحيي دولة أذربيجان اليوم الذكرى الحادية والثلاثين لمذبحة خوجالي بعد تحقيق النصر التاريخي في الحرب الوطنية التي انتهت بتحرير كل شبر من أراضينا المحتلة خلال 44 يوما بقيادة رئيس جمهورية أذربيحان، القائد الأعلى المنتصر/ إلهام علييف، والتي أفرحت قلوب مئآت الملايين عبر العالم وكذلك أرواح شهداءنا الذين سقطوا في حرب قره باغ الأولى والمجازر التي صاحبتها.

لقد أسفرت الإبادة الجماعية التي ارتكبتها قوات الاحتلال الأرمني بحق المدنيين العزل في مدينة خوجالي في 26 فبراير عام 1992، عن مقتل 613 مواطن أذربيجاني، بينهم 106 إمرأة و70 شيخاً و63 طفلاً، ناهيك عن أسر 1275 شخص وإصابة 487 نفراً وفقدان 150 فرد، بينهم 68 إمرأة و26 طفلاً الذين لا يزال مصيرهم مجهولاً، بالإضافة إلى حرمان 130 طفلاً من أحد أبويهم و25 طفلاً من كلا أبويهم. لقد تعرضوا مواطنونا للمجزرة إلا بسبب انتماءهم العرقي.
وقد وقع خيار القيادة العسكرية الأرمنية آنذاك جرّاء احتلال إقليم قره باغ الجبلية والمناطق السبع المجاورة له على مدينة خوجالي بحكم موقعها الإستراتيجي؛ إذ أنها تضمنت مطاراً وحيداً في نطاق الإقليم. وعقب الحصار الخانق الذي فرضتها القوات الأرمنية المعتدية، والذي استمر عدة أشهر، أخذ المحتلون الأرمن في فجر 26 فبراير عام 1992، وبدعم الفوج السوفيتي رقم 366 المتمركز بالقرب من عاصمة قره باغ الجبلية مدينة خانكندي، أخذوا في اجتراح الإبادة الجماعية، بحيث ما اشمأزّوا من استخدام كافة أنواع الأسلحة التي كانت في حيازتهم ضد الأبرياء. واضطرّ السكان تحت هكذا النيران الكثيفة إلى الفرار إلى الغابات نحو نهر قارقار، حيث تعرضوا للهجوم دون هوادة من 3 جهات.
وبعد حدوث هذه الواقعة البشعة في خوجالي، نقلت الصحف الأوروبية على أمثال “لي موند” الفرنسية و”تايمز” البريطانية وغيرهما استناداً إلى صحفييها، أخباراً عن جثث مقطوعة الرؤوس والجثث المتعرضة للتمثيل بها. وكتب الصحفي الفرنسي جان إيف يونت بما شاهده “لقد سمعت عن غدر الفاشيين الألمان. ولكن الأرمن، فاقوا ذلك بقتلهم الأبرياء والأطفال في عمر الخامسة والسادسة. وهنا لا بد أن تُضاف تصريحات سيرج ساركيسيان، الرئيس الأرمني الأسبق الذي شارك في مذبحة خوجالي بصفته قائداً عسكرياً للقوات العسكرية غير القانونية، حيث قال للصحفي البريطاني توماس دي فال دون إحساس بالخجل والحياء أنه “قبل خوجالي كان الأذربيجانيون يعتقدون بأننا نمزح معهم. يظنون أن الأرمن شعب لا يمكن أن يرفع يده على السكان الأبرياء. لقد تمكّنّا من كسر هذه الصورة النمطية. وهذا ما حدث. وانا لا أندم حتى لو مات آلاف الناس. ومثل هذه الاجراءات ضرورية”. وكذلك يجب التذكير ببعض المحطات من ذكريات المؤلف الأرمني ماركار ميلكونيان الذي تطرق فيها إلى دور المقاتلين من الكتيبتين الأرمنيتين “ارابو” و”أرامو”، وأورد تفاصيل كيفية ذبح السكان المسالمين من خوجالي على أيدي هؤلاء المقاتلين، حيث كتب أنه كاد بعض سكان البلدة يصلون إلى مأمن بعد فرارهم لما يقرب من ستة أميال عندما طاردهم الجنود الأرمن. وأشهروا الجنود سكاكينهم التي كانوا يحملونها لفترة طويلة وبدأوا في الطعن.
إن التطهير العرقي بحق سكاننا في مدينة خوجالي، يأتي من ضمن أكبر المآسي البشرية التي شهدها العالم في آواخر القرن العشرين. وإذا ألقينا النظر في تأريخ المجازر وحملات التطهير العرقي ضد الأذربيجانيين على أيدي الإرهابيين الأرمن خلال أعوام 1905-1906 و1918-1920 و1948-1953 و1988-1993، فنكتشف أن مذبحة خوجالي، كانت امتداداً للمسلسل الإجرامي الذي يعكس طبيعة العدو الأرمني، والذي أودى بحياة نحو مليوني شخص. وهنا لا مفر من الاستذكار أن جمهورية أرمينيا استمرت في تنفيذ الجرائم ضد الإنسانية حينما قامت بواسطة الأسلحة الفتاكة، بما فيها القنابل العنقودية وأنظمة الصواريخ، باستهداف المدنيين الأذربيجانيين والبنى التحتية المدنية في المدن الأذربيجانية مثل كنجة وباردا وتارتار الواقعة خارج ساحة القتال أثناء حرب قره باغ الثانية في 2020، مما أوقع أكثر من 100 قتيل ومنهم 12 طفلاً و27 إمرأة، وتسبب في إصابة 423 مدني. كما تعرضت أزيد من 5 آلاف مبنى سكني و76 منشأة عامة، بما فيها المدارس والمستشفيات ورياض الأطفال و24 مركز الإنتاج و218 منشأة تجارية و41 مبنى إداري و19 منشأة دينية للتدمير.
ولو احتكمنا الى المقاربات الحقوقية والقانونية الدولية بشأن مذبحة خوجالي، فنرى أن هذه المذبحة تنتهك بشكل سافر وصارخ حقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني، لا سيما إتفاقيات جنيف عن عام 1949 والوثائق الدولية الأخرى ذات الصلة. ويكون في محله، أن نشير الى بيان لجنة الوزراء لدى مجلس أوروبا صدر في 11 مارس عام 1992، يعني بعد مرور الأسابيع على المذبحة، حيث أعربت عن عميق قلقها إزاء التقارير الأخيرة حول أعمال القتل والاعتداءات العشوائية في أذربيجان وأدانت بشدة العنف والهجمات ضد السكان المدنيين في منطقة قره باغ الجبلية التابعة لجمهورية أذربيجان. كما أصدرت المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان في 22 أبريل عام 2010 قراراً اعتبرت فيه الأحداث في خوجالي على أنها تعادل جرائم حرب والجرائم ضد البشرية وأن كل من شارك في إرتكاب هذه المذبحة هو شريك كامل في تلك الجريمة.
وإلا مع صعود الزعيم الوطني للشعب الأذربيجاني حيدر علييف الى السلطة السياسية، انطلقت عملية نقل الحقائق عن خوجالي الى المجتمع الدولي في ظل ترويج السلطات الأرمنية والشتات الأرمني عبر العالم للمعلومات المضللة والأكاذيب. وقد أمسى يوم 26 فبراير يوم مجزرة خوجالي، وذلك بمبادرة القائد العظيم حيدر علييف في عام 1993. كما أطلقت ليلى علييفا، المنسقة العامة للحوار بين الثقافات بمنتدى شباب منظمة التعاون الإسلامي، ونائب رئيسة مؤسسة حيدر علييف الخيرية عام 2008 الحملة الدولية تحت العنوان “العدالة لخوجالي” التي أسهمت كثيراً في تكثيف الدعاية في هذا الاتجاه. وبالتوازي، تجدر الإشارة إلى دور مهم الذي تلعبه مؤسسة حيدر علييف برائسة السيدة/ مهربان علييفا، النائب الأول لرئيس الجمهورية في إيصال الحقائق سواء إقليميا أو عالمياً وإلى المسيرة الشعبية التي إحتضنتها العاصمة باكو في 26 فبراير عام 2019 والتي تقدمها فخامة/ إلهام علييف، رئيس جمهورية أذربيجان.
أما نيل التقييم السياسي والحقوقي للمذبحة على نطاق دولي، فتتشرف بأن تذكر صدور بيان مجلس الأعيان في 19 يونيو عام 2013، والذي أدان مجزرة خوجالي، مما لقي ترحاباً واسعاً في جمهورية أذربيجان دولة وحكومة وشعباً، وسنظل معتزّين بهذه الخطوة العادلة والهامة. وهكذا انضمّ مجلس الأعيان إلى مصفّ نظيراته الدولية، وأصبح الأردن أول دولة عربية أقرت بهذه الإبادة الجماعية.
واغتناماً لهذه الفرصة السانحة، تود السفارة أن تتقدم إلى جميع أشقاءنا وأصدقاءنا الأردنيين بوافر شكرها وعرفانها وبالغ امتنانها لجهودهم ودورهم البارز في إطلاع الرأي العام والشعب الأردني الصديق على قضايا جمهورية أذربيجان.