تشهد المنطقة الحدودية في جنوب لبنان منذ أسبوع تصعيدا عسكريا بين حزب الله وفصائل فلسطينية من جهة وإسرائيل من جهة ثانية، ما يثير خشية من توسع نطاق الحرب في قطاع غزة وفتح جبهة جديدة.

وأعلنت إسرائيل مساء الأحد أنها “لا تريد تصعيدا” على حدودها الشمالية مع لبنان.

وقال وزير جيش الاحتلال الإسرائيلي يوآف غالانت في مقطع فيديو نشره مكتبه في أثناء زيارته للقوات الإسرائيلية في الجنوب “ليس لدينا مصلحة في حرب في الشمال ولا نريد تصعيد الوضع”. وأضاف “إذا اختار حزب الله طريق الحرب فسوف يدفع ثمنا باهظا جدا… وسوف نحترم خياره بضبط النفس ونبقي الأمور على ما هي عليه”.

وأمر جيش الاحتلال الإسرائيلي الأحد بالإجلاء الفوري لمدنيين وإغلاق منطقة بطول أربعة كيلومترات من الحدود الشمالية مع لبنان، فيما أعلن حزب الله استهداف مواقع عسكرية إسرائيلية على الجانب الآخر من الحدود.

وقتل مدني إسرائيلي وأصيب آخرون بجروح في شتولا بشمال فلسطين المحتلة من جراء سقوط صاروخ تبنى حزب الله إطلاقه.

وقال الحزب في بيان انه هاجم “ثكنة حانيتا الصهيونية بالصواريخ الموجّهة مما أدى إلى إصابة دبابتين من نوع ميركافا وناقلة جند مجنزرة وسقوط عدد من القتلى والجرحى في صفوف جيش العدو”.

وأفاد الحزب في بيان آخر مساء الأحد بأنه هاجم خمسة مواقع إسرائيلية حدودية هي جل العلام، بركة ريشا، موقع راميا، موقع المنارة، موقع العباد.

وقال جيش الاحتلال الإسرائيلي إن جنوده تعرضوا لإطلاق نار جديد عبر الحدود مع لبنان وهم يردّون على مصدر النيران.

كما أعلن حزب الله في بيان بعد ظهر الأحد “مهاجمة ثكنة حانيتا”، مؤكدا “إصابة دبابتين وناقلة جند و(سقوط) عدد من القتلى والجرحى بصفوف الجيش الإسرائيلي”.

كذلك، تبنّت حركة حماس الأحد عمليتي تسلل نفذتهما الجمعة والسبت انطلاقا من جنوب لبنان.

وأعلن جيش الاحتلال الإسرائيلي أن طائرات حربية تضرب مواقع لحزب الله في لبنان فيما يجري تبادل إطلاق نار عبر الحدود.

وأسفر التصعيد منذ أسبوع عن مقتل أكثر من عشرة أشخاص غالبيتهم مقاتلون وبينهم ثلاثة مدنيين من ضمنهم مصور وكالة رويترز في لبنان، فيما قتل شخصان على الأقل في إسرائيل.

وبدأ التوتر في لبنان غداة شن حركة حماس هجوما غير مسبوق ضد إسرائيل التي ترد بقصف عنيف يستهدف قطاع غزة.

ومنذ هجوم حماس في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر، قتل أكثر من 1400 شخص في إسرائيل بحسب آخر حصيلة أدلت بها السلطات الأحد.

وفي قطاع غزة، استشهد ما لا يقل عن 2670 شخصا بينهم أكثر من 700 طفل في قطاع غزة وجرح أكثر من 9600، وفق آخر حصيلة أعلنتها وزارة الصحة التابعة لحماس الأحد.

مخاوف من فتح جبهة جديدة

وقال الباحث في مجموعة الأزمات الدولية هايكو ويمن “إن الطرفين حتى الآن يبدوان ملتزمين بقواعد اللعبة”، في إشارة إلى “تفاهمات غير معلنة حول الخطوط الحمر التي يجب عدم تجاوزها تجنبا للتصعيد”.

ورغم ذلك، حذر من تصعيد “دمويّ قد يحصل في أي لحظة”.

وفي الأيام القليلة الماضية، أعلن حزب الله مرات عدة قصف مواقع إسرائيلية قرب الحدود.

ويمثل توسع نطاق القصف الأحد إلى منطقة شتولا “رفعا لدرجة التصعيد”، وفق ما كتب ويمن على منصة إكس.

ورغم أن التصعيد لا يزال محدودا، وفق قوله، لكن “النظر في التفاصيل مهم للغاية”.

ورجح محللون أن يصعد حزب الله بشكل أكبر تدخله في حال شنت إسرائيل هجوما بريا في قطاع غزة.

وعلى وقع استعدادات قوات الاحتلال الإسرائيلي الأحد لعملية برية وشيكة على قطاع غزة، حذرت إيران حليفة حماس وحزب الله، الأحد من أن “لا أحد” يمكنه “ضمان السيطرة على الوضع”، وذلك على لسان وزير خارجيتها حسين أمير عبداللهيان.

من جهته، قال مستشار الأمن القومي للبيت الأبيض جايك ساليفان الأحد “هناك خطر قائم بأن يشهد النزاع تصعيدا، بفتح جبهة ثانية في الشمال، وبالطبع بتدخل إيران”.

وشدّد ساليفان على أن الولايات المتحدة “لا يمكنها استبعاد فرضية أن تتخذ إيران قرارا بالتدخل مباشرة بشكل أو بآخر”.

وأكد وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن في القاهرة الأحد بعد جولة على ست دول عربية، أن حلفاء بلاده العرب “متمسكون بأن لا يتسع نطاق النزاع مع إسرائيل” مشيرا إلى أن الدول العربية التي زارها “تستخدم قنواتها الخاصة للتأكد من أن ذلك لن يحدث”.

وحشدت إسرائيل قواتها ودباباتها على طول الحدود الشمالية، على مقربة من أماكن تركّز انتشار حزب الله في جنوب لبنان.

وكان عبد اللهيان صرّح السبت من بيروت أن “أمن لبنان مهم بالنسبة للجميع وبالنسبة للجمهورية الإسلامية الإيرانية”، مشيرا في الوقت ذاته إلى أنه “بالنسبة لفتح جبهات جديدة، فمن الممكن تصور أي احتمالية”.

وخلال تظاهرة تضامنية مع الفلسطينيين في غزة، أعلن نائب الأمين العام للحزب نعيم قاسم الجمعة جهوزية حزبه “متى يحن وقت أي عمل” للتحرك ضد إسرائيل.

ضبط النفس

مساء الأحد أعلنت قوة الأمم المتحدة المؤقتة العاملة في جنوب لبنان (اليونيفيل) أن مقرها العام في الناقورة أصيب بصاروخ، تعمل على التحقق من مصدره.

وقالت في بيان إن “الهجمات على مدنيين أو على موظفي الأمم المتحدة تشكل انتهاكات للقانون الدولي قد ترقى إلى جرائم حرب”.

وحضّت قوى غربية عدة على ضبط النفس وحذّرت من توسع النزاع في حال فتح جبهات أخرى مع إسرائيل، خصوصا من جنوب لبنان.

وفي هذا السياق، أعلن قصر الإليزيه أن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون “حذّر” الأحد نظيره الإيراني إبراهيم رئيسي في اتصال هاتفي من “أي تصعيد أو توسيع للنزاع” بين إسرائيل وحماس “خاصة في لبنان”.

ودعت فرنسا السبت حزب الله إلى عدم الانخراط في النزاع بين إسرائيل وحماس، معربة عن قلقها حيال الوضع المتوتر على الحدود بين لبنان وإسرائيل.

وكان الرئيس الأميركي قال الأربعاء “وجّهت رسالة واضحة للإيرانيين مفادها: احذروا”.

وخاض حزب الله وإسرائيل حربا مدمّرة صيف 2006، خلّفت أكثر من 1200 قتيل في الجانب اللبناني معظمهم من المدنيين، و160 قتيلا في الجانب الإسرائيلي معظمهم من العسكريين. وتسبّبت الحرب التي استمرت لـ34 يوما بنزوح نحو مليون لبناني من بلداتهم.

ودفع التوتر المستمر منذ أسبوع سكان القرى الحدودية في جنوب لبنان إلى النزوح باتجاه مناطق أخرى أكثر أمانا، في مشهد أعاد تذكير السكان بتجربة النزوح عام 2006.

ويأتي التصعيد في وقت تعصف فيه بلبنان منذ أربع سنوات أزمة اقتصادية غير مسبوقة.