اُختتمت، الخميس، جلسة الاستماع الأولى بمحكمة العدل الدولية في الدعوى التي رفعتها جنوب إفريقيا ضد إسرائيل بتهمة ارتكاب “إبادة جماعية” في قطاع غزة المحاصر، فيما أعلن رئيس المحكمة جوان دونوغو عن تأجيل الجلسة إلى الجمعة للاستماع إلى مرافعات إسرائيل.
وقال الفريق القانوني لجنوب إفريقيا في الجلسة، إن هذه القضية مهمة جدا لمستقبل القانون الدولي مقارنة بأي قضية أخرى، مشددا على أن دور المحكمة لا يقتصر على تفسير اتفاقية منع الإبادة بل يمتد إلى الحرص على تطبيقها.
وطالب الفريق القانوني محكمة العدل الدولية أن تتحرك فورا لمنع الإبادة الجماعية في قطاع غزة، وأن تدعو إسرائيل إلى تعليق عملياتها العسكرية فورا في غزة.
وقال الفريق “يجب على إسرائيل الكف عن قتل الفلسطينيين وإلحاق أي أذى جسدي أو نفسي بهم، وأن تتجنب أي أفعال تحرم الفلسطينيين من الحصول على الماء والغذاء والدواء”.
واختتمت محامية من الفريق القانوني لجنوب إفريقيا، مرافعتها أمام محكمة العدل الدولية برسالة كتبها طبيب داخل مستشفى في شمال قطاع غزة قبل استشهاده بقصف للاحتلال الإسرائيلي قال وقتها “قمنا بما في وسعنا، تذكرونا”.
ودعا الفريق القانوني محكمة العدل الدولية أن توجب إسرائيل بمعاقبة كل من يحرض أو يدعو إلى ارتكاب إبادة جماعية في غزة، ومنع تدمير الأدلة وعدم وضع أي قيود على بعثات تقصي الحقائق، وعدم اتخاذ أي تدابير تطيل أمد هذا النزاع.
وبدأت محكمة العدل الدولية، الخميس، أولى جلساتها لمحاكمة إسرائيل بتهمة ارتكاب جرائم “إبادة جماعية” في قطاع غزة، بناءً على دعوى رفعتها دولة جنوب إفريقيا وأيدتها عشرات الدول في سابقة تاريخية في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي.
وقدمت جنوب إفريقيا إلى المحكمة ملفا محكما من 84 صفحة، جمعت فيه أدلة على قتل إسرائيل لآلاف الفلسطينيين في غزة، وخلق ظروف “مهيئة لإلحاق التدمير الجسدي بهم”، ما يعتبر جريمة “إبادة جماعية” ضدهم.
وتناولت جلسات الاستماع بشكل حصري طلب جنوب إفريقيا باتخاذ إجراءات عاجلة تأمر إسرائيل بتعليق عملياتها العسكرية في قطاع غزة بينما تستمع المحكمة إلى الأسس القانونية للقضية في عملية قد تستمر لسنوات.
وبدأت جلسات المحكمة بمرافعة استهلالية قدمها وكيل دولة جنوب إفريقيا، ووزير العدل رونالد لامولا، تلاها مرافعة ممثلة جنوب إفريقيا أمام المحكمة.
– نظام فصل عنصري –
وقال وكيل جنوب إفريقيا أمام محكمة العدل الدولية، إن الشعب الفلسطيني تعرض للنكبة في عام 1948، وجردته إسرائيل من حقوقه غير القابلة للتصرف، مثل حق العودة وتقرير المصير.
وطالب، بوقف السياسات التمييزية التي ترتكبها إسرائيل تجاه الشعب الفلسطيني مستخدمة الحصانة التي تُمنح لها، وفي الفترة الأخيرة صعّدت إسرائيل عدوانها بحق الشعب الفلسطيني.
وأضاف، أن إسرائيل ترسخ نظام الفصل العنصري في الأراضي الفلسطينية، وتفرض حصارا على قطاع غزة، وتحرض ضد الشعب الفلسطيني وقتله، ما ينتهك اتفاقية الإبادة الجماعية.
وقال: “نحن وممثلو دولة فلسطين وحقوق الإنسان نرفع هذه الدعوى المدعومة بالتقارير بالنيابة عن مواطني قطاع غزة الذين لا يستطيعون العيش بأمن”.
– إسرائيل تجاوزت كل الحدود –
وقال وزير العدل في جنوب إفريقيا رونالد لامولا “لا يمكن لأي هجوم مسلّح على أراضي دولة مهما كانت خطورته (…) أن يقدّم أي تبرير لانتهاكات الاتفاقية”.
واتهمت بريتوريا في وقت لاحق، إسرائيل بانتهاك اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها، وقالت إنها “تدرك تمامًا حجم المسؤولية الخاص ببدء ملاحقات ضد إسرائيل لانتهاك الاتفاقية”.
وأشار الوزير لامولا إلى أن بلاده تقدم هذا الطلب نيابة عن دولة فلسطين من باب الإيمان بمنع الإبادة الجماعية، مشيرا إلى أن ما يحصل في غزة مخالف للاتفاقيات الدولية، ويجب العمل على وقف حالة التدمير التي تتعرض لها فلسطين.
وأضاف أن إسرائيل تسيطر على كل شيء في القطاع، وتمنع إمكانيات الحياة، وتحرم المواطنين من حقوقهم الأساسية.
ونوه إلى أن المجتمع الدولي يعتبر إسرائيل دولة محتلة، وكان هناك محاولات عدة لمنع العمليات العسكرية الإسرائيلية في قطاع غزة، فكل ما يحصل لا مبرر له لا في القانون ولا في الانسانية، مؤكدا أن إجراءات إسرائيل تجاوزت كل الحدود.
وأشار إلى أنه وفق المادة الأولى للمحكمة تقدمت جنوب إفريقيا بهذه الدعوى لضمان صون العدالة والأخلاق، ووقف أعمال الإبادة الجماعية لضمان حقوق كل انسان في الحياة والتمتع بالسلام والأمن.
– “إلى حافة المجاعة” –
وأوضحت المحامية من وفد جنوب إفريقيا عادلة هاشم، “أن العمليات العسكرية الإسرائيلية في قطاع غزة دفعت السكان “إلى حافة المجاعة”.
وأكدت أن “الوضع بلغ حدا بات فيه الخبراء يتوقعون أن يموت عدد أكبر من الناس جراء الجوع والمرض”، جراء أفعال عسكرية مباشرة، مؤكدة ضرورة منع إسرائيل من الاستمرار في ارتكاب الإبادة الجماعية”.
وأوضحت أن غزة من أكثر مناطق العالم اكتظاظا ويواجه سكانها حرب إبادة لم يشهدها التاريخ، ولا تسمح إسرائيل بدخول المساعدات الإنسانية إلى القطاع، لذا على المحكمة أن تقوم بدراسة ما ترتكبه إسرائيل من جرائم، وأن تستصدر قرارا لوقف أعمال الإبادة بحق المواطنين الفلسطينيين.
وقالت: هناك مواد مسموعة ومرئية ستُعرض على المحكمة لتوضيح كيف تنتهك إسرائيل اتفاقية الإبادة الجماعية، ومستوى القتل الذي تستخدمه إسرائيل، الذي لم يشهده مكان آخر، مبينة أنه لا يوجد مكان آمن في غزة، وقتل وجرح عشرات الآلاف على مدار الأشهر الثلاثة الماضية، و70% من الضحايا من النساء والأطفال، وما زالت نسبة كبيرة منهم تحت الأنقاض.
وأضافت: “الشعب الفلسطيني يتعرض للقتل في البيوت، والمساجد، والكنائس، والمدارس والمستشفيات، ويُقتلون، وهم يبحثون عن الطعام والأمان، ووُجد الكثير من الضحايا في مقابر جماعية، فإسرائيل ترتكب عمليات قتل جماعي بحق العائلات الفلسطينية، وتعمل على إيقاع ضرر لا يمكن تخيله، وتصيب المواطنين بإعاقات، وتجبرهم على الخروج من منازلهم، حيث هُجروا أكثر من مرة”.
ونوهت إلى أن إسرائيل طلبت من الأطفال والمرضى الخروج من المستشفيات، ودمرت أكثر من 300 ألف وحدة سكنية، ودمرت البنية التحتية بشكل كامل، مشيرة إلى أن الجيش الإسرائيلي يحتفل بتدمير المدارس والمؤسسات الفلسطينية، ويدعون إلى بناء المستعمرات على أراضي قطاع غزة.
وبينت، أن إسرائيل تعمل على تجويع الفلسطينيين في قطاع غزة، حيث أصبحت على حافة مجاعة حقيقية، وتعرقل وصول المساعدات.
وعرضت هاشم مقاطع فيديو لتهافت المواطنين على شاحنات المساعدات التي وصلت إلى قطاع غزة، حيث لا يوجد ملابس، ولا مساكن، ولا مياه نظيفة في القطاع، ويواجه القطاع حالة من تفشي الأمراض، ويُحرم المصابون والجرحى من تلقي العلاج.
وأشارت إلى أن الإجراءات التي ترتكبها إسرائيل تمنع النساء من الولادة بالطرق الإنسانية، إذ إن 15% من النساء يواجهن مشاكل متعلقة بالحمل والولادة، وتستهدف إسرائيل العاملين في مجال المساعدات الإنسانية.
– لا بد من وضع حد للفظائع الإسرائيلية –
وقال ممثل جنوب إفريقيا، إن إسرائيل تستهدف النساء والأطفال منذ السابع من تشرين الأول الماضي، ولدينا قلق من أن إسرائيل ترتكب إبادة جماعية.
وأضاف، أن جنوب إفريقيا كررت أكثر من مرة أن ما يحدث هو انتهاك واضح للاتفاقية الدولية حول الإبادة الجماعية.
وتابع أن رئيس جنوب إفريقيا أعلن بشكل عام وصريح أن ما يحدث هو تحويل قطاع غزة إلى معسكر إبادة.
وأكد، أن بلاده أخطرت إسرائيل بأن ما تقوم به هو عمل من أعمال الإبادة، فيما ردت إسرائيل باستدعاء سفير جنوب إفريقيا، مشددا على أنه لا بد من وضع حد لتلك الفظائع.
وأشار إلى أن جنوب إفريقيا أكدت مرارا في مجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة أن إسرائيل ترتكب إبادة جماعية في قطاع غزة، وعليها مراجعة سلوكها، كما على المجتمع الدولي أن يحقق في سلوك إسرائيل.
وتابع أن على إسرائيل أن تدرك أن طلب جنوب إفريقيا نتيجته ستؤثر في أي قضية أمام المحكمة مستقبلا، فيما ستحظى القضية بالاهتمام الخاص والكبير بما ورد في اتفاقية الإبادة الجماعية، لأن الهدف منع ارتكاب الإبادة والمعاقبة عليها.
وعبرت كل من: الأردن وتركيا وليبيا وباكستان وبنغلادش وجزر المالديف وفانزويلا وناميبيا ونيكاراغوا وماليزيا وإندونيسيا وبوليفيا وكولومبيا والبرازيل ومنظمة التعاون الإسلامي التي تضم 57 دولة اسلامية، وجامعة الدول العربية، إضافة إلى 200 بروفيسور وخبير في القانون الدولي معظمهم من جامعات أميركية عريقة، عن تأييدهم للدعوى التي رفعتها جنوب أفريقيا إلى المحكمة الدولية.
وخلال جلسات على مدى يومين ستستمع المحكمة لمبررات جنوب أفريقيا لرفع القضية ورد إسرائيل على ذلك غدا الجمعة.
ومن المتوقع أن يصدر حكم في وقت لاحق من هذا الشهر بشأن الإجراءات العاجلة التي يُتوقع أن تتضمن أوامر عاجلة لإسرائيل بوقف عملياتها العسكرية في قطاع غزة، لكن المحكمة لن تُصدر حكمها فيما يتعلق باتهامات الإبادة الجماعية في الوقت نفسه.
وكانت جنوب إفريقيا قد قدمت في التاسع والعشرين من شهر كانون الأول الماضي دعوى ضد إسرائيل القوة القائمة بالاحتلال، على خلفية تورطها في “أعمال إبادة جماعية” ضد شعبنا في قطاع غزة.
وتتعلق الدعوى بالتزامات إسرائيل بموجب اتفاقية الإبادة الجماعية، وطلبت جنوب أفريقيا من محكمة العدل الدولية إقرار إجراءات عاجلة لحماية أبناء شعبنا في غزة الذين يواجهون ظروفا معيشية كارثية نتيجة جرائم الحرب التي ترتكبها قوات الاحتلال.
وطلبت جنوب أفريقيا من محكمة العدل الدولية، أن تتخذ تدابير مؤقتة لحماية أبناء شعبنا الفلسطيني في غزة من المزيد من الأذى، وضمان امتثال إسرائيل لاتفاقية الإبادة الجماعية، ووقف عملياتها العسكرية في قطاع غزة فورا.
وأكدت جنوب أفريقيا أن “أعمال الإبادة الجماعية” يجب أن توضع في “السياق الأوسع لسلوك إسرائيل تجاه الفلسطينيين خلال نظام الفصل العنصري منذ 75 عاما، واحتلالها الحربي للأراضي الفلسطينية الذي دام 56 عاما، وحصارها المستمر لغزة منذ 16 عاما”.
ومنذ السابع من تشرين الأول الماضي، يشن الاحتلال عدوانا مدمرا على قطاع غزة، خلّف في حصيلة غير نهائية، أكثر من 23 ألف شهيد، و59 ألف مصاب، أكثر من 70% منهم نساء وأطفال، وأكثر من 7 آلاف شخص في عداد المفقودين تحت الأنقاض، إضافة إلى دمار هائل في البنية التحتية وكارثة صحية وإنسانية غير مسبوقة.