مرايا – عمر كلاب
ليس من باب التهكم او المناكفة, وجب الوقوف امام ظاهرة, فراغ الشعار الحزبي الانتخابي من المضمون, بل من واجب نقد التجربة واظهار مواطن الخلل, الناجم عن نقص التجربة, اولا, والخلل المصنعي الذي احاط بتشكيل وتكوين الاحزاب اساسا, وانعكاس هذا الخلل على القوائم الحزبية والشعار الانتخابي لاحقا, عبر الاستعانة باسماء مكرورة, تمتلك حواشة صوتية غير حزبية على الاطلاق, وبالتالي الحكم على الرقم الانتخابي لن يكون حاسما او مؤشرا على التجربة.
نبدأ من الخلل المصنعي, فالتجربة الحزبية والعمل الحزبي, اسير المحبسين – كما وصف نفسه الشاعر ابي العتاهية, اسير العمى والفقر- والحزبية اسيرة محبسين وربما اكثر, لكن المحبس الاول: هو عقل السلطة المركزي, الذي يرفض فكرة الحزبية جذريا, لانه تضرب مصالح طبقة السلطة, فسعت الى اجهاض التجربة, عبر تخليق الاحزاب, في مختبرات غير مجتمعية, وانبتتها في حواضن مشوهة, فكان الخلل المصنعي حاضرا في الفكرة والشخوص.
بل ودفعت بأعداء العمل الحزبي, من رجالاتها الى تصدر المشهد, فمن كان يشتم الاحزاب سابقا, بات حزبيا صرفا, بل مولود في خلية حزبية ودرس في مدرسة حزبية, وقاد مظاهرات في حياته الجامعية, ولم يكتف عقل السلطة بذلك, بل نقل اليها اخطر فيروس, ضرب الحياة السياسية, واقصد المحاصصة, وتوزيع المواقع جهويا واقليميا وطائفيا, فإنتفت فكرة الهوية السياسية, وتكرست الهويات الفرعية وتشرعنت حزبيا.
على المقلب الآخر, اي الاحزاب ذات الولادة القديمة ولا اقول التاريخية, كانت ردة الفعل مساوية في القوة ومتناغمة مع الاتجاه, عكس نظرية نيوتن, فاستعانت باسماء متكلسة وببرامج من المتحف السياسي, وبأسماء مغرقة في الكهولة والانسداد المعرفي والشراييني, فاليسار بقي على عهده مع ازدواجية المعايير, واليمين الاسلاموي, اسير مواقفه الكلسية الرافضة, والقومية مسكونة بتاريخها الانقلابي, وساد منطق السوبرمان او الامين العام, العالم بكل التفاصيل والممسك بكل الخيوط, في الاحزاب المصنعة والاحزاب القديمة, وعلينا ان ننتظر قدر الله والحل البيولوجي للتخلص منهم.
الحياة الحزبية تحتاج الى نمطين من الاعضاء, بالاضافة الى الاجيال الجديدة, اليمين المتنور واليسار التائب من السلفية اللينينية, وهذان النمطان مرفوضتان جملة وتفصيلا من عقل السلطة, التي تعشق المتحولين -فكريا طبعا-, او المتمترسين, فهم اقل كلفة واكثر طواعية, ومن يقرأ انماط استعانة السلطة بالمعارضين, ستجد انهم اما متحولين او متكلسين, فلا خوف منهم, على عكس كلفة العقل المتحرر والمستقل الذي يتمتع به, اعضاء اليمين المتنور و اليسار التائب.
وسط هذه الظروف نمت الحياة الحزبية, القادمة من فضاء رحب, انتجته لجنة تحديث المنظومة السياسية, وبالقياس الى سابقات تاريخية, من لجان اصلاح واجندات, فإنها حققت فتحا في طريق مسدود, لكن العبث تم بمخرجاتها, من خلال فرق الحرائق السياسية, الممسكين على جمر اللحظة والمواقع حتى لو احترق البلد, فجرت الهندسة, وعمليات نقل القوات المحمولة الى الاحزاب, وتوفير دعم لوجستي لشخوص لا يعرفون ادنى مفاهيم العمل الحزبي, وتم تصنيع التحالفات والقوائم وفق ادنى درجات المعرفة واعلى درجات الجهالة.
واظن ان ملاحظات رئيس لجنة التحديث السياسي, الذي انتقد الحالة بأدبه السياسي, دليل على ذلك, وشاطره الرأي رئيس الهيئة المستقلة للانتخابات, صاحبة الولاية في منح التراخيص وتهيأة البيئة الانتخابية, مع ادراج ملاحظة واجبة, ان التجريف السياسي كان واسعا, في زمن تولي رئيس الهيئة نفسه, ملف التنمية السياسية, كأطول وزير لها, لكنه ايضا من مدرسة التحول الفكري, بل لعله احد ابرز المتحولين, رغم بقائه على ود مع متحولين من نفس مدرسته الحزبية السابقة, ممن اصابهم الزهايمر الفكري والسياسي.
كل ما سبق انتج شعارا باهتا, وصورا كاذبة, مشغولة في مراكز الفوتوشوب, وفيها خلط بين الشعار الانتخابي, واعلان ترويج الحزب, فالاسلام هو الحل كنموذج هروب من البرامج, التقطت ثيمته الاحزاب الوليدة, بأن الارادة قدرة, ونفس الشئ حدث مع الاحزاب الناشئة مدنيا, فشورنا من راسنا ورغيفنا من فأسنا, هو نفس شعار نأكل مما نزرع ونلبس مما نصنع, واما قوة التغيير فهو شعار مسروق من حملة اوباما وذلك يكفي للاشارة الى روح التغيير المنشودة عند التيار المدني.
شعارات الاحزاب هي اقرب الى الشعوذة السياسية منها الى الشعار الانتخابي, ولذلك اقترح على الاحزاب ان تستعيد تجربة المشعوذين وبرامجهم واعلاناتهم, فهم في لحظة فارقة, نجحوا في احتلال الصدارة والمتابعة, بشعار رد المطلقة وجلب الحبيب.
هل يعني ذلك ان نستسلم الجواب لا, لذلك سنقف على باب التجربة, ونسعى الى تجويد مخرجها, برفع نسبة التصويت حتى لو بورقة بيضاء, حتى لا يجتاز العتبة الا من يملك على الاقل تفويضا شعبيا معقولا, ولنا قراءة في القوائم وفرصها على المستوى الحزب
ي والمحلي