مرايا – كشف تحقيق استقصائي لصحيفة الغد عن تزوير لشهادات ثانوية عامة غير اردنية يصل سعرها في بعض الحالات الى 12 ألف دينار.
واوضح التحقيق بأن خوف الطلاب من اجتياز الامتحان دفع بعض المتاجرين إلى ترويج شهادات ثانوية عامة غير أردنية مصدقة ومعادلة.
وأنعش هذا الوضع غير القانوني واللاأخلاقي، أعمال شبكات منظمة في الأردن وخارجه تتاجر بقدسية العلم سرا، وتنفذ مخططاتها أذرع متغلغلة في مفاصل جهات رسمية وجامعية، بدءا من إصدار الشهادة من دول عربية مجاورة أرهقتها الحروب والنزاعات، مرورا بتصديقها ومعادلتها رسميا، وانتهاء بجلوس الطالب على المقعد الجامعي الذي يحدده.
وسط هذه الفوضى، تتبعت ‘الغد’ بدورها مرحلة بيع شهادات ‘التوجيهي’، بعد أن تفاوضت معدتا التحقيق مع سماسرة وتجار في الأردن وخارجه لهذه الغاية، ممن يستطيعون تأمين شهادات مصدقة وبأختام سليمة، لتحقيق حلم مشترين بمعدلات ممتازة، شريطة عدم مغادرة أبنائهم حدود المملكة، وتسجيلهم في الجامعات الأردنية.
وكان أغلب التجار والسماسرة الذين تعاملت معهم ‘الغد’ يلهثون وراء معدتي التحقيق، لبيعهما شهادتين بثمن يصل إلى 16 ألف دينار كحد أعلى، ثم ما لبثوا أن تعهدوا بعد اتصالات ومقابلات عديدة، بإجراء خصومات ليصل المبلغ إلى 13 ألف دينار في حال عقد الاتفاق الرسمي.
وفهمت ‘الغد’ أنه بمجرد إرسال هوية الأحوال المدنية للطالب وتقديم مبلغ ألف دينار لتاجر الشهادات، تبدأ مرحلة تسجيل الطالب في مدرسة غير أردنية، بحيث تغادر هويته أو جواز سفره المملكة فيما يبقى الطالب في بلده إلى حين إصدار الشهادة المعادلة رسميا، التي تؤهله لتسجيل تخصص الهندسة أو الطب أو الصيدلة، وفقا لرغبته أو رغبة أسرته الممولة لمشروع ‘شراء الشهادة’.
وللتأكد مما سبق، زودت ‘الغد’ دائرة الإقامة والحدود الأردنية بقائمة أسماء الطلبة المتورطين بالحصول على هذه الشهادات، حيث أكد مصدر مطلع فضل عدم ذكر اسمه أن ‘هؤلاء الطلبة لم يغادروا حدود المملكة نهائيا’.
12-يوما لمعادلة الشهادة وتصديقها.
نعم 12 يوما فقط، هي كل ما يحتاجه طالب لتحصيل شهادة ثانوية عامة غير أردنية مصدقة ومعادلة من وزارة التربية، لكنها مدة ربما لا تكون كافية للكشف عن أعمال عصابات منظمة تدير عمليات البيع والشراء، أبطالها متنفذون، لديهم حصص مالية في مدارس خاصة، وتجار وسماسرة امتهنوا اصطياد ضحاياهم من أسر تلهث وراء تأمين مستقبل أبنائها بأي طريقه وأي ثمن، حسب مصدر رسمي مسؤول سابق فضل عدم ذكر اسمه لـ ‘الغد’.
وينتهز هؤلاء التجار حالة فوضى الشهادات في الأردن وخارجه، وتخبط الإجراءات الرقابية بين وزارتي التربية ‘والتعليم العالي’ فيما يقتصر دور عدد من رؤساء الجامعات الحكومية بتوجيه اللائمة إلى وزارة التربية والتعليم التي قالوا إنها ‘تعادل هذه الشهادات من دون التأكد من توفر جميع الأوراق الثبوتية، وبخاصة ورقة الإقامة والحدود’.
يشار إلى أن فوضى الشهادات دفعت دوائر حكومية، تركية وسورية، إلى اعتماد تدابير أكثر صرامة العام (2015) للكشف عن التزوير، ويتمثل بطلب تعديل الشهادات الصادرة بعد العام 2012، أي بعد سنة على اندلاع الأزمة السورية.
إلى ذلك، اتصلت ‘الغد’ هاتفيا مع القنصل الفخري للسفارة الأردنية في إسطنبول طارق الصمادي، للحديث عن متابعة أوضاع طلبة الثانوية العامة أو المدارس المخالفة التي تمنح شهادات تركية، فقال: ‘نحن ملتزمون بتعليمات وزارة الخارجية بعدم الإدلاء بأي تصريح رسمي للإعلام’.
خلية نحل لإصدار الشهادات
لم يكن من السهل التواصل مع تجار وسماسرة ‘التوجيهي’، غير أن ‘شيفرات’ معينة حصلت عليها ‘الغد’ كانت كفيلة للولوج إلى هذا العالم الغامض.
ومن الطبيعي، أن يسألك السمسار في أول اتصال هاتفي معه: ‘من أعطاكم رقمي؟’، إذ على الرغم من كشف أسماء الوسطاء بين الطرفين، إلا أن الحيطة والحذر والقلق كانت تغلف عملية التواصل مع هؤلاء السماسرة والتجار.
ومع ذلك، استطعنا كسر جليد ‘عدم الثقة’، خصوصا عندما تم إغراؤهم بمبالغ مالية تفوق ما يتعاملون به في سوق ‘بيع الشهادات’، وسرعان ما يكشفون عن طبيعة عملهم واستعدادهم لتقديم خدماتهم غير القانونية.
الكلمات ذاتها كانت تتكرر من أربعة تجار وسماسرة يمتهنون بيع الشهادات في عمان والمحافظات، بقولهم ‘المعدل اللي تريده؟، ومو شرط يغادر البلد، وأي جامعة خاصة أردنية تسجل ابنك فيها احنا جاهزين، المهم نخدمك’، فيما يرتفع المزاد العلني لتسعير الشهادة.
ومن منازلهم تدار عملية البيع، تغذيها إغراءات عديده يقدمها التجار لضحاياهم، كسرعة التسجيل في الجامعات، وخصومات مالية على القسط الجامعي تصل إلى 50 %، وضمان عدم التورط بأي أختام رسمية مزورة.
لكنهم، في المقابل، يعلنون عن ‘عدم مسؤوليتهم إذا فشل الطالب في تخصصه الذي اختاره، لا سيما إن أصر على معدل يزيد على 95 % لمقعد الطب والهندسة والصيدلة، وبما يفوق قدراته التحصيلية’، حسب قولهم.
وكانت الجولة الأولى لـ ‘الغد’ مع السمسار العشريني خالد، الذي يقيم في منطقة عبدون بعمان، للاستفسار عن آلية شراء شهادات ثانوية عامة غير أردنية من الخارج، حيث اعتذر بداية عن شهادة تركيا ‘لارتفاع ثمنها بالنسبة لقدرة المواطن الأردني’.
وفي المقابل، قدم خالد خيارات أخرى، حيث شجع على شراء شهادة الثانوية العامة السورية لانخفاض تكلفتها وسهولة الحصول عليها، مؤكدا أنه ‘قام بتسجيل 4 طلاب من المدرسة ذاتها الأسبوع الماضي في أربع جامعات خاصة في عمان ومحافظات أخرى، وجميعهم لم يغادروا البلد’.
وتتفاوت أسعار الشهادات بين الدول، إذ تصل في تركيا إلى 12 ألف دينار، وفي سورية إلى 8 آلاف دينار كحد أعلى، بينما يمكن تخفيضها إلى 3 آلاف دينار مع التفاوض المستمر، حسب سماسرة أكدوا قدرتهم على ‘استخراج شهادات لطلبة لم يجتازوا امتحان الثانوية، وتم اخفاء شهاداتهم إلى حين تسجيلهم في الجامعة للفصل الدراسي الثاني 2018’.
وحاول الشاب خالد تشجيع إحدى معدتي التحقيق، التي ادعت أن ‘لديها رغبة بتسجيل ابنها في الجامعة من خلال الانخراط في العمل معهم، وذلك عن طريق جلب زبائن جدد مقابل تقديم خصومات مالية على قسط ابنها تصل إلى نصف السعر تقريبا’.
وبعد أن وثق بمعدة التحقيق، كشف السمسار خالد الذي يعمل مع والدته في هذا ‘الكار’، عن تفاصيل آلية ‘البيع’، على أن يكون اللقاء في أحد الأماكن العامة.
واشترط السمسار العشريني الذي يدرس حاليا في إحدى الجامعات الخاصة، في السنة الثانية، أن تكون الدفعة الأولى للصفقة ألف دينار، ويتم استكمال الدفعة الثانية (7 آلاف دينار)، بعد 12 يوما حالما يتم تجهيز الشهادة، التي أكد أنها ستكون ‘مصدقة من وزارتي الخارجية والداخلية، ووزارة التربية والتعليم العالي، من دون أن يخرج الطالب من البلد’.
وقدم خالد إغراء آخر يتمثل بـ’تسجيل ابن معدة التحقيق في أي جامعة خاصة، ومنحه خصما يتراوح ما بين 30 %- 50 %’، مبينا أن ‘لديهم معارف في الجامعة ووزارة التربية، وفي كل جهة ذات علاقة بالشهادة’.
ومن واقع تجربته الشخصية، يفخر خالد أنه ‘يدرس الآن إدارة أعمال، بعد أن أخفق في الجامعة ذاتها في تخصص الهندسة، ورسب في امتحان الثانوية العامة ثلاث دورات بسبب ضعفه في مادة اللغة الإنجليزية’.
هرب من سوق شهادات تركيا إلى ليبيا
أما السمسار أبو خليل، فاعتذر لمعدتي التحقيق عن تصدير شهادات من تركيا بعد تشديد تعليمات وزارة التربية والتعليم الأردنية، مقترحا دولة عربية مجاورة تعج بالنزاعات والحروب، قائلا: ‘والله سوق تركيا ما إلنا فيه’.
وبدد أبو خليل تخوفات معدة التحقيق من خلال القسم بأن ‘كل الأختام سليمة مائة بالمائة، ويمكن مقارنتها مع شهادات آخرين’، معتبرا أن ‘مبلغ 6 آلاف دينار أفضل سعر في سوق الشهادات المنتحلة’.
وبعد مفاوضات مع أبو خليل (اسم مستعار)، الذي يدير عمله من منزله في عمان، تم التوصل إلى مبلغ 5500 دينار، ‘منها 500 لجيبه بدل بنزين’، فهو يعتبر نفسة ‘حلقة وصل بين الأهل والتجار والجهات التي تصدر الشهادة المعادلة، وصولا إلى تسجيل الطالب في الجامعة’.
وتباهى كما فعل زملاؤه، بقدرته على ‘اختراق الجامعات الخاصة والمعدل’، بقوله ‘اللي بدك إياه، بس صيدلة وهندسة للطلبة الشاطرين بالإنجليزي، وغير هيك بنسجلهم في تخصصات إدارية وإنسانية’.
أما تجربة التاجر هاشم من سكان مدينة السلط، فتختلف عن الآخرين، وذلك بعد تضييق الخناق على عمله في تركيا، حيث وجد في شهادة الثانوية الليبية، منفذا آخر لزبائنه.
ويتحدث هاشم عن الشهادة الليبية، معتبرا أنها ‘لا تقل أهمية عن نظيرتها التركية، لكن التعليم في ليبيا أكثر سهولة’، فيما أكد أنه ‘لن يخالف التعليمات المتعلقة بالإقامة، فطرق الالتفاف على الحكومة كثيرة’.
والمعروف عن هذا التاجر بين أهالي السلط، بأنه كان يرسل طلابا من الأردن بـ’الجملة’ إلى مدارس في تركيا وإصدار شهادات لهم بعد أن يسجلوا في المدرسة شخصيا، ويحصلوا على ختم الإقامة والخروج من الأردن، ثم يعود الطالب إلى بلده في أقرب فرصة من دون إتمام فترة الإقامة المقررة قانونيا.
تجارب الضحايا
الطالب ليث يروي تجربته كضحية هذه المرة، إذ تختلف تجربته عن باقي زملائه في الجامعة، ذلك أن عدم قدرة والده على دفع القسط الأخير من شهادة الثانوية غير الأردنية للسمسار، حالت دون تمكنه من الحصول عليها والالتحاق بالجامعة في الموعد المحدد.
ويروي ليث لـ’الغد معاناته، بعد أن تأخر فصلا كاملا عن أقرانه بسبب قلة المال، لكن السمسار، وبعد تمكن ليث من إكمال المبلغ، سارع إلى تزويده بشهادة ثانوية عامة غير أردنية، بدون أن يضطر إلى السفر لإكمال الفصل الدراسي الثاني أو حتى إجراء الامتحانات النهائية، و’عوضه بالمعدل وتجاوز شرط الإقامة والحدود’.
وفي ما يتعلق بالشاب مصعب، فإن حلم الدخول إلى الجامعة ودراسة الهندسة جعله يفكر بإيجاد طريقة سهلة ومريحة يتغلب بها على رعب الثانوية العامة قبل خوض معركة ‘التوجيهي’ التي تؤرق آلاف الأسر الأردنية سنويا.
ولم يكن المبلغ الذي دفعه والد مصعب للسمسار كافيا للحصول على الشهادة فحسب، بل وكفاه عناء مغادرة بيته، وفق ما أكده لـ’الغد’، وكل ما فعله هو ‘إرسال جواز سفره وأوراقه الثبوتية مع السمسار’.
ويعد مصعب (18 عاما) واحدا من بين مئات الطلبة الذين حصلوا على شهادة الثانوية العامة من الخارج بشكل سري، وبمعدل 95 %، الأمر الذي مكنه من دراسة تخصص الهندسة في الجامعات الخاصة والحكومية، مقابل 7000 دينار ثمن شهادة الثانوية العامة.
وكانت المفارقة عندما أكد رئيس الجامعة التي يدرس فيها مصعب لـ’الغد’، أن ‘هذه الأسماء غير موجودة في قوائم القبول والتسجيل، وبخاصة مصعب، مع أنه ما يزال على مقعد الدراسة في الجامعة ذاتها/ الفصل الدراسي الأول في تخصص الهندسة’، ثم ما لبث أن قال: ‘إذا كانت جميع أوراق الطالب سليمة فليس للجامعات أي علاقة’.
ووسط مطالبات جادة بمحاسبة من يتاجرون بقدسية العلم وتحويلهم إلى مكافحة الفساد، اعتبر خبراء ووزراء سابقون أن ‘شهادة التوجيهي خط أحمر لا يتم التلاعب به، وبأن اختراق الجامعات الرسمية من قبل التجار بات مستحيلا، لا سيما أن قوائم القبول والتسجيل الموحد معلنة على نظام الجامعات’.
بدورها، أحالت هيئة مكافحة الفساد في أعوام سابقة إلى القضاء ‘أصحاب 7 شهادات ثانوية عامة مزورة من دول مجاورة، وبخاصة سورية والعراق وعدد محدود من اليمن’، وفق مصدر مسؤول فضل عدم ذكر اسمه لـ’الغد’، والذي أكد أن الهيئة ‘لم تتوصل إلى شهادات مزورة صادرة من تركيا حتى الآن، أو حققت في موضوع تجارة شهادات منها’.
أسر تقترض لشراء ‘التوجيهي’
خوف الخمسينية أم أحمد من رسوب ابنها الوحيد في الثانوية العامة وحلمها بأن تراه أفضل الناس أكاديميا، دفعها للبحث عمن يساعدها في الحصول على شهادة الثانوية العامة غير الأردنية مهما كلفها الأمر.
وبالرغم من ظروفها الاقتصادية الصعبة التي تعيشها، إلا أنها ذهبت إلى أحد سماسرة بيع شهادات الثانوية العامة غير الأردنية في مدينة السلط، بمساعدة أحد أقاربها الذي لجأ إليه من قبل.
وكانت صدمة أم أحمد كبيرة بالمبلغ الذي طلبه السمسار منها، إلا أنه وبعد معرفة وضعها الاقتصادي تساهل معها حسب قولها ‘للغد’، إذ قام بتخفيض المبلغ من 5000 دينار إلى 3.500 دينار ‘لأنها بلدياته’.
وكان صندوق المرأة الأردني هو الحل الأمثل بالنسبة لأم أحمد حتى تتمكن من شراء الشهادة لابنها، خصوصا وأن السمسار أكد عليها ضرورة كتمان الأمر والعمل بسرية حتى يتمكن من إتمام المهمة بأمان، الأمر الذي منعها من طلب المساعدة من أهلها وإخوانها.
وانتشر بيع الشهادات في بعض المناطق كالنار في الهشيم، بل تحول إلى حد ‘القبول المجتمعي به، والتباهي في الانتصار على وزارة التربية التي تصر على اعتماد شهاده ‘التوجيهي’ بوابة للمرحلة الجامعية’، وفق عدد من السكان.
وبالنسبة لأهالي المنطقة، لم يكن الوصول إلى سماسرة بيع شهادات الثانوية العامة غير الأردنية صعبا على أولياء الأمور، ولم يعد الأمر طي الكتمان على الأقل داخل المدينة وخارجها، فما إن يحصل الطالب على الشهادة ويدخل الجامعة حتى يبدأ بالتفاخر أمام أقرانه، ويصبح مرشدا لذلك السمسار لجلب طلاب آخرين.
وفي حي آخر من مدينة السلط، يوجد عشرة طلاب من العائلة نفسها توجهوا إلى السمسار ذاته للحصول على شهادة ‘التوجيهي’ غير الأردنية، التي تمكنهم من الدخول إلى الجامعات الأردنية وبالتخصص الذي يرغبون به.
الطالب العشريني عبدالله من سكان السلط وأحد هؤلاء الطلبة، والذي ذهب برفقة أبناء عمومته إلى منزل أحد السماسرة في منطقة عبدون غرب عمان، طمعا في شهادة بمعدل ‘ناري’، وفق قوله لـ’الغد’.
وكانت هوية الأحوال المدنية و5000 دينار، هما كل ما يكلف الطالب تقديمه للسمسار، وهو الآن يدرس في إحدى الجامعات الخاصة.
‘فقط 10 أيام كانت كفيلة بتوزيعنا على جامعات وطنية مختلفة’، حسب عبدالله الذي استغرب ‘وفاء السمسار بوعده لهم’، وغير مصدق أنه ‘يدرس الآن في جامعة، بصرف النظر عن طريقة حصوله على الشهادة’.
‘التربية’ تفتح تحقيقا وتتعهد بالمتابعة القانونية
بدورها، أكدت وزارة التربية والتعليم أنها ‘ستفتح تحقيقا موسعا في القضية ومثل هذه الشبهات’، وانها ‘ستحقق مليا لمعرفة ان كان هناك متورطون في دوائر الوزارة بمثل هذه القضايا وتحويلهم إلى القضاء’، بحسب ما صرح به أمين عام الوزارة الدكتور سامي سلايطة لـ’الغد’.
ورغم جهل الوزارة بوجود تجار وسماسرة يصدرون شهادات رسمية معادلة لطلبة يشترون شهادة الثانوية العامة غير الأردنية مخالفين تعليمات الوزارة، فقد قال السلايطة ‘في حال ثبوت أي حالة فساد وظيفي تتعلق بإصدار مثل هذه الشهادات، فإن الوزارة ستقوم باتخاذ الإجراءات القانونية المنصوص عليها وتحويلهم ايضا إلى مكافحة الفساد والقضاء’.
ومنذ اصدار أحكام نظام معادلة الشهادات الصادرة من خارج الأردن المعدل العام الماضي، والتي تشترط الاقامة 180 يوما في البلد الأصلي للدراسة، فان ‘التربية’ مستمرة في مخاطبة وزارة الخارجية وشؤون المغتربين للتحقق من صحة معلومات وأختام وتواقيع هذه الشهادات، حسبما أضاف سلايطة.
وحتى نشر هذا التحقيق ما زالت وزارة التربية تنتظر الاجابة عن استفساراتها من وزارة الخارجية حول 550 شهادة صادرة من خارج الأردن لهذا العام تخص طلبة أردنيين.
وزارة التربية، وفي هذا السياق ايضا، كانت رفضت طلبات سابقة لنواب ومسؤولين بالسماح بفتح مدارس أردنية خارج الأردن، على غرار المدرسة الليبية في تركيا وغيرها.
مطالبات جادة بإلغاء ‘التوجيهي’
ما تزال الأصوات ترتفع منادية بضرورة إلغاء فكرة امتحان شهادة الدراسة الثانوية العامة من أساسه، والتي تعتبره سببا رئيسيا في رواج سوق الشهادات المزورة من الخارج.
وفي هذا الصدد، يقول وزير التربية الأسبق وليد المعاني: ‘إذا اعتمدنا شهادة الثانوية العامة طريقا يحدد مصير الطلبة في الأردن، سيفعل الإنسان كل ما يستطيع للحصول على هذه الشهادة’.
ويرى المعاني أن الحل الأمثل لتطوير المسار الأكاديمي التربوي في الأردن ‘إلغاء التوجيهي واعتماد نظام مسار واحد له، بحيث يختار الطالب عشر مواد، ويمكن اختصارها بسبع، على أن تكون أربع منها إجبارية يدرسها جميع الطلبة دون استثناء، وهي (اللغة العربية، الإنجليزية، التربية الدينية، والوطنية)’.
ويضيف: ‘كما يحق للطالب اختيار ما يروقه وما يريد أن يختص به وما تطلبه، ومنها مثلا الحقول الحيوية والطبية والصيدلانية، والإنسانية والاجتماعية، والهندسية والحاسوبية’.
وللقضاء على ظاهرة تزوير شهادات الثانوية الصادرة من دول غير أردنية إلى جانب فكرة إلغاء امتحان شهادة الدراسة الثانوية العامة، يطالب الدكتور المعاني بـ’عقد امتحان قبول في الجامعات الأردنية يكشف قدرات الطلبة الحقيقية ويؤهل نحو دراسة التخصص الذي يتناسب وإمكانيات الطالب العلمية والعملية’.
واقترح على الحكومة ‘تدوير لجنة المعادلة في الوزارة سنويا، لتلافي أي إمكانية لنفاذ ‘الفساد الإداري والأخلاقي، في ظل السماح لأي شخص أن يدرس في أي مكان، انطلاقا من مبدأ الحرية الشخصية والحقوق الإنسانية’.
ومن منطلق ‘حق التعليم للجميع’، يذهب التقرير السنوي الصادر عن المركز الوطني لحقوق الإنسان لعام 2016، إلى أن ‘ارتفاع نسبة الرسوب في امتحان شهادة الدراسة الثانوية العامة ‘التوجيهي’، يدل على وجود خلل واضح في العملية التعليمية بشكل عام وكذلك التربوية، علاوة على استمرار التحديات التي تواجه قطاع التعليم’.
وبلغت نسبة النجاح في ‘التوجيهي’ للدورة قبل الماضية 54.9 %، وللمسار المهني 51.9، فيما بلغت للدورة التي تلتها 40.1 %، والمهني 54.8 %.
أمين عام وزارة التعليم العالي السابق الدكتور هاني الضمور، أكد ‘ضرورة مخاطبة الملحقين الثقافيين والسفارات الأردنية في الخارج، لمتابعة ملفات المدارس والجامعات المعتمدة لدى وزارتي التربية والتعليم والتعليم العالي’.
وأضاف الضمور لـ’الغد’، أن ‘ظاهرة التزوير لكافة الشهادات العلمية والتقنية هي ظاهرة عالمية، لكن على الجهات الرقابية التصدي لها ، إلى جانب التأكد مما إذا كانت المدرسة العربية التي يلتحق بها الطالب مرخصة ومعترفا بها بشكل رسمي من البلد المستضيف أم لا’.
ويرى الخبير التربوي والأكاديمي الدكتور مصطفى العفوري أن ‘أساس التربية والتعليم يكمن في الأداء وليس في النتيجة’، معتبرا أن ‘سلوكيات بعض الأهالي بشراء الشهادة الثانوية من دولة أخرى هي بداية انحدار أخلاقي غير مبرر، وهي سبب في دمار المجتمع بأكمله’.
وأضاف العفوري أنه ‘من غير المبرر اعتبار فشل الطلبة في اجتياز امتحان الثانوية العامة الأردني بسبب صعوبته، لأن التحصيل الأكاديمي هو عملية تراكمية لسنوات سابقة’، مطالبا ‘بتحويل كل من تورط في تزوير أو بيع شهادات ثانوية غير أردنية إلى دائرة مكافحة الفساد’.
كما دعا العفوري، وزارة التربية للارتقاء بالتعليم المهني التطبيقي، ووضع برامج مهنية حقيقية (صناعي /فندقي/ نظم معلوماتية //الخ)، تستقطب الطلبة منذ الصف السابع أو الثامن، على أن ينضم الطلبة المؤهلون إلى المسارات الأكاديمية والعلمية والأدبية.
وكانت وزارة التربية والتعليم في عهد وزيرها السابق محمد الذنيبات، قررت العام الماضي تحويل كافة الطلبة الحاصلين على معدل أقل من 60 % في الصف العاشر إلى التعليم التطبيقي، وعدم السماح لهم بدراسة التعليم المهني أو الأكاديمي، بحيث لا يستطيع هؤلاء التقدم إلى امتحان التوجيهي، أو الحصول على شهادته أو القبول في الجامعات، بل يسمح لهم فقط بالدراسة في كليات المجتمع، شرط عدم التقدم للامتحان الشامل.
وفي هذا السياق، اعتبرت الحملة الوطنية من أجل حقوق الطلبة ‘ذبحتونا’ أن ‘تخبطا وعشوائية يسودان سياسات وقرارات وزارة التربية والتعليم على مدى السنوات السبع الأخيرة’، عازية ذلك إلى أن الوزارة ‘لا تملك استراتيجية واضحة للتربية والتعليم في كافة النواحي، سواء كان ذلك على صعيد المناهج أو التخطيط التربوي أو الثانوية العامة أو الامتحانات والتقييم’.