مرايا – خبران تلقاهما الأردنيون ظهيرة الخميس، بعثا فيهما جرعة من “الانتشاء” بأن إنجازاً حققه الحراك الشبابي والنقابي الواسع الذي شهدته عمان والمحافظات منذ الثلاثين من مايو/ أيار الماضي. ولما كان الخبران قد أعلنهما رئيس الحكومة المكلف بنفسه، عمر الرزاز، فذلك ما أعطى الأردنيين جرعة من التفاؤل بالرجل وحكومته التي ترددت أخبار أمس أنها قد تؤدي اليمين الدستورية أمام الملك عبدالله الثاني يوم الاثنين المقبل، فيما لم ترشح بعد أسماء مؤكدة فيها.
الخبران هما أن رواتب شهر يونيو/ حزيران الحالي سيتم صرفها قبل إجازة عيد الفطر، المتوقع أن تبدأ يوم الخميس المقبل. وبذلك، تكون المرة الأولى التي يتسلم فيها موظفو القطاع العام رواتبهم في منتصف الشهر، ويستقبلون العيد ومصاريفه وهم على شيء من “راحة البال”، سيما وأن وزير المالية في الحكومة المقالة، (وهي حكومة تصريف أعمال حالياً)، عمر ملحس، كان قد نقل عنه، أن الحكومة قد لا تستطيع تأمين رواتب موظفيها في شهر يونيو الحالي. وهو التصريح الذي قال نشطاء في الحراك الشبابي الأردني إنه سبب كاف لإقالة “حكومة الجبايات والضرائب” برئاسة هاني الملقي. وكان مقصد ملحس من قوله هذا أن يوضح مدى ما تعاني منه الخزينة العامة من عجز، الأمر الذي يضطرها إلى اللجوء إلى رفع الضرائب على الدخول، وهو ما دفعها إلى تقديم مشروع قانون ضريبة الدخل المعدل إلى مجلس الأمة (البرلمان)، رغبة منها أن يمرّره المجلس في دورة استثنائية تنعقد الصيف الحالي.
مشروع هذا القانون هو ما تعلق به الخبر الآخر الذي طيّره إلى الأردنيين رئيس الحكومة المكلف، عمر الرزاز، بعد اجتماعيه يوم الاثنين في مبنى مجلس الأمة (البرلمان) مع رئيسي مجلس النواب، عاطف الطراونة، ومجلس الأعيان، فيصل الفايز، وقبل لقائه مع مجلس النقباء الذي يترأسّه في دورته الحالية نقيب الأطباء، علي العبوس، فقد قال الرزاز إن “مشروع قانون ضريبة الدخل المعدل سيتم سحبه من البرلمان، بعد أن تؤدي حكومته حلف اليمين أمام الملك، وذلك بالاتفاق مع مجلسي النواب والأعيان”. ولكنه أوضح في الوقت نفسه أن “هذا القانون لا يجب أن تتم دراسته بمفرده، وإنما مع دراسة حزمة قوانين الضرائب الكلية”. وكان الرزاز ذكر في تغريدة له على موقع “تويتر”، أخيراً، أنه “يتعهّد بالحوار مع مختلف الأطراف، والعمل معهم للوصول إلى نظام ضريبي عادل ينصف الجميع ويتجاوز مفهوم الجباية”.
ومن شأن هذه التصريحات الموجزة والمشجعة من الرزاز قبل أن يتولى مسؤولياته، وهو الذي وصفت مهمته بأنها “انتحارية” بالنظر إلى الظروف الاقتصادية الصعبة التي يشهدها الأردن، وقلة الموارد المالية للخزينة العامة، أن تزيد من شعبيته التي كان قد حاز كثيراً منها إبان مسؤوليته وزيرا للتربية والتعليم في الحكومة المقالة، وهو المعروف بنزاهته ونزوعه الإصلاحي وميوله الليبرالية في الوقت نفسه، عدا عن كفاءته في المواقع التي تولاها، ومنها إدارته سنوات مؤسسة الضمان الاجتماعي التي تعد أهم مؤسسة تحمي المواطن الأردني بعد مغادرته وظيفته، وتعتبر مظلة أمان مالي ومعيشي له.
ومن غير المتوقع أن تؤمن هذه الشعبية، والسمعة الحسنة، اللتين يحوزهما الرزاز، قبل أن يدخل مكتبه في مقر رئاسة الحكومة في الدوار الرابع في جبل عمّان، له حماية من “عراقيل” أمامه قد يصطدم بها، وتواجهه بها ما يمكن تسميتها “الدولة العميقة” في الأردن، والتي يشار فيها إلى منظومة أصحاب النفوذ والمواقع الراسخة في الدولة، ولها تأثيرها في دواليب صناعة القرار ومساراته، وتخشى على “مصالحها” إذا ما جرى المضي في خيار إصلاحي جدي وعميق وشجاع في البلد. ويتردد في أوساط الرزاز أنه بدأ يتلقى “نصائح” أو “همسات” تتمنى عليه ترشيح فلان أو علان في حكومته، ومزاولة ضغوط مبكرة في هذا الاتجاه. ومع إيحاءات نقلها عنه مقربون منه إنه لا ينوي الإبقاء على غالبية الوزراء في الحكومة المقالة والتي كان أحد أعضائها، غير أن هناك من “أشار” إليه بأن لا يجري عملية جراحية حادة في توليفته الحكومية، وأنه ليس من الخطأ أن “يستفيد” من زملائه الوزراء المقالين. وأيا يكن الحال، فإن أول ما يلح عليه الحراك الشبابي والنقابي الواسع في البلاد هو عدم إعادة إنتاج أي وجوه من عناوين التأزيم ورفع الأسعار والجبايات، وفي صدارتهم نائب رئيس الوزراء وزير الدولة للشؤون الاقتصادية، جعفر حسان، ووزير المالية، عمر ملحس.
وأيا كان الحال، فإن الاختبار الثاني الذي سيراقب به الأردنيون رئيس حكومتهم الذي جاء “من خارج الصندوق” كما جرى وصفه في تعبيرات ناشطين ومعلقين في وسائل التواصل الاجتماعي، هو طاقمه الحكومي. وإذا ما حقق في هذا الأمر جديداً، وجرأة في استقطاب كفاءات، وطاقات شبابية، من دون الارتهان إلى حسابات مناطقية وتوازنات عشائرية، ومن دون تدخلات الأجهزة إياها، فإن عمر الرزاز يكون قد دخل ملعبه الذي يريد أن يختبر فيه قدراته على “ابتكار” صيغة تعثر على المعادلة العسيرة، وهي تنمية موارد الدولة من دون تحميل المواطنين أعباء معيشية وأكلافاً جديدة، وذلك في ظروف إقليمية غير مساعدة، بالنظر إلى أوضاع الجار السوري في الشمال، واكتفاء الحليفين السعودي والإماراتي بمعسول الكلام من دون سخاء يماثل ما يحرزه منهما نظام عبد الفتاح السيسي في مصر. ينتظر الأردنيون أخباراً أخرى، من نوع ما تلقوه نهار أمس، رواتب قبل العيد وسحب مشروع قانون ضريبة الدخل.