مرايا – شهدت المسيرة التعليمية بمدينة القدس المحتلة بداية العام الدراسي الجديد سابقة خطيرة لم تعهدها من قبل، بافتتاح رئيس بلدية الاحتلال نير بركات “مدرسة العلا المختلطة ” ما بين شارعي المسعودي وصلاح الدين وسط مدينة القدس المحتلة.
المدرسة التي كانت تابعة للأوقاف الإسلامية بالقدس وتعلم المنهاج الفلسطيني ويردد طلباتها النشيد الوطني الفلسطيني تحوّلت اليوم إلى مدرسة تابعة لبلدية الاحتلال وتدرس المنهاج الإسرائيلي ويردد طلابها الأناشيد باللغة العبرية.
وتبلغ عدد المدارس شرقي القدس نحو 119 مدرسة 70 منها تتبع بلدية الاحتلال بالقدس ودائرة المعارف وذلك وفق إحصائية لعام 2017، وتضم 39141 طالبا وطالبة؛ في حين تبلغ عدد المدارس التابعة للأوقاف الإسلامية 49 مدرسة، وعدد طلابها 12312 طالب وطالبة.
المدرسة الاحتلالية الجديدة في القدس المحتلة والمسماة “العلا المختلطة” أقيمت على أنقاض مدرسة الفتاة اللاجئة الثانوية التي كانت تابعة لمديرية التربية والتعليم الفلسطينية، لتضاف إلى قائمة المباني الخاضعة لسيطرة الاحتلال.
يقول مدير التربية والتعليم في مديرية القدس سمير جبريل: “كانت هذه المدرسة فلسطينية في يوم من الأيام، وأصحاب المبنى أبعدونا عنها من خلال المحاكم الإسرائيلية، واليوم للأسف تم استبدالها بنظام تعليمي خارج عن كل التعليم الفلسطيني ويتعارض مع معتقداتنا كمسلمين”.
مركز غريب
ويضيف جبريل لوكالة “صفا”: “هذه المدرسة أصبحت مركزًا غريبا عن جسم القدس كليًا رغم أنها في قلب القدس، وكانت ترفع العلم الفلسطيني وتنشد السلام الوطني واليوم هي تعزف ألحان إسرائيلية احتلالية”.
ويوضح أن الكلية الإبراهيمية كانت موجودة قبل عام 1967 في ذات مكان هذه المدرسة، وفي نهاية السبعينات باتت تعرف بمدرسة “الفتاة اللاجئة”، وخرجت العديد من الطالبات بمختلف التخصصات.
ويعدّ جبريل افتتاح المدرسة ضربة للتعليم الفلسطيني، كونها تعلّم مناهج غريبة خارجة عن ثقافتنا وهويتنا الفلسطينية، بكل ما تعنيه الكلمة من معنى، مؤكدًا أن التعليم الفلسطيني يجب أن يبقى سيد الموقف في مدينة القدس، لأنها مدينة فلسطينية محتلة كباقي مدن فلسطين.
يذكر أن المدرسة الاحتلالية ليست جديدة، بل كانت موجودة في “حي شعفاط” ونقلت إلى “قلب القدس”، وذلك بعد إبعاد مالك العقار المدرسة الفلسطينية، لتستفيد بلدية الاحتلال من بنيتها وموقعها المهم مقدسيًا، وتنفق ملايين الشواقل لترميمها خلال الأشهر الماضية.
وعن مشكلة إيجارات المدرسة، يوضح جبريل أن محكمة الاحتلال قررت إمهالها 3 سنوات من أجل إيجاد موقع آخر بناءً على طلب المالك، مع العلم أنها كانت تدفع الإيجار دون أي تأخير.
يشار إلى أن مدرس “الفتاة اللاجئة” دفعت إيجار السنوات الثلاث الماضية دفعة واحدة لمالك العقار قبل استئجارها بمبلغ قدره 450 ألف دينار، في محاولة لثني صاحبه عن إخراجهم.
وتستهدف سلطات الاحتلال في القدس المحتلة المناهج التعليمية الفلسطينية بالقدس منذ سنوات طويلة، وفرضت عديد من الضغوط على هيئاتها الإدارية لتمرير المنهاج الإسرائيلي. كما منعت بناء وترخيص المدارس التي تخالف أسرلة التعليم بالقدس.
منهجية سياسية
ويقول جبريل: “أقيمت المدرسة؛ ضمن منهجية سياسية لا تعليمية، وذلك من أجل ضرب التعليم الفلسطيني بالقدس المحتلة، والهيمنة الاسرائيلية على التعليم، حتى يجري مسح الذاكرة الفلسطينية وتشتيت هوية أبناء القدس”.
ويضيف: “أصبحت مدرسة احتلال لأنها تعلم المنهاج الإسرائيلي، وبعيدة عن ثقافتنا وهويتنا الفلسطينية، وهي امتداد لسياسة الاحتلال بالتوسع في مجال تعليم المنهاج الإسرائيلي”.
وتابع: بلدية القدس افتتحت عدة مدارس جديدة خلال العام الدراسي الجاري تحت مسميات مختلفة من أجل جذب الناس وتضليلهم، وفي الحقيقة هي مدارس تعلم المنهاج الإسرائيلي وتعمل على ضرب هوية المدينة.
ويدعو جبريل أولياء الأمور إلى عدم تعليم أبنائهم في هذه المدارس، “لأنها بعيدة كل البعد عن كل ما يتعلق بهويتنا الفلسطينية، والبحث عن مدارس فلسطينية لتسجيل أبنائهم فيها”.
يوم أسود
ويرى رئيس اتحاد لجان أولياء أمور الطلاب بالقدس المحتلة زياد الشمالي افتتاح هذه المدرسة “يوم حزين وأسود بتاريخ القدس والمسيرة التعليمية بأسرها، كونها وسط القدس وتعلم المنهاج الإسرائيلي”.
ويوضح الشمالي لوكالة “صفا” أن مكان المدرسة القديم إرث تعليمي كبير، حيث كان مقرًا للكلية الإبراهيمية قبل 45 عامًا، وهي مؤسسة تربوية تعليمية فلسطينية خرجت الكثير من النخب الفلسطينية، واليوم أصبح مصيرها مدرسة تابعة لبلدية الاحتلال بكافة أنظمتها وتعليمها المنهاج الاسرائيلي”.
ويعرب عن أمله أن يكون هناك هبّة وصحوة من الجانب الفلسطيني وخاصة المقدسي، وعدم الوقوع بمثل هذه الأمور لاحقًا، وإيجاد الحلول والخطط اللازمة للوقوف أمامها كجسم مضاد لعملية تهويد وأسرلة التعليم.
ويضيف: “الاحتلال لا يعمل من تحت الطاولة وأعلن عبر الملأ وصفحات التواصل واللقاءات الاعلامية أنه خلال السنوات الخمس المقبلة سيضخ الملايين من الشواقل من أجل أسرلة وتهويد التعليم بمدينة القدس”.
ويشير الشمالي إلى أن مدارس القدس ما تزال تعاني من نقص الغرف الصفية، فيما بلدية الاحتلال تبني مدارس جديدة؛ لكنها للأسف جميعها تدرس المنهاج الإسرائيلي، وتنتقي تسميات عجيبة وغريبة لها ما يدفع المواطنين إلى التسجيل فيه.
ويلفت إلى أنهم أطلقوا حملة في ديسمبر 2017 ضد المنهاج الإسرائيلي، وحصدت نتائج إيجابية فقد تراجع الكثير من أولياء الأمور عن تعليم أبنائهم في مدارس تعلم ذلك المنهاج بعد تسجيلهم فيها، وخاصة في بدلات “صور باهر وأم طوبا والعيسوية”.
ويوضح الشمالي أن التعويل الأكبر على أولياء الأمور الذين هم سندنا وسلاحنا في مقاومة عملية تهويد وأسرلة التعليم بمدارس القدس، وتكاتف جهود المؤسسات الوطنية والأهلية في محاربة المد السرطاني للمنهاج الإسرائيلي.