مرايا – ليث العسّاف – أن تنظر لحدثٍ ما وتكتب عنه وتستنكره لا يخطر في بالك أبداً أن تكون في وسط حادثٍ مشابه، هذا ما كنت أفكر فيه وأنا أدعو لمحاربة وإيقاف عادة إطلاق العيارات النارية في الأفراح.
فجرح الطفلة رنيم الذي شوه وجه طفولة بريئة ليتركها تعاني نفسياً وجسدياً لم يلتئم بعد وتساؤلها الموجه لوالدتها والذي أشعل مواقع التواصل الإجتماعي (هل سأموت؟؟) ليعود هذا التساؤل في اليوم التالي من جديد على لسان الزوجة والأم لطفلة في الرابعة وطفلٍ في السنة الأولى من عمرهما تسكن في إحد أحياء منطقة تلاع العلي، كان كل ما يرغب به أطفالها مشاهدة (الزفة) وسماع الأغاني التي تعلن الفرح في نفس العمارة التي يقطنوها، وأصرت الطفلة أن تشاهد الفرقة الغنائية ليحملها والدها ويخرج بها مسرعاً حتى لا يفوتها شيئ من الفرح دون الانتباه إلا أن ملابسها ليست مناسبة للأجواء الباردة بعد صلاة العشاء لتتبعه الأم بلهفة خوفاً على طفلتها من النسمات الباردة تحمل في يدها معطفاً صغيراً تعطيه لوالدها لتستمع بالفرح والدفع معاً.
لكنها لم تكد تخطو للخارج حتى سمع الجميع صرختها من ألمٍ مفاجئ في رأسها لتمر لحظات كأنها الدهر لتستوعب هي والجميع أن صديق العريس والذي تحتفل الجموع بزفافه أراد أن يعبر عن فرحته ويؤدي واجباً لصديقه ليخرج مسدساً متحمساً لإطلاق الرصاص مع صوت الطبل وأغاني ( الزفة ).
لترتد الرصاصة العمياء وتصيب الأم في رأسها، وهنا انتشرت حالة من البلبلة والارتباك والذهول بين من يهمه إسعافها والتعرف على مدى إصابتها وبين من يحاول أن يوفر الحماية لمطلق الرصاص وإخفاء السلاح المستخدم لإنكار الحادثة والمسؤولية عنها وهذا ما كان مستغرباً جداً عند وصول الأجهزة الأمنية لاستلام زمام الأمور في التحقيق ومعرفة الفاعل، وهنا نتساءل ما الذي نجنيه من حماية الفاعل؟ إلى متى نتستر ونحل هذه المشاكل بدون تطبيق قانون رادع؟ وإذا أردنا أن نقضي على هذه الظاهرة المقلقة علينا أن نتكاتف مجتمعياً بشكل أكبر وأن نترك عبارات نستخدمها كثيراً لحل مثل هذه الأمور كقولنا (الحمد لله إجت على هيك ، قدر ولطف ) نعم نقولها لكن القانون يجب أن يطبق على الجميع والمسيء يجب أن يعاقب ليكون عبرة لغيره ولمن تسول له نفسه الاستخفاف والاستهانة بهذا السلوك.
وفي هذه الحالة قد تكون الإصابة لم تؤدِ إلى الموت لكن أثرها النفسي عليها كبير جداً فهذه الأم ما زالت تحتضن طفليها وتفكر وتعطي بكلمات أن الموت كان قريباً منها وبينها وبينه حائط وقف لترتد الرصاصة عنه ولو كانت الرصاصة مباشرة وفي الرأس ماذا كان سيحدث؟.
فالأثر النفسي لما حدث سيبقى يلازمها طوال حياتها وعندما تقف طفلتها ذات الأعوام الأربعة لتقول لها (سأشتري مسدساً لأقتل من حاول قتلك) فإلى متى..
وعودة إلى مرتكب الحادثة والذي حاول إنكارها، لكن تشاء قدرة الله أن تنير بصيرة من كانوا حاضرين ليتم إلقاء القبض عليه من قبل الأجهزة الأمنية والتي لم تألُ جهداً في استيعاب الحدث وتداعياته بحسها الأمني العالي وتمكنت من العمل في الظلام وتحت المطر الشديد والبرد القارص لجمع الأدلة والتحقيق وإنفاذ القانون وهذا مما يسجل لهم ويدعونا للفخر والإطمئنان إلى وجودهم وطريقة تعاطيهم مع ما حدث.
وبالرغم من توقيع مواثيق شرف في مناطق كثيرة من المملكة بعدم إطلاق العيارات النارية في الأفراح و المناسبات إلا اننا ما زلنا نعاني من هذه الظاهرة وما زال البعض يربط بين الفرح وإطلاق العيارات النارية التي تجلب الموت ونحتاج للكثير لكسر هذا النمط من التفكير في ظروف لم تعد مناسبة للجمع بين المتناقضين. وما يجلب ذلك من آثارٍ على من تأتيه مصادفة رصاصة تنهي حياته أو حياة شخص عزيزٍ عليه لمجرد أن أحدهم تحمس واطلق النار في الهواء.
ويتوجب علينا أن نتعامل على أنه فرض عين علينا جميعاً وبدون استثناء أن نقف بحزم أمام هذه الظاهرة ونطبق القانون على الجميع ونرفع مستوى العقوبات الرادعة والتي تنهي دور ( فنجان القهوة) في مثل هذه الأمور وحتى في حال إسقاط الحق الشخصي فليكن الحق العام هو الرادع.
نشكر الله على سلامة الأم وسلامة الطفلة رنيم (الدستور)