مرايا – لا مناص من الحديث مع التاريخ، فستجده عند كل منعطف سياسي في المنطقة، الكل يجتر القديم، والكل يعيش معه، والقليل منهم يستطيع الاستفادة منه. والناس ينسون أن “كل شخص يكتب التاريخ حسبما يناسبه” الخوف يصنع المفردات السياسية، والكبرياء تضبط حروفها، والأمل في تحقيق منجز أفضل من السابقين هو ما ينظر إليه السياسيون.
لكن هل التاريخ والحاضر بقوة في الشرق الأوسط، خاص بهذه المنطقة بكل آمالها وآلامها، انتصاراتها وانكساراتها؟.
بالطبع لن تجد سوى هذا التاريخ ماثلاً في كل خطابات السياسيين، مؤدلجين أو غيرهم.
ما إن يتنسم أحدهم منصباً إلا ويضعه في بداية خطابه، مذكراً قومه بأنه هنا لإعادة التاريخ الجميل، وقد ينسى ويتناسى، وقد لا يعلم أن التاريخ لم يرحم قومه، وأن ما تحمله صفحات التاريخ ليس كله انتصارات، بل معظمه انكسارات.
قد يعيش حاكماً كخامنئي في فقاعة عودة أمجاد الفرس السابقة إيوان كسرى وعاصمة الساسانيين، التي تبعد كيلومترات من بغداد، وقد ينهل أيضاً من تاريخ آل البيت، فيضع ما يطيب له ذريعة للوصول إلى المدائن. لكن في الضفة الأخرى من يتطلع إلى القادسية، وذي قار، ومحو امبراطورية الفرس والتوغل في الشرق والغرب، ويعد ذلك منبعاً لسياسة طموحة وعودة لأمجاد امتدت من سور الصين حتى تلال الأندلس.
بعيداً عن هؤلاء الحالمين، يقبع فتية ينظرون للمستقبل، لا يريدون أمجاداً قديمة ولا عودتها، يريدون بيتاً سعيداً، وعملاً مستقراً، وطعاماً على المائدة.
هل تدفع منطقة الشرق الأوسط ثمناً لأحلام عشاق التاريخ؟ وهل تنسى أحلام محبي المستقبل؟ وهل يكون للعقل والمنطق وتحديات الحاضر طريق لأجندات السياسيين القابعين في كتب الماضي؟
الحقيقة أن معظم السياسيين يواجهون الحاضر بأدوات الماضي، لا ينظرون لأدوات العصر الحديث، إلا وسيلة كي تعيد لهم تاريخهم القديم، يعيشون في أوهام القوة والسلطة القديمة، كسرى والخليفة والمثاليات غير الصحيحة، التي يروجها أصحاب أجندات حزبية ضيقة.
استحضار التاريخ ليس جله أمراً سيئاً، إذا أخذت منه العبر، ودرس السياسي الأخطاء ونقاط القوة التي مر بها سابقوه، لكن المعضلة هي أن يعسف الحاضر من أجل الماضي، وأن يصبح هدف السياسي استعادة مجد تاريخي قديم على حساب مستقبل أفضل.
الأمم لا تقاس بمقاس تيجان زعمائها، بل بما يقدمونه لمجتمعاتهم، بما يفعلونه من أجل أمن واستقرار وسعادة شعوبهم، الإيغال في قسوة التاريخ والعبث بآمال الشباب والتخلي عن التسامح والعمل لمستقبل أفضل، هي الآن التي تقود بعض حكام هذه المنطقة، فتجدهم يقاتلون من أجل التاريخ، دافعين شبابهم إلى التضحية بالدماء، من أجل صورة تعلق على جدار.
ما يحدث في لبنان والعراق، نتيجة واضحة لحضور التاريخ بقوة في تفاصيل الحياة السياسية، حينما يقضي الوطن تفاصيله في دوامة اجترار للتاريخ، حين يخوض زعماؤه في صراعات مرجعياتها تاريخية، وينسون أن هناك أفواهاً تحتاج طعاماً، وشباباً يحتاج وظائف، وأحلاماً تحتاج منازل.
ما يحدث في لبنان والعراق، قتال بين شخصيات تاريخية وآمال شباب يريد حاضراً أفضل ومستقبلاً أكثر جمالاً، ثورة هؤلاء الشباب ضد التاريخ وتقديسه، ضد العبث به واستغلاله في منظومة فساد ضخمة واستغلال خارجي متخلف.
وكما قال نابليون: “التاريخ خرافات يصدقها الناس” لكنه في منطقتنا خرافات يستعملها زعماء الفساد لإنهاك الشعوب.