الأردن: قلق من «سيكولوجيا الحظر» وتحذيرات للحكومة واتساع الخصومة مع «ذرائع» وزير الصحة
مرايا – كيف ستقرر الحكومة التصرف وهي تخوض مجدداً اختبار حظر الجمعة بعد ظهر اليوم الأربعاء؟ هذا هو السؤال المركزي اليوم برفقة تطورات حادة وحرجة على الصعيد الفيروسي الذي يشغل ذهن جميع الأردنيين مع قرب نهاية الأسبوع الحالي، حيث عادت الروح والحياة والحركة إلى جزء من مطار عمان الدولي، وسقطت كل نظريات الوقاية الصحية في مسألة يوم الحظر والإغلاق الشامل بالتوازي.
وحيث أيضاً تسلل الفيروس وبقوة وبعشرات الإصابات ولأول مرة تماماً إلى خاصرة محافظة الكرك جنوبي البلاد على أكتاف سيدة من منطقة الأغوار خالطت المئات ونقلت العدوى لأرقام لم تظهر بعد بصفة قطعية بعدما تميزت تلك السيدة بنشاط اجتماعي فعال، فتجولت وسط الأفراح والأتراح، واحتضنت عشرات النساء والفتيات، وأصابت في الجولة الأولى فقط 24 شخصاً من أفراد أسرتها والمجاورين لها.
مواقف موحدة وتحذيرات من إغلاق المساجد بسبب كورونا
في كل حال، بقيت محافظة الكرك نظيفة وبلا إصابة واحدة طوال الأشهر الستة الماضية إلى حين رصد تلك السيدة الخمسينية.
هنا تحديداً، أوشك العزل في منطقة الأغوار الوسطى في المحافظة قراراً وشيكاً ومتوقعاً، وأطقم الوقاية التي يشرف عليها وزير الصحة النجم سعد جابر في مواجهة اختبار جديد. الأهم في السياق أن فوبيا الحظر وسيكولوجيا الالتزام به، الجمعة من كل أسبوع تحديداً، تنمو وتتمدد في خارطة المجتمع، بدلالة النشاط الكبير على منصات التواصل الذي يحذر الوزير جابر مسبقاً من فرض حظر جديد يشل الحركة، خصوصاً في أكبر مدينتين، هما الزرقاء وعمان.
مبكراً، وقبل ظهور الفيروس في الكرك، ألمح الناطق الرسمي باسم الحكومة الوزير أمجد العضايلة، على هامش نقاش مع
إلى أن الحكومة تراجع معطيات الحظر المسائي طوال الأسبوع، وتقرأ بعمق دلالات ونتائج ومؤشرات الإجراءات.
ذلك تلميح بيروقراطي، إلا أن تشدد وزير الصحة في مسألة الحظر يخسر المزيد من المتفهمين والأصدقاء حتى داخل خلايا الأزمة، وليس فقط بسبب الشكوى والتذمر الاجتماعي وما يرافق ذلك من إسقاط لاعتبارات تدخل في سياق التقاليد الاجتماعية الراسخة والقوية وأحياناً المقدسة للناس وهي تترنح على أعتاب «سيكولوجيا الحظر» التي دخلت بدورها في أذهان الأردنيين بنموذج تدريبي فعال أقرب نظرياً وسياسياً لفكرة مناورة بالذخيرة الحية يمكن أن تلزم لاحقاً ولأسباب قد لا تكون فيروسية.
بكل حال، صدر عن وزير الداخلية سلامة حماد توجيه داخلي للحكام الإداريين بالانتباه لضرورة الالتزام في المساجد بمعايير الوقاية خلال صلاة الجمعة المقبلة.
هذا التوجيه يعني بأن الحكومة قد تتراجع مساء اليوم الأربعاء عن فرض حظر شامل يوم الجمعة، وأن وزير الداخلية بدأ يستعد لذلك بعدما سقطت قصة صلاة الجمعة ولم تعد صالحة كذريعة لتبرير الحظر وللمبالغة في مخاوف وزير الصحة. في المقابل، وسعياً للتلامس مع نقاشات داخل مجلس الوزراء، حذر بيان صدر أمس الأول باسم حزب جبهة العمل الإسلامي المعارض من العودة لاحتمال إغلاق المساجد في موقف ينطوي على تلويح ضمني بمتابعة الحزب الكبير لما يجري بين الوزراء في اجتماعاتهم المقبلة، وسط ملاحظات ميدانية للإسلاميين ولغيرهم تقول بأن المساجد وفي العاصمة تحديداً ملتزمة بصرامة بالتباعد ومقتضيات الوقاية، وبأن لقاءات الصلوات الجماعية لم تنتج عنها إصابات بالفيروس، وفقاً للبيانات الحكومية، وبأن صلوات الجمعة تقام أيضاً، على رأي أحد الوزراء في المحافظات الأخرى التي لا تعزل.
ويعني ذلك عملياً بأن الذرائع التي تبرر الحظر الشامل تسقط اليوم تلقائياً، خصوصاً أن الكلفة الاقتصادية أكبر من احتمالات المجازفة بها، فيوم الحظر الواحد أسبوعياً -بتقدير وأرقام المستشار الاقتصادي الخبير محمد الرواشدة- يكلف القطاعات المغلقة نحو ثلاثة ملايين ونصف المليون دينار على الأقل.
ولعل تلك الكلفة هي التي دفعت هيئات نقابية ومهنية وتجارية للتشبيك بعضها مع بعض لأول مرة عبر إصدار موقف جماعي باسم القطاعات المهنية ونحو 20 تجمعاً ونقابة مهنية مع غرفة تجارة العاصمة عمان، للتحذير من مزيد من الخسائر بالتوازي مع ارتفاع أصوات محتقنة على منصات التواصل باسم الجمهور العادي، تعلن الاستعداد للتمرد على أي حظر جديد ما دامت القطاعات مفتوحة والثغرة التي تسلل منها الفيروس مجدداً تخص الحكومة وليس الشارع.
رسالة القطاعات للحكومة بالتشبيك مع غرفة التجارة كانت واضحة مساء الثلاثاء في رفض أي إجراء يحمل عناوين الحظر الشامل، ولو ليوم واحد، نهاية الأسبوع، وفي الدعوة – بالتزامن – إلى تقليص ساعات الحظر الليلي حتى تصمد قطاعات تجارية مهمة لا مبرر لإغلاقها مثل المطاعم والمقاهي والمحلات التجارية بالكثير من أنواعها ودون إسقاط سبل الوقاية وسبل التباعد في الوقت نفسه.
بسام البدارين «القدس العربي»