مرايا – ابدا.. لن نرضى ان تتحول ارصفة شوارع وسط المدينة مستقرا لظواهر خطيرة ومؤلمة، تعكس مشاهد سوداء قاتمة لا تليق بالعاصمة بل في قلبها النابض، ذلك في ظل تقاعس صارخ وواضح من كافة الجهات المعنية الرسمية.
المشهد مأسوي بكل ما تعنيه الكلمة، ومن يقدر له ان يزور وسط البلد فإنه سيلمس بوضوح الانتشار المدهش والمؤلم في آن واحد، لمئات المتخلفين عقليا والمشردين والمتسولين والذين استوطنوا «قاع المدينة» ينتشرون فوق ارصفتها وشوارعها بملابسهم الرثة وشعور رؤوسهم التي استرسلوا في اطالتها بصورة مرعبة جدا، وما يرافق ذلك من تصرفات مرعب بعضها وخادش للحياء بعضها الآخر..!
*رصد ميداني
وهنا.. فإنه وعبر ايام من التواجد وسط البلد رصدت المشهد الذي يعد من المشاهد السلبية في العاصمة، في ظل غياب كامل اطراف الجهات المعنية وعلى رأسها وزارة التنمية الاجتماعية صاحبة الاختصاص ، الامر الذي اسهم -ولا يزال- بانتشار المزيد من المرضى النفسيين والمصابين بإعاقات عقلية، ليكون قاع المدينة مستقرا لهم!
*مشاهد مؤلمة
امام ذلك.. لا غرابة ابدا ان تشاهد احد المختلين عقليا يتعرى امام المارة في مشاهد خادشة للحياء العام، بل وامتد الامر في ظل هذه الفوضى، الى قيام اخرين من المتخلفين عقليا الى التحرش الصارخ بالنساء ممن قادتهن خطاهن الى وسط المدينة بهدف التسوق وخلافه، فيما لا نستغرب اذا شاهدنا من استلقى فوق مقاعد الباصات وارصفة المشاة بكل ما في المشهد من صور شائهة ومنفرة.
في مشهد آخر يتسبب بالاحراج الشديد لزوار وسط البلد حيث يواظب احد المختلين عقليا على التعري بصورة كاملة على مداخل سوق الصاغة بشارع فيصل وقام بالمسير بصورة اعتيادية الأمر الذي شكل حالة من الفزع بين المواطنين والسياح الاجانب على حد السواء.
*وافدون ايضا..!
ولم يتوقف الامر عند هذه الحدود، بل ان هناك عدد من المختلين عقليا وهم وافدون تسربوا من مخيمات اللجوء الانساني السوري في الاردن ليستوطنوا شوارع عمان القديمة، ذلك كله وغيره يتم في ظل غياب صارخ لكافة اشكال الرقابة على الاطلاق.
*مشردون واشياء اخرى
ايضا.. في وسط البلد تجد الاطفال المشردين ينتشرون في اسواقها وازقتها وشوارعها بعد ان تقطعت بهم السبل، ليكونوا عرضة للاستغلال بكافة جوانبه الاخلاقية الخطيرة، بل وان بعضهم يمتهن النشل والسلب والتسول في آن واحد..!
*شهود عيان
وبهذا الخصوص اكد مجدي محمود الحمصي مالك متجر الحمصي للقهوة في شارع الرضا وسط البلد على ان هؤلاء المعتلين نفسيا والمعاقين عقليا يتجمعون في قاع المدينة بهيئات رثة تثير الخوف وبعضهم من النوع الشرس الذي لا يتوانى عن اعتراض المارة، والبعض يمارس افعالا خارج سيطرتهم لكنها خادشة للحياء بصورة صارخة واخرون هربوا من ضغوط نفسية أوصلتهم الى حالات نفسية لم يجدوا منها ملاذا سوى التقوقع في مناطق عمان القديمة على الادراج وابواب المحال التجارية وجولات راجلة على ارصفة الشوارع!.
وعلى صلة فإن تجار وسكان قاع المدينة يقولون إنهم يعايشون واقعا مؤلما في تفشي ظاهرة انتشار المرضى النفسيين في شوارع عمان بصورة خاصة، وهم في وضع انساني مؤلم وفي حالة صحية خطرة اضافة الى تصرفاتهم التي تلحق الضرر بهم وبالآخرين على حد السواء، ويهيم هؤلاء المرضى الذين يرتدون ملابس رثة على وجوههم وسط زحام السيارات، معرِّضين حياتهم للخطر.
*من قلب الحدث
في غضون ذلك ثمة حكايات مشوبة بالقلق والحزن، فهذا خمسيني تعرض لضغوط حياتية متعددة تسببت بإصابته بمرض نفسي يقول: أنزل الى وسط البلد يوميا مشيرا الى انه كان يعمل مترجما ولديه عدة مؤلفات قبل ان يتعرض لأمراض نفسية، جعلته يركن في اطراف الادراج العمانية بحثا عن الظل ليتقي حرارة الشمس، ويحصل على مساعدات نقدية من المارة دون ان يعمد الى التسول.
ويرجع ذلك الخمسيني متاعبه الى ذويه وتعاملهم المتشدد معه بالاضافة الى النظرة الاجتماعية للمريض النفسي، مشيرا الى انه يواظب على التواجد في قاع المدينة يوميا بسبب توافر الخدمات المتعددة من مطاعم بأسعار شعبية ومقاه وسرعة الوصول لوسط البلد.
فيما يقول مريض نفسي آخر يبلغ من العمر (55) عاما انه استكمل دراسته للادب الانجليزي من احد المعاهد وعمل بعدها في احدى الدول الخليجية، ونتيجة لضغوط الهجرة وقع في اسر الظرف النفسي الذي تعالج منه في البداية وعزف عن العلاج اخيرا لتأثيره على الجسم بسبب استخدام الصدمات الكهربائية في احد المصحات الرسمية. ويضيف ان والديه توفيا وكان يقيم عند شقيقه الاكبر الذي توفي ايضا، الأمر الذي جعله يلجأ للاقامة في وسط البلد بأحد البيوت المهجورة، مشيرا الى انه يجد متعة في التجوال في قاع المدينة ورؤية الناس لأنه يمقت الوحدة، بحسب وصفه.
*خطورة بالغة
وعلى صلة.. تتواصل المشاهد غير الحضارية.. فهذا شاب ثلاثيني يمشي على امتداد شارع الملك فيصل الاول وقد اطلق العنان لشعر ذقنه بصورة عشوائية وملابس بالية ويقوم بعمل حركات من العاب قتالية «كراتيه وتايكواندو» وهو من «النوع الشرس» حيث تبدر منه حالات هيجان تجعله يعترض المارة ويحاول الاعتداء عليهم دون ان تتدخل اية جهة للسيطرة عليه..!
فيما نرى شابا اخر يركض من بداية سوق الذهب بشارع فيصل الى شارع السلط ذهابا وايابا يتخيل انه يقود دراجة هوائية ويمشي بتعرجات ويرتطم بالمارة في لجة انفعاله وخياله الذي جعله يعتقد انه فوق دراجة هوائية!
ويرقد مريض اخر امام احد المطاعم الكبرى في نهاية شارع الملك فيصل الاول، مفترشا الارض وملتحفا بطانية على الدوام حتى في وقت الظهيرة الذي ترتفع خلاله درجات الحرارة الى اعلى مستوياتها.
ولدى سؤالنا لمدير المطعم الذي ينام امامه هذا المريض اجاب قائلا: هذا الرجل لا نعرف شيئا عنه، فهو يمضي فترات طويلة ثم يختفي قبل ان يعود مرة اخرى الى موقعه، لافتا الى انه على هذه الحال منذ اربعة اعوام.
اما تجار سوق الذهب فلهم حكايات مع متخلف عقلي ضخم البنية يرفض ان يغادر المتجر الذي يدخله الا بعد ان يحصل على (دينار) كحد ادنى وسط صراخ عال يطلقه ذلك الشاب الذي يكون دوما في حالة هيجان شديدة.
*شر البلية..
«شر البلية ما يضحك».. كما يقولون، ذلك إذا ما علمنا أن احد المتخلفين العقليين بلحيته الكثيفة وملابسه الطريفة وفوق ما يعانيه من اعاقات عقلية يقوم بتناول الخمور كلما توافرت له نقود يحصل عليها عن طريق الاستجداء والتسول .
الى ذلك يطالعك مريض اخر وهو يقوم بإطلاق خطبة عصماء يشتم من خلالها اسرائيل ويدعي انه سيقوم بتدميرها وقصفها بالنووي!.. واخر يردد بصوت مثير «بدي اضرب اليهود»!.
اما في شارع الرضا فقد اعتاد السكان رؤية مريض نفسي يجلس من الصباح الباكر حتى وقت متأخر من الليل امام احد المنازل بهيئة رثة، لم تمنعه حرارة الشمس وقت الظهيرة من ممارسة عادته اليومية، بل انه لا يتحرج من محاولة ايقاف اي سيارة تمر في الشارع.
وتصاب بالفزع وانت ترى ذلك الرجل الذي يلف جسده بملابس سميكة وثقيلة برغم حرارة الجو، وهو يجلس في احد الشوارع على قارعة الطريق تماماً وهو يحك جسده الذي اتسخ الى درجة ان جسده تكونت عليه طبقة اضافية من الجلد المتسخ، وحين تشاهده وهو يمد يده في «عبِّه» كي يتناول زجاجة الكحول ويدلقها في جوفه تصاب بالفزع الصارخ.
حالة اخرى لرجل يترنح وسط الجزيرة الوسطية بجانب البريد المركزي أمام المحال التجارية وهو يقوم بتصرفات لا أخلاقية انتهت بقيامه بالتبول داخل زجاجة يحملها بيده ثم يقوم بتفريغها بطريقة عشوائية ، قبل أن يحاول التحرش بإحدى السائحات، حيث اسرعت ورفيقها بالابتعاد عن المكان!
*الجميع يخلي مسؤوليته..!
في غضون ذلك.. قال مصدر مسؤول في وزارة الصحة ان الوزارة تولي الأمراض النفسية والاعاقات العقلية اهتماما كبيرا وتقدم لهؤلاء المرضى خدمات الطب النفسي من خلال استقبالهم في المراكز الطبية المتخصصة بعلاج ورعاية مثل تلك الأمراض، مؤكدا أن تواجد وانتشار هؤلاء المرضى في الشوارع ليس مسؤولية الوزارة بل مسؤولية جهات أخرى معنية بمكافحة تلك الظواهر، لأن وزارة الصحة ينحصر دورها في استقبال من يراجعها من المرضى العقليين والنفسيين لتقديم الرعاية والعلاج لهم بصورة فورية.
فيما اخلت وزارة التنمية الاجتماعية مسؤوليتها هي الأخرى ليتوالى المشهد العبثي ذاته، في ظل التجاهل الصارخ من قبل كافة الجهات ذات العلاقة وعلى رأسها وزارتا الصحة والتنمية الاجتماعية اللتان تتقاذفان المسؤولية..!
*صرخة ادانة
نفتح الملف على مصراعيه، ليكون صرخة ادانة لكافة الجهات المعنية وعلى رأسها وزارتي (الصحة) و(التنمية الاجتماعية) والتي يكتفي المسؤولون فيها على اطلاق اعيتادي لتصريحاتهم الاعلامية الكلامية المجانية المستهلكة من خلف مكاتبه الوثيرة، ينفون ويؤكدون ويتابعون دون ان يتم اي اجراء حقيقي على ارض الواقع، ليبقى المشهد على ما هو عليه بسوداويته محاطا بالفوضى والاهمال..!!
مجمل القول.. مجانين وسط البلد حقيقة تحولت الى ظاهرة باتت تميز شوارع قاع المدينة، وصار السؤال ملحاً عن هذه الظاهرة وعن المسؤولين عن استمرارها لأن هذه الظاهرة تستحق منّا ان نطالب الجهات المختصة بإلقاء القبض على هؤلاء والذهاب بهم الى اقرب مصحة نفسية لا لشيء سوى ان هؤلاء يخدشون الوجه الحضاري لوسط عمان والذي من غير المعقول ان يبقى الحال على ما هو عليه..!
بقلم : محمود كريشان