* لن يعاد الدخول في دوامة التفاوض العبثي بلا اتفاق على مرجعيات واضحة
* القيادة الفلسطينية بالغت في عروض التسوية السخية على إسرائيل، بقبولها أقل من 22% من فلسطين
رغم كل ما يقرأه حسن أبونعمة في الجولة الأخيرة من المواجهة على جانبي قطاع غزة من تغييرات جوهرية في المعادلة الاقليمية، يرجح لها ان تتوالى سريعا، إلا انه لا يخفي توجسه من ان تكون مجرد حرب خامسة تتجدد.
خصوصية القراءة التي يقدمها العين السابق أبو نعمة تتمثل اساسا في كونه من نحبة الدبلوماسيين الذين تربت لديهم ملكات البراغماتية المتنورة في حضن الوعي الوطني والقومي الصلب. ولذلك فانه يقرأ المستجدات على ضوء المتتابع المتاح، مع جرأة في التشخيص.
فهو يخشى، بعد كل الذي تغير، أن تعود الإدارة الأمريكية والاوروبيون وبعض الدول العربية لتطالب بالعودة إلى الوضع الذي كان عليه الحال قبل هذه الحرب، ما يعني تمكين إسرائيل من تحقيق ما لم تحققه حربا ان تحققه بالتفاوض مجددا، وبذلك تترك الأرض لتنبت أسباب حرب جديدة أعنف من كل سابقاتها.
ميزة أخرى قد لا يعرفها الكثيرون من متابعي الأحداث باللغة العربية، هي ان الدبلوماسي المحترف، حسن أبو نعمة، صحفي كاتب عمود باللغة الانجليزية، من سويّة النخبة.
الآن وقد تم التوصل لوقف إطلاق النار بين المقاومة في غزة وإسرائيل ما هي توقعاتكم، هل ستشهد المنطقة تغيرات كبيرة؟
نعم بالتأكيد. هذه الجولة العنيفة من القتال ستؤدي لتغييرات جذرية في المعادلة ستظهر تباعاً.
أهم هذه التغيرات اشتراك جميع الفلسطينيين في الضفة الغربية وفي الداخل الإسرائيلي وفي غزة طبعا، في التحرك ضد الممارسات الإسرائيلية المستمرة والمتكررة على مدى العقود ضد الشعب الفلسطيني، وعلى استمرار الاحتلال، والزحف الاستعماري الاستيطاني والقمع والإرهاب ومصادرة الأراضي وهدم البيوت وانتهاك حرمات المقدسات الإسلامية والمسيحية خاصة الانتهاكات المستمرة للمسجد الأقصى والحرم الشريف. وأخيرا ذلك العدوان الإسرائيلي على حي الشيخ جراح ومحالة اجلاء عائلات فلسطينية من منازلها في انتهاك صارخ إضافي للحقوق الفلسطينية ولكافة القوانين والأعراف الدولية.
وبالتأكيد فوجئت إسرائيل بهذا التطور الخطير، بعد أن اعتادت على القيام بأبشع الممارسات العدوانية وأفظع الانتهاكات خاصة تلك التي حدثت في عهد الرئيس الأمريكي السابق بالنسبة لضم القدس وإعلانها عاصمة موحدة أبدية لإسرائيل ونقل السفارة الأمريكية إليها وضم المستوطنات وأجزاء كبيرة أخرى من الضفة الغربية – غور الأردن – وإنكار كامل الحقوق الفلسطينية المعززة بقرارات دولية متكررة وملزمة.
فوجئت إسرائيل أكثر بالدعم الذي حظي به هذا التحرك الفلسطيني في معظم عواصم العالم وفي المدن الامريكية والأوروبية وفوجئت بالتنديد بانتهاكاتها الاستفزازية التي تجاوزت كل حدود الاحتمال في أحداث الأقصى والشيخ جراح، تلك الأحداث التي فجرت غضب واحتجاج فلسطيني موحد وحاسم لم تشهد إسرائيل مثله منذ عقود.
وبالتأكيد فوجئت إسرائيل بالتحرك الأردني الشامل لكل مكونات الشعب الأردني ووقوفه بقوة مع الشعب الفلسطيني في نضاله من أجل تحرره واستقلاله، واستعادة كامل حقوقه وإقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس.
ذلك مع العلم أن الأردن احتضن القضية الفلسطينية منذ بداياتها. الجيش العربي الأردني هو الذي أنقذ الضفة الغربية والقدس في الحرب العربية الإسرائيلية عام 1948.
والوصاية الهاشمية على المقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس منذ عشرينات القرن الماضي هي التي حمت تلك المقدسات، بالرغم من استمرار الاحتلال، وبالرغم من الانتهاكات الإسرائيلية المستمرة لتلك المقدسات حتى هذه اللحظة.
ما مدى تأثير هذه المواجهة الأخيرة على الأردن وعن علاقات الأردن مع كيان الاحتلال.
من الواضح أن العلاقات الأردنية مع إسرائيل، هي علاقات متوترة بسبب الانتهاكات الإسرائيلية التي أشرت اليها.
موقف الأردن ثابت وواضح بالنسبة للقضية الفلسطينية منذ بداياتها.
لقد وقف جلالة الملك عبدالله الثاني بقوة ضد صفقة القرن وضد ضم القدس وضد كل ممارسات الاحتلال ورغم الضغوط والكلفة التي تسببت بها هذه المواقف الصلبة، فإن جلالة الملك لم يساوم على حقوق الفلسطينيين الثابتة وغير القابلة للتصرف.
خلال الحرب الأخيرة بادر الأردن بتقديم الدعم الطبي والإنساني لمساعدة اهل غزة على مواجهة الدمار الذي تسببت به آلة الحرب العدوانية الصهيونية. ولم يتوان جلالة الملك عن بذل الجهود المتواصلة من أجل وقف العدوان على غزة، ووقف الممارسات الصهيونية التي جرّت إلى تلك المواجهة العسكرية واستهدافها لمنازل المواطنين العزل، وقتل الأطفال والشيوخ والنساء، وتدمير البنية التحتية الهشة في القطاع المحاصر منذ 15 سنة، وإجلاء أكثر من 60 ألف فلسطيني دمرت بيوتهم واجبروا على اللجوء في مدارس وكالة الغوث في ظروف معيشية غاية في الصعوبة والمعاناة. وبتوجيهات مباشرة من جلالة الملك سوف تستقبل مستشفيات الأردن الجرحى الذين هم بحاجة لمواصلة العلاج من غزة كما حدث في مرات سابقة عديدة. ذلك بالإضافة للمهمة الإنسانية التي تقوم بها المستشفيات الأردنية في غزة منذ سنين متتالية.
ماذا بعد، هل ستؤدي هذه الحرب الى إعادة احياء عملية السلام؟
ذكرت في بداية حديثي أن هذه الحرب ستحدث تغييرات سياسية جذرية في المنطقة. هذه التغييرات ستتضح معالمها تباعا. ولكنها بالتأكيد لن تسمح بإعادة الدخول في دوامة التفاوض العبثي بلا اتفاق على مرجعيات واضحة وبدون اعتماد قرارات الأمم المتحدة كأساس لحل هذا الصراع التاريخي، تلكم القرارات التي أُبعدت تماما عن كافة الصيغ التي طرحت حتى الآن. بدأت مشاريع التسوية السلمية للصراع منذ حرب 1967 بالقرار 242، ومشروع روجرز، وعشرات المبادرات التي تلت ذلك انتهاء بمبادرة السلام العربية ومشروع الرباعية الدولية وخارطة طريقها. وقد أحبطت إسرائيل كل المبادرات بدون استثناء حتى تلك التي تظاهرت بقبولها. قبلتها فقط من أجل تخفيض سقف المطالب الفلسطينية.
استغلت إسرائيل التفاوض غير المحدود كستار دخان لتحييد ما يسمى بالمجتمع الدولي، الذي أعفى نفسه من أية مسؤولية بحجة أن المسألة قيد التفاوض، وأن الهدف هو حل الدولتين، دون أن يكون للتفاوض أي سقف زمني أو أي تقييم موضوعي للنتائج.
ما هو أخطر من ذلك بكثير هو أن إسرائيل استثمرت سنوات متتالية من التفاوض لاستعمار الأرض الفلسطينية وإقامة الحقائق الجديدة على الأرض، حتى وصل الامر إلى أنه أصبح من المستحيل إقامة أية دولة فلسطينية على ما تبقى من الضفة الغربية.
استمرت هذه الممارسات الإسرائيلية، أقصد الزحف الاستيطاني، منذ عام 1967. لم تواجه بموقف عربي فلسطيني صارم يشترط وقف الاستيطان وغيره من الممارسات غير القانونية كشرط لأي تفاوض. وهذا ما شجع إسرائيل على التمادي وعلى إطالة أمد المفاوضات لكسب الوقت، بينما استمر البناء وبقي الاحتلال.
إن حل الدولتين، وإقامة دولة فلسطينية على حدود 1967 وعاصمتها القدس يستوجب إزالة جميع المستوطنات وإلغاء كل القرارات الأمريكية والإسرائيلية بالنسبة للقدس. كما يستوجب القبول بحق العودة كما نصت عليه قرارات الأمم المتحدة. هل هذا ممكن التحقيق. وهل ستقبل به أية حكومة إسرائيلية؟
لقد بدأت الولايات المتحدة ودول أوروبية بالحديث عن العودة للمفاوضات بعد وقف القتال. وتطالب السلطة الفلسطينية بذلك أيضا، وإن كانت تشترط الاستناد للقرارات الدولية. ولكن أيضا دون ضمان تحقيق هذا الشرط قبل الانخراط بأية مفاوضات جديدة.
ولكنه من غير المتوقع أن تتخلى الأطراف الدولية المعنية عن المعايير المزدوجة، بمحاباة إسرائيل وغض النظر عن جرائمها بحق الشعب الفلسطيني وانتهاكاتها الصارخة للمواثيق والأعراف الدولية وعدم الالتزام بأي من قرارات الأمم المتحدة.
ومن غير المتوقع أن نسمع مسؤول أمريكي أو أوروبي يطالب إسرائيل صراحة بإنهاء احتلال الأراضي العربية والفلسطينية، ووقف الاستيطان الجديد، وإزالة القديم، كما أزيل من سيناء وغزة. ومن غير المتوقع أن يظهر من تتوفر لديه الجرأة لتسمية الأشياء بأسمائها ويكف عن وصف الجاني والمحتل والقاتل بأنه يمارس كل هذه الجرائم دفاعا عن النفس، بينما لا يتردد بإلصاق صفة الإرهاب بكل من يقاوم الاحتلال ويطالب بحقوقه المشروعة ويدافع عن ارضه وعن كرامته وحريته حتى لو فعل ذلك سلما أوضمن ما أجازه القانون الدولي.
لم يكن لإسرائيل لتتمادى إلى هذا الحد لولا قصور الدول المعنية عن القيام بواجباتها الأخلاقية والسياسية والقانونية بحسب ميثاق الأمم المتحدة، والاختباء بدلا من ذلك وراء التصريحات المراوغة والخالية من كل معاني النزاهة والمسؤولية والجرأة في قول كلمة الحق.
الدرس الذي قدمته هذه الحرب الأخيرة، والذي يجدرالتمعن بكل تفاصيله من قبل إسرائيل ومن قبل كل من يدعمون العدوان الإسرائيلي هو ان القضية الفلسطينية لن تذوب في خضم الاجماع على انكارها والالتفاف حولها بالتطبيع وشيطنة الفلسطينيين وتحميلهم مسؤولية عدم الاستقرار في المنطقة.
وعلى هؤلاء أن يدركوا أن الشعب الفلسطيني لن يستسلم، ولن يتخلى عن المطالبة بحقوقه مهما كانت التضحيات، وان الحصار والتجويع لن يحول دون بناء قدرات هائلة لتحدي آلة الحرب الإسرائيلية على ضخامتها وقدراتها وتقنياتها الهائلة.
وعلى هؤلاء أن يدركوا أن إسرائيل رغم الدعم الأمريكي المطلق والدعم الأوروبي لن تنعم بالأمن والسلم مادامت قائمة على ارض الفلسطينيين وعلى اشلائهم على حساب حقوقهم ومصيرهم وكرامتهم.
الحقيقة أن المنطقة برمتها لم تشهد استقراراً ولا سلماً ولا ازدهاراً منذ قيام دولة إسرائيل واصرارها على عدم الاعتراف بحقوق الفلسطينيين.
يتباهى الكثيرون من أشباه الخبراء والانتهازيين وبعض قادة إسرائيل بأن الفلسطينيين “لم يضيعوا فرصة من اجل إضاعة فرصة” وأنهم احترفوا رفض العروض التي تلقوها لتسوية النزاع. ومع الأسف ان بعض العرب يرددون ذلك.
الحقيقة هي عكس ذلك تماما. القيادة الفلسطينية هي التي بالغت في عروض التسوية السخية على إسرائيل، بقبولها بأقل من 22% من فلسطين بموجب قرار مجلس الامن 242 (عام 1967)، وبقبولها بتبادل الأراضي لتمكين إسرائيل من ضم بعض الكتل الاستيطانية وبقبولها بمحتوى اتفاق أوسلو عام 1993 وما ترتب عليه من تسهيل مهمة الاحتلال وإعفاء إسرائيل من تبعاته الأمنية والمالية،وفي الحقيقة إضفاء شرعية واقعية على الاحتلال. وفوق ذلك كانت المبادرة العربية عام 2002 التي أعطت لإسرائيل كل ما تريد، ومع ذلك رفضتها إسرائيل وماتزال.
أخشى أن هذا ما ستطالب به الإدارة الأمريكية والاوروبيون وبعضالدول العربية من خلال الدعوة إلى العودة إلى عملية السلام- أي العودة إلى الوضع الذي كان عليه الحال قبل هذه الحرب، ما يعني تمكين إسرائيل من تحقيق ما لم تحققه حربا ان تحققه بالتفاوض مجددا وبدعم دولي وربما عربي، بذلك تترك الأرض لتنبت أسباب حرب جديدة أعنف من كل سابقاتها.,
أفهم من ذلك أنك لا تؤيد العودة للتفاوض من أجل التوصل إلى تسوية سلمية تبعد عن المنطقة شبح حروب جديدة.
بالعكس. أنا أؤيد كل عمل صادق ونزيه وجريء ومسؤول من اجل حل الصراع وفق القانون والعدالة. أنا أؤيد أي مسعى دولي تتوفر فيه الإرادة الصارمة لإحقاق الحق ومحاسبة المعتدي وانصاف المعتدى عليه. كيف لأي سلام أن يدوم دون أن يستند إلى أسس العدالة؟ انا فقط عبرت فيما سبق عن خوفي من أن هذه هو ليس المطروح حاليا. المطروح طبطبة ومحاباة ونفاق وتأجيل ومنح إسرائيل وقتا إضافيا لمواصلة تنفيذ مشروعها الذي يهدف ليس فقط الاستحواذ على كل ارض فلسطين (الأرض بدون السكان) بل للتمدد الى ما بعد ذلك شرقا وشمالا وغربا، في المستقبل.
هل هذه الحقائق خافية على إسرائيل. وإذا لم تكن خافية فلماذا تصرّ إسرائيل على إغلاق طرق السلام والتفاوض الجاد لتعيش بأمان وسلام مستفيدة من المبادرة العربي؟
بعض الخبراء في إسرائيل ينبهون لهذه الحقائق خاصة بعد أن أبرزتها هذه الحرب كأوضح من أي وقت مضى. ولكن القيادة الحالية في إسرائيل هي الأكثر تطرفاً، والحقيقة أن المجتمع الإسرائيلي بأسره أصبح غاية في التطرّف كما دلّت انتخابات برلمانية متتالية أفرزت حكومة عنصرية مغامرة، يتصدرها رئيس مستعد لتدمير المنطقة، بما فيها إسرائيل للهروب من قضايا الفساد الغارق فيها والمنظورة أمام قضاء بلاده.
أنا لا أتوقع من إسرائيل أية مواقف واقعية، حتى لا أقول، مواقف رصينة وعاقلة لأجل إنجاح أية محاولات للتوصل لتسوية سلمية عادلة ودائمة للصراع.
إسرائيل، وليس الجانب الفلسطيني، هي التي أضاعت كل فرصة أتيحت لها للتصالح مع جيرانها. وأخشى أنها، أي إسرائيل، أضاعت هذه الفرصة إلى الأبد.حتى بعد انتهاء هذه الجولة من المواجهة العسكرية الدامية المدمرة، عادت إسرائيل لنفس الممارسات في المسجد الأقصى والشيخ جراح، التي سببت الحرب، وكأنها تريد أن تغطي على النتائج السلبية والعكسية لمغامرتها العسكرية الحالية غير المحسوبة.
تطالب إسرائيل الآن بنزع سلاح المقاومة في غزّة كشرط لإعادة الإعمار. وتطلب كذلك بتسليم الأسرى أو جثامين بعض قتلى الحروب السابقة، وكأنه من السهل أن تحقق بالتفاوض ما لم تحققه في حربها المدمرة الأخيرة.
هل ترى أن وحدة الشعب الفلسطيني، وتحركه الأخير ضد الاحتلال وممارساته، هل ترى ذلك تطوراً نوعياً يساعد على وضع الأمور في نصابها الصحيح ويسهّل التعامل مع أية جهود جديدة ومعقولة للتسوية السلمية؟
الحقيقة أن ما أظهره الفلسطينيون من وحدة وتصميم وإرادة واستعداد للتضحية من أجل تحقيق طموحاتهم الوطنية المشروعة قد فاجأ الجميع. وقد تكون إسرائيل أكثر من أقلقته وحدة الفلسطينيين خاصّة انضمام فلسطيني الداخل للحراك، وما وضع إسرائيل على مشارف الحرب الأهلية. وتلك ظاهرة جديدة بالفعل.
ولكن تصدّر المقاومة للمشهد، والنجاحات التي حققتها أمام جيش مدجج وقوي، وقدرتها على فرض وجودها قد تؤدي لتوسيع الفجوة بين قيادة حماس في غزّة من جهة والسلطة الفلسطينية من جهة ثانية. والسبب أن لكل جانب نهج مختلف تماماً عن الآخر: نهج المقاومة ونهج التفاوض. وهذا السبب هو الذي حال دون مصالحة حقيقية بين الجانبين رغم كل الاتفاقات التي تمت وأعلنت سابقاً.
سيكون الموقف الفلسطيني أقوى وأكثر تأثيرا لو تمت المصالحة الحقيقية. ولو تم الاتفاق على استراتيجية وطنية موحدة- تفاوض معزز بوجود المقاومة، وليس هذا بالأمر المستحيل. فلا تناقض بين دمج النهجين دون التخلي عن أحدهما. والتفاوض المدعوم بالقوة، وبوجود مقاومة قادرة على التحرك في حال فشل التفاوض، أو في حال أظهر الجانب الآخر تصلباً غير معقول في موافقة، هو التفاوض المجدي ومضمون النتائج.
هذا ليس بالشيء الجديد. من البديهي أن المفاوض المدعوم بالقوة هو أفضل بكثير من المفاوض الذي يضع نفسه تحت رحمة وظلم وتعسّف خصمه كما هو الحال حتى الآن بالنسبة للتفاوض الفلسطيني مع إسرائيل؛ التفاوض الذي يبدأ بتقديم التنازلات، والذي ينطلق من تطمين المحتل بأن لا يتوقع مقاومة لاحتلاله ولا تمردا عليه، بل استجداء لعطفه إن أراد ذلك. ماذا كانت نتيجة هذا النهج على مدى أكثر من ثلاثين عاماً من التفاوض؟ النتيجة لم تكن فقط فشل التفاوض والتراجع وتآكل الحقوق الفلسطينية، بل كانت تشجيع الجانب الإسرائيلي على المزيد من التصلّب وتسريع الزحف على تهويد الأرض، وإطلاق قطعان المستوطنين بحماية الجيش الإسرائيلي على مصادرة الأراضي والاعتداء على الفلسطينيين وتدمير ممتلكاتهم وحرق مزارعهم وترويعهم وتضيق الخناق عليهم والمناداة بطردهم وقتلهم – تلك الظواهر التي لا مثيل لها في هذا الزمن، والتي تتكرر أمام صمت وعجز المجتمع الدولي عن محاسبة إسرائيل على هذه الممارسات. هذا هو مصير العاجز الذي لا يدافع عن حقوقه.
هل أفهم أن شيئاً ما لن يتغير، وننتظر حرباً أخرى؟
تغيّرت أشياء كثيرة وقد تحدث تغييرات أخرى في ذات الاتجاه. ولكنني أخشى أن لا تكون هذه الحرب هي الحرب الأخيرة، إلا إذا تحرّك المجتمع الدولي كما أشرت سابقاً، وحرّر نفسه من الخوف من مواجهة انتهاكات إسرائيل وتمردها على القانون الدولي، وعلى كل المبادئ والمواثيق والأعراف التي تحكم علاقات الأمم المتحضّرة الراغبة في العيش بسلام، ضمن قواعد القانون والاحترام المتبادل.
(الرأي – ملك يوسف التل)