مرايا – عمر كلاب
لا يمكن انكار حجم النجاح الذي حققته الزيارة الملكية الى واشنطن, وانعكاس هذا النجاح على مزاج الاردنيين, الذين استعادوا فقه الدولة المألوف في وجدانهم, من حيث حجم القوة والصلابة السياسية والدور الاقليمي, الذي بالضرورة ينعكس ايجابا على مسارات الحياة الاقتصادية والمعيشية, لكنه يبدو واهما جدا من يعتقد, ان هذا النجاح لا يحتاج الى حماية استثنائية من الاردنيين انفسهم قبل مؤسسات الدولة, فالنجاح كما يغري بمزيد من النجاح, يفتح عيون الكارهين والحاسدين والخصوم وما اكثرهم, ولعل حادثة الفتنة كشفت بما لا يقبل مجالا للشك حجم الحقد على الاردن بمحاولة استهداف رأس الدولة وضمانة الاردنيين جميعا.
فالارتكان الى متانة العلاقة مع الدولة الاقوى في العالم دون روافع داخلية وتحالفات اقليمية, ليس كافيا لصون الدولة وحمايتها على شدة اهميته, ولعل ابرز خطر على الدولة هو ارتكان اهلها الى حجم الدعم الخارجي, حتى لو من اكبر قوة في العالم- على شدة اهميته- فهذا يرسل اشارات الى المحيط الخارجي واعني الدعم الخارجي, والرسائل التي وصلت الى المحيط الخارجي للاردن, بالغة القوة والدلالة, فالنظام الهاشمي خط احمر, وديمومة العرش مصانة, وهي اصلا مصانة بتكاتف الاردنيين والتفافهم حول القيادة الهاشمية وعميدها عبدالله الثاني وولي عهده الامين, لكن احاطة الرئيس الامريكي كتف ولي العهد بذراعه رسالة حاسمة لاطراف اقليمية, حاولت العبث.
العلاقات الاردنية الخارجية قوية ومتينة حتى مع الفرقاء العالميين, فالاردن على علاقة وثيقة مع روسيا والصين وعلى علاقة استراتيجية مع اوروبا الولايات المتحدة, التي كنا نحتاج منها مثل هذه الرسائل بعد سنين عجاف شهدتها العلاقة مع ادارة ترامب وصهره كوشنر, اللذان اجتهدا في القفز عن الاردن للجوار, تارة بالعبث بمفهوم الوصاية الهاشمية على المقدسات المسيحية والاسلامية, وهذا يحتاج الى توضيح للجمهور الاردني وتحديدا محاولات الفصل بين المقدسات المسيحية والاسلامية, كخطوة اولى لضرب الوصاية بمجملها, لكن الملك بحكمته ووعيه التقط المحاولة واجهضها في مهدها, فالتخلي عن الوصاية عن كنيسة القيامة التي هي جزء اصيل من الوصاية الهاشمية ومن شرفنا الديني والقومي والانساني, تفضي الى التخلي عن المسجد الاقصى وحرمه الشريف.
وحتى لا نستكين كثيرا, فقد اغرت خطوات ترامب وصهره دول الجوار, ولامست طموحات لدى كثير من قادته, الذين ارهقهم هدير محركات الطائرة الملكية وهي تجوب اصقاع العالم دعما للمقدسات ودعما للقضية الفلسطينية التي تراجعت على سلم اولويات العرب باستثناء الاردن, الذي دفع ثمنا باهظا وكاد ان يدفع ثمنا اكبر, فحادثة الفتنة كانت حلقة من سلسلة حلقات قبلية وبعدية لاضعاف الموقف الاردني, فهذا الكم من الذباب الالكتروني المصنوع في عواصم قريبة وبعيدة, ليس صدفة ولا تأجيج الساحة المحلية عند كل اختلال برئ ايضا, فالحرب على الاردن كانت متسقة وممنهجة, ولم تنتهي ويبدو انها لن تنتهي, لذا وجب قراءة النجاح الملكي في واشنطن بعين الصقر المعهودة عن الاردنيين وعندهم.
خارجيا بات واضحا ان الاردن جزء اصيل من تحالف يُصاغ بوعي سياسي ولحاجة موضوعية للأمن القومي اولا وللدول المتحالفة, فالعراق ومصر والاردن ونسبيا سورية, يشكلون بمجملهم قوام هذا الحلف, وتحديدا” العراق, مصروالاردن” , بانتظار انعتاق سورية من الحرب على كينونة الدولة السورية التي تمكنها من التخلص من الأثر الايراني الذي اثقل كاهل سورية قبل ان يثقل كاهل الاقليم, وثمة رسائل قادمة من دمشق تؤكد هذا الفهم, وقبول العالم بأن بشار الاسد باق في موقعه وعليهم التعامل معه, ويبدو ان هذا كان جوهر الحوار الاردني الامريكي في واشنطن, وسرعة اتصال وزير الداخلية الاردني العميد مازن الفراية بنظيره السوري, تؤكد ان ثمة تطورات ايجابية في الملف السوري الاردني, ان كان على صعيد فتح كامل للحدود او على مسار العقوبات على سورية من خلال قانون قيصر.
الحلف بصيغته المُثلى ينتظر, نجاح مصطفى الكاظمي في الانتخابات العراقية في تشرين الاول القادم, ويبدو ان الاردن وضع كل امكانته لدعم الكاظمي في الانتخابات القادمة, وكذلك مصر وبعض العواصم العربية على رأسها الكويت, فهذا اول رسالة على بداية تحلل العراق الشقيق من القبضة الايرانية, بعد ان نجح الكاظمي في انهاء الوجود العسكري الامريكي في العراق خلال زيارته الاخيرة الى واشنطن بعيد زيارة الملك عبدالله الثاني اليها, الذي يبدو انه نجح في فرش الارضية للكاظمي من خلال علاقاته مع الادارة الامريكية, واكتمال الحلف بدخول سورية او مشاركتها الفاعلة فيه, سيحقق للاردن فرصة مثالية للخروج من ضغط الجوار العابث.
ترتيب الحديقة والممرات الخارجية, لا يكفي لمنح البيت الاردني امتيازات الترتيب, ما لم ينتقل هذا الترتيب الى الغرف الداخلية, فالممر السوري الى اوروبا والى لبنان, وكذلك الممر العراقي والمصري الى حد ما, يتطلب إحداث الانسجام الداخلي, اولا بالاسراع في انضاج مخرجات لجنة تحديث المنظومة السياسية لازالة اي احتقان داخلي, وبالتوازي سرعة انضاج ملف الاصلاح الاقتصادي بشكل شمولي, بحيث تتحقق الاستفادة من ثمار الزيارة الناجحة الى واشنطن والاستفادة من الدعم الامريكي الذي تشير مؤشراته بالتفاؤل, لكنه بحاجة الى رفع العلاقة بين القطاعين العام والخاص الى درجة الشراكة الحقيقية وليس الشراكة في تطبيق القرار الحكومي, واعداد خارطة احتياجات فعلية للاقتصاد الاردني من بنية عابرة للمحلية, ومنظومة تشريعات ثابتة تجذب الاستثمار وتزيل التشوهات بين القوانين والاجراءات.
زيارة الملك الاخيرة الى واشنطن, بمقدار ما حملت من رسائل ايجابية الى الداخل والخارج, الا انها بحاجة الى ترتيب سريع للبيت الداخلي, فكل نجاح خارجي محكوم بالشك اذا لم تتوفر له بيئة حاضنة داخليا, تلمس الناس تأثيراته على حياتهم ومعيشتهم.