مرايا – كتب: رمضان الرواشده

شهد الأسبوعان الماضيان حراكاً دبلوماسياً نشطاً وقوياً لجلالة الملك عبداللّه الثاني، في موازاة لقاءات سياسية على مستوى عالٍ في المنطقة، فيما رافق ذلك تصعيد في العمليات ضد إسرائيل، من قبل شبان فلسطينيين أدت إلى مقتل 11 إسرائيلياً وإصابة العشرات.
الملك يستشعر خطورة التطورات المتسارعة التي تجري إذ ثمّة «طبخة» أميركية – إسرائيليّة – عربيّة تتعلّق بالملف النووي الإيراني، كما يبدو ظاهرياً، ولكن الحقيقة، التي ستكشفها الأيام القادمة، أن الخاسر في كل ما يجري من ترتيبات ستكون القضيّة الفلسطينيّة عبر تحويل الأنظار عن الاستحقاقات المترتبة على إسرائيل للوصول إلى صيغ عملية تفضي لإعطاء الفلسطينيّين حقوقهم الوطنية المشروعة، وهذا ما أقلق الأردن إلى حد بعيد ودفعه لنشاط دبلوماسي مواز.
وبُعيد لقاء رئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينت بالرئيس المصري عبدالفتاح السيسي وولي عهد أبو ظبي الشيخ محمد بن زايد في شرم الشيخ والذي تمحور حول المشروع النووي الإيراني، والمخاوف من توتر الأوضاع في القدس، في شهر رمضان، عقد جلالة الملك لقاء رباعياً مهماً، حضره السيسي وبن زايد ورئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي بحضور وزير سعودي مفوض بهدف تنسيق الجهود فيما يجري وسيجري في المنطقة.
وجاءت دعوة الكاظمي للقاء، رسالة أردنية لإيران أولاً، ولكلّ اللاعبين الإقليميّين والدوليّين أن للأردن مصلحة في أمن واستقرار العراق وسيادة ووحدة أراضيه وعودته إلى محيطه العربي ووقف كافة أشكال التدخلات الإيرانية في شؤونه الداخلية.
يرتكز الأردنّ في موقفه على علاقات طيبة نسجها مع كافة مكونات الشعب العراق؛ سنة وشيعة وأكراداً، وتداخلات سياسية وأمنية للحفاظ، أيضاً، على أمن الأردن.
في هذه الفترة نشط الحديث مجدداً عن الخطر الإيراني، واحتمالات حدوث مواجهات فلسطينية مع الإسرائيليين، فتم عقد اجتماع في منطقة النقب بحضور وزراء خارجية أميركا وإسرائيل ومصر والمغرب والإمارات والبحرين، وقد وجهت الدعوة للأردن رسميّاً لحضور اللقاء، غير أن الموقف الأردني كان واضحاً ومفاده أنّنا لن نحضر في غياب التمثيل والحضور الفلسطيني. واستشعاراً من الملك لخطورة ما يجري وتأثيره على القضيّة الفلسطينية بما هي أولوية أردنية، ومصلحة عليا للأمن الوطني والقومي الأردني، نظراً لعوامل التداخل بين البلدين، إضافة لتداعياته على الأردن، زار الملك يوم الاثنين الفائت رام اللّه والتقى الرئيس الفلسطيني محمود عبّاس والقيادة الفلسطينية ليؤكد لجميع الأطراف في العالم والمنطقة أن أي مبادرة إقليمية سواء متعلقة بإيران، أو غيرها، لا بد أن تكون القضية الفلسطينية على أجندتها، لأن الأردن يرى أن أي تحرك؛ تصعيداً أو احتواء، في المنطقة، فلا بد من حلول للقضية الفلسطينية سعياً لتلبية الحقوق الوطنية المشروعة للشعب الفلسطيني وفي المقدّم منها إقامة دولة فلسطينيّة مستقلة وعاصمتها القدس وبما يضمن أمن واستقرار المنطقة برمتها، ومن بينها إسرائيل.
المخاوف الإسرائيلية لدى دوائر الأمن وحكومة «بينيت» من التصعيد المتوقع مع حلول شهر رمضان، ربما هي واحدة من القضايا المطروحة، ولكنها ليست كلها، لذا جاءت زيارة وزير الأمن الداخلي عومير بارليف، غير المعلن عنها، قبل أسبوع، تلاها لقاء الملك بوزير الدفاع الإسرائيلي بني غانتس ثم لقاء جلالته، أمس الأربعاء، بالرئيس إسحاق هرتسوغ. الملك وخلال كل هذه اللقاءات كان يركز على جوهر أن الصراع الاسرائيلي-الفلسطيني «طال كثيراً والعنف الناجم عنه مستمر في توفير أرضية خصبة للتطرف «ولذا حدد الملك ثلاث نقاط رئيسية هي:

1- ضرورة العمل على إيجاد أفق حقيقيّ للتقدّم بالعمليّة السلميّة وإحلال السلام على أساس حلّ الدولتين.

2- ضرورة احترام الوضع القانوني والتاريخي في القدس ومقدساتها الإسلامية والمسيحية.

3- اتخاذ الإجراءات التي تضمن حرية وصول المصلين إلى المسجد الأقصى وحركتهم دون أي عوائق إسرائيلية، بأي حجة كانت، ومنع الاستفزازات التي تؤدّي إلى التصعيد. يدرك الإسرائيليّون سابقاً، واليوم، ومستقبلاً، أن الأردن لاعب رئيسي في المنطقة، وله تأثير كبير في العمق الفلسطيني، بما في ذلك لدى فلسطينيي الــ 48 ونوابهم وأحزابهم، وأن لدى الأردن مكامن قوة وأداوات وأوراق، يطرحها في الوقت الملائم، لذلك كان هذا السعي الإسرائيلي، خلال الأسبوع الماضي، لإجراء تفاهمات أولاً مع الأردن المتسلح بدعم عربي وأوروبي ودولي في طرحه لحل الدولتين وجهوده لإحلال الأمن والاستقرار في المنطقة، وثانياً مع الفلسطينيين الذين لا يريدون مزيداً من الخسائر بل يتطلعون لتحقيق انفراجات في الأفق الإسرائيلي المسدود.
في هذه الأثناء، جاء التصعيد الميداني عبر عمليات أوقعت 11 قتيلاً إسرئيلياً وعدد من الجرحى، آخرها، عملية «بني براك» قرب تل أبيب، مساء أول أمس، لتؤكّد أن لا بديل عن الوصول إلى حل يرضي الفلسطينيين والعرب، رغم غموض التوقيت المتزامن مع النشاط السياسي والدبلوماسي الذي تشهده المنطقة! الأردن معني، بشكل أو بآخر، بالملف الإيراني وتدخلاتها بالدول العربية، لكنه أيضاً، يرى أن التركيز الأساسي في المنطقة وضمان استقرارها وأمنها، يكمن في استئناف العملية السلمية التي تفضي لحل يقبله الشعب الفلسطيني ويلبي تطلعاته، بما فيها، إقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس وضمان حق العودة للاجئين الفلسطينيين الذين يستضيف الأردن العدد الأكبر منهم.

الراي