مرايا – ماهر ابو طير – يريد رئيس الحكومة الإسرائيلية أن يتلاعب مع الأردن، عبر ما يمكن تسميته “إدارة المصطلحات وتلوينها” فهو حين يتحدث عن السيادة الإسرائيلية على القدس والمسجد الأقصى، يريد أن يقول إن السيادة شيء، والوصاية او الرعاية شيء آخر، وكأنهما مسربان متوازيان ولكل مصطلح معناه.
حين يخرج رئيس الحكومة الإسرائيلية الآيلة للسقوط ويقول إن القرارات بشأن المسجد الأقصى والقدس ستتخذها الحكومة الإسرائيلية، وأن إسرائيل ترفض أي تدخلات خارجية بشأن القدس، فهو يقصد الأردن مباشرة، والذي يحلل مفردات رئيس الحكومة الإسرائيلية يجده لا ينفي الرعاية أو الوصاية، بقدر حديثه عن السيادة بالمعنى السياسي والأمني، أي التحكم بالحرم القدسي، من حيث إدخال المستوطنين، وإغلاقه، وتنفيذ إجراءات أمنية وعسكرية فيه، على الرغم من أن الوصاية والرعاية الأردنية تعد نوعا من أنواع السيادة الأردنية على الأقصى.
وكأنه يقول للأردن ادفعوا الرواتب، وتبرعوا بالسجاد والمعدات، ودافعوا عن الأقصى كما تريدون باعتبار ان ذلك وصاية ورعاية، اي بمعنى تقديم الخدمات للحرم القدسي، لكن القرار السياسي والامني بشأن الحرم القدسي، بيد إسرائيل وحدها، وتحت هذه المظلة يمكن ضمنيا إفساد الرعاية والوصاية أو خفضهما وفقا للتوقيت الذي تراه إسرائيل.
من ناحية سياسية تواصل إسرائيل اصلا فرض سيادتها الفعلية على الحرم، عبر التدخلات والاقتحامات، وهي هنا تريد تحويل الاردن الى مجرد ممول مالي لموظفي الاوقاف، ولمجرد راع معنوي للحرم القدسي، لكن الكارثة في تصريحات رئيس الوزراء الإسرائيلي تكمن في عدة أمور أولها، ان هذا الكلام الذي لا يبدو في ظاهره يقترب من الوصاية والرعاية، يعني مخالفة لمعاهدة السلام مع إسرائيل التي تمنح الأردن الحق في إدارة الحرم القدسي، بكل ما تعنيه الكلمة، وثانيها احتمال ان تكون رسالة تهديد مبطنة للاردن، بوقف رعايته للحرم القدسي، ونقل الرعاية الدينية الى مؤسسات إسرائيلية دينية او سياسية، وثالثها ان هذا الضغط يشتد ردا على حملة أردنية ضد إسرائيل من خلال الاتصالات مع أطراف دولية وإقليمية، إضافة الى اطراف فلسطينية داخل القدس، تعتبر إسرائيل أن الأردن يحرضها ضد تل ابيب، او اطراف فلسطينية في فلسطين المحتلة عام 1948 ولها تأثير سياسي داخل الكنيست او داخل الأوساط السياسية الإسرائيلية.
ملف الأقصى بالنسبة للاردن، ملف وجود، وليس مجرد مسجد يتم دفع رواتب حراسه، وإسرائيل تدرك ذلك، لكن الاحتلال يركن الى عوامل محددة لإضعاف الاردن، من ابرزها اعتماد الاردن في الكهرباء على الاحتلال، واعتماد الاردن في ملف المياه، وغير ذلك من قضايا اقتصادية، اضافة الى الضغط الاميركي على الاردن، وعلاقة ذلك باللوبي اليهودي في الولايات المتحدة، كما ان هناك قناعة في إسرائيل أن الاردن غير قادر على معاداة إسرائيل بشكل كبير، لاعتبارات جيوسياسية، وللمخاوف المبطنة في الاردن، من كيد الإسرائيليين ضد الأردن واستقراره.
هذا رأي إسرائيلي يتناسى عامدا وجود أوراق قوة كثيرة بيد الأردن، إذ على الرغم من وجود ترتيبات اليوم لتجديد التفاهمات بين الأردن وإسرائيل بشأن الحرم القدسي، إلا أن نقاط ضعف الأردن، هي ذات نقاط قوته، فهذه الحدود المفتوحة من جهة، وكلفة إضعاف الأردن على الأمن الإقليمي، وغير ذلك من عوامل ستجعل الأردن في موقع يهدد إسرائيل ايضا، فوق ان مداخلات الاردن على المستوى السياسي بشأن استقرار الحكومة الحالية، تبقى واردة، ومع ذلك الكلف التي سنراها في حال وصلت الامور الى مرحلة اللاعودة، وتأثير ذلك على معاهدة السلام، من جهة، وعلى ملفات تصل الى استقرار الضفة الغربية، وكل مشروع السلطة الوطنية.
الكلام هنا متشعب، حول كلف المشهد، وما يتناساه رئيس الحكومة، موقف المقدسيين والفلسطينيين، ايضا، داخل فلسطين، وهذه الكتلة البشرية التي لها القدرة على الرد بوسائل مختلفة، حتى لو تم توجيه الرسائل المبطنة سياسيا الى الاردن، فهي لا تلغي ما هو على الارض داخل القدس، ولا تعيد انتاج هذا الواقع، فإن تأثر الاردن، مثلا، وهذا مجرد افتراض بكل هذه الضغوطات، فكيف سيتمكن رئيس وزراء إسرائيل من شطب الخريطة البشرية داخل فلسطين.
تبقى التساؤلات حول الكيفية التي سيرد بها الأردن على إسرائيل، والى اين تتجه كل الأمور داخل القدس، وفي الحرم القدسي، والمسجد الأقصى، وإلى أين يتجه الخط البياني؟