مرايا – بقلم: سميح المعايطة
عبر عشرات السنين كانت إجابة قيادات التنظيمات المحلية الاخوانية عند سؤالهم عن التنظيم الدولي بانه إطار للتنسيق فقط، لكن الحقيقة ان التنظيم الدولي للاخوان المسلمين كان حقيقة مهمة في مسيرة الجماعة، وانه مؤسسة لها انظمتها وعلى رأسها المرشد العام للجماعة الذي يأتي لهذا الموقع بناء على شروط ومواصفات منها ان يكون من أبناء مصر اضافة لشروط اخرى.
وهذا التنظيم الدولي كان له ادوار مهمة في مراحل مفصلية في تاريخ الجماعة، وهو مرجعية للتنظيمات المحلية عندما ينشأ خلاف حول اي امر، واليه تتم الشكوى احيانا، فضلا عن التنسيق والتعاون.
وفي بعض المراحل كان بعض قياداته يراه شكليا لانه يريده قائدا للعالم، لكنه كان يتأثر كثيرا باوضاع الجماعة في مصر حيث تتعرض للسجن او الحل او الهجرة في فترات عبد الناصر وما بعده، لكن التنظيم الدولي او الجماعة الام هي التي زرعت التنظيم في دول العالم في الأربعينيات وماقبلها وبعدها.
وفي فترة ما يسمى الربيع العربي كانت قيادة الجماعة في اقوى حالاتها ليس لانها حكمت مصر فحسب بل لانها دخلت في تحالفات اقليمية وتفاهمات دولية وكانت ترسم مستقبل المنطقة عبر نشاط التنظيمات المحلية في بلدانها واندماجها في حركة الشارع سلميا وعسكريا حسب ظروف كل بلد، لكن احلام وربما مخططات التنظيم ومرجعياته من الدول كانت تأمل ان تحكم الجماعة دولا عديدة بعد مصر وتونس..
ولو تحقق الحلم الاقليمي للجماعة لكان مكتب الارشاد والتنظيم الدولي مرجعية اقليمية ودولية، تماما مثلما كان يحكم مصر في فترة حكم الاخوان لمصر لكن مركب الاخوان تعثر وانقلبت الامور الى عكسها، فخسرت الجماعة ارضها الاهم مصر وتبعثرت قيادته بين السجون وتركيا ولندن ودول اخرى، بل ان خلافات نشبت مؤخرا بين جماعة تركيا وجماعة لندن ووصلت الى الاعلام.
كما خسرت الجماعة ارض السودان بكل ما كانت تعني وخسرت تونس وتلاشى حلم اسقاط بشار الاسد وتغيرت مكانة اخوان الاردن، فضلا عما يجري مع دول الخليج وفي ليبيا، اضافة الى تأثير تغير العلاقات الإقليمية بين تركيا وقطر من جهة ومصر والخليج من جهة اخرى.
ومهما يكن دور التنظيم الدولي فانه جعل من اي تنظيم اخواني محلي تنظيما تابعا لتنظيم خارجي، ونزع عنه صفة التنظيم المحلي لانه فرع وامتداد في جزء من قراره لتنظيم خارجي.
اليوم لم يعد قادة التنظيم الدولي قادرين على ادارة شؤون التنظيم الام في مصر، فحتى امان الاقامة في بلدان المهجر لم يعد ممكنا في ظل تغير العلاقات الإقليمية، فالاخوان ورقة نفوذ في ايدي دول اقليمية وليسوا حلفاء، والورقة مهما كانت فان وزنها قابل للتغير بتغير المعادلات.
لم تعد فكرة التنظيم الدولي ومرجعية المرشد ومكتب الارشاد ممكنة اقليميا، ولكل تنظيم ظروف خاصة، والإخوان خسروا حتى القدرة على الظهور العلني في دول كانت ابوابها مفتوحة، لكنهم مثل كل تنظيمات الاعتقاد ليسوا معنيين بمراجعة تجربتهم حتى وهم يرون كل امراض العمل التنظيمي تصيبهم، ولم يعد ممكنا الا ان يذهب ما تبقى من الجماعة الى مراجعات عميقة تحولهم الى تنظيمات محلية مؤمنة بالدولة والدستور وتعمل بالعلن عمليا وليس نظريا، فالجهات التي تدير علاقات الاخوان مع الدول لا تسمع الكلام النظري بل تتابع المسار الحقيقي للجماعة، فالتنظيم المحلي ذو الوجه السياسي الواحد قد يكون بوابة انقاذ للاخوان في بعض الدول بعد مراجعة حقيقية قد تتطلب اعادة بناء وفق اسس جديدة..