مرايا – بقلم: محمد ابورمان
لم يتردّد وزير الخارجية الأردني الأسبق، مروان المعشّر، وهو سياسي وباحث معروف، بوصف الخطر الإسرائيلي الراهن على الأردن بالوجودي، ما دفع بعضهم إلى سؤاله عن تقييمه حجم الخطر إلى هذه الدرجة؟
توافق أغلب المشاركين في جلسة مغلقة عقدها معهد السياسة والمجتمع (في الأسبوع الماضي)، وناقشت مستقبل العلاقات الأردنية الإسرائيلية، مع جواب المعشّر الذي ربط السبب بأكثر من عامل، في مقدمتها أنّ حل الدولتين لم يعد قائماً، واستمرار اجترار المسؤولين الأردنيين أهمية هذا الحل مضيعة للوقت، ولا يفيد في شيء، طالما أنّ الطرف الإسرائيلي أو “الشريك” غير موجود، فهنالك يمين ويمين اليمين، ولا يوجد في إسرائيل اليوم من يصرّح بحل الدولتين، فإذا كان هذا الحل خارج الحسابات الإسرائيلية من جهة، وكانت إسرائيل تعيش مأزقاً خطيراً مع القنبلة الديمغرافية، فإنّ “الخيار الأردني” سيكون هو المفضل إسرائيلياً، وستعمل إسرائيل على تصدير هذه الأزمة إلى الأردن بطريقة أو أخرى.
وتتمثل المسألة الثانية، في شرح المعشّر، في انقلاب المعادلات الإقليمية، فإسرائيل نجحت خلال الأعوام الماضية في التعامل مع الفوضى والاضطرابات الشديدة على حدودها مع سورية ولبنان (حتى مع النفوذ الإيراني) ومع غزة (حركة حماس). وبالتالي، لم تعد تنظر إلى الأردن بوصفه صمّام أمان للأمن الإسرائيلي. وقد تكون الاستراتيجية الإسرائيلية قلبت رأساً على عقب، مع تحوّل مصدر التهديد إلى الداخل الإسرائيلي (القنبلة السكانية). ومع انهيار معسكر السلام هناك وعجز السلطة الفلسطينية، من الواضح أن الرؤية إلى الأردن أصبحت بوصفه الحل الوحيد للأزمة الإسرائيلية الداخلية.
من هنا، دعا المعشّر، ومعه مشاركون، إلى ضرورة مراجعة المقاربات الأردنية بصورة جذرية، سواء على صعيد اجترار حل الدولتين وتكراره، لطرح خيار “الدولة الواحدة” وتوريط إسرائيل بالاستحقاقات المدنية والإنسانية والسياسية، في مقابل طرح إسرائيل “الخيار الأردني”، وهو الأمر الذي يحرج إسرائيل أمام المجتمع الدولي، ويلقي الكرة الملتهبة في ملعبها.
لا تقف مراجعة المقاربات الأردنية، وفقاً لمشاركين، عند حدود الخطاب السياسي، بل لا بد من مراجعة أوراق الأردن فيما يتعلّق بالعلاقة مع “المعادلة الفلسطينية”، وعدم الاقتصار على ما أسموه “ترويكا رام الله” (الرئيس محمود عباس وعضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، حسين الشيخ، ومدير المخابرات الفلسطينية، ماجد فرج)، فهنالك ضرورة لبناء علاقة وطيدة بمختلف الأطياف الفلسطينية، وبتوسيع مساحة الاشتباك الأردني مع الداخل الفلسطيني، بما في ذلك القوى السياسية المختلفة.
يمتد مسار المراجعة المطلوبة ليصل إلى مناقشة العلاقات الأردنية – الإسرائيلية. ولا يعني ذلك، بالضرورة، حصر الأردن بين خياري إلغاء المعاهدة والعلاقات الوطيدة، بل تجميد التعاون الاقتصادي وتخفيف منسوب العلاقات إلى أدنى مستوى ممكن، وعدم السير في خطواتٍ متناقضة؛ مواجهة ديبلوماسية، وفي المقابل توقيع اتفاقيات اقتصادية تطاول الخدمات الرئيسية في الأردن، بما يجعل من هذه الأساسيات ورقة ضغطٍ إسرائيليةٍ خطيرة.
وبوصفي مستشار معهد السياسة والمجتمع، أكّدتُ على دور مراكز الدراسات والتفكير في العمل النقدي ومراجعة السياسات وفتح الخيارات وطرح البدائل وتخليق حوار سياسي بين النخب المختلفة، بخاصة ما يتعلق بملفات وسياسات مهمة وحيوية، لأنّها تؤثر على الأمن الوطني والمصالح الاستراتيجية الأردنية، وهو الأمر الذي لا يجوز أن يبقى خارج النقاشات الوطنية العامة. وهذا ما قادنا إلى أهمية الحديث عن الملف الداخلي، وارتباطه الوثيق بما يُطرح حالياً في سياق العلاقة أو الأزمة مع الكيان الإسرائيلي، فكلما كان هنالك حوار وتوافق وطني داخلي على المصالح الاستراتيجية والأمن الوطني، وكلما كان سقف الحرية مرتفعاً، مكّن ذلك الأردن من الوقوف بصورة صلبة أمام المشروع الإسرائيلي، والعكس صحيح.
من الواضح أنّ إسرائيل أرادت اللعب على حبل “الوضع الداخلي الأردني” في الضغط على صانع القرار ومحاولة ربط الموقف الأردني السياسي بالداخل، وكان هذا ملموساً في مقالات الرأي الإسرائيلية، وهي بمثابة رسائل تهديد إلى الأردن، بينما المعادلة الداخلية في الموضوع الإسرائيلي وفي الوقوف مع الفلسطينيين والمصالح المشتركة هي الأكثر صلابةً، فلماذا لا نستثمر المعادلة الداخلية بصورة معاكسة تماماً للدعاية الإسرائيلية؟