مرايا – كتب: د. محمود أبو فروة الرجبي
يعتقد البعض أن إصلاح الجهاز الإداري الحكومي صعب، ولا يمكن الوصول إليه، وهذا له عدة أسباب لها علاقة بطريقة التعيينات في جهاز الحكومة الأردنية خلال المائة عام الـماضية، وسيادة مفهوم الواسطة، ونظرة بعض الأردنيين إلى الوظيفة الحكومية على أنها فرصة عمل مضمونة، وحق مكتسب للحصول على الراتب بعيدًا عن الإنجاز والإبداع.
لا نريد أن نظلم الجهاز الحكومي كله، فهناك حالات كثيرة نشاهدها ترفع الرأس، ولدينا مجموعة من الـموظفين الذين يحاولون اجتراح الـمعجزات، خاصة عندما تجد هناك موظفًا يعرف واجباته، ويحاول القيام بها، في وسط قد يكون معطلاً في بعض الأحيان، أو تحت ظل مدير أو زملاء ينظرون إلى خدمة المواطن على أنها عمل مستهجن.
برأيي أن القطاع العام الأردني مثله مثل أي قطاع عام في أي دولة في العالم، إذا أحسن التعامل معه يمكن ان يصل إلى نتائج جيدة، والعكس صحيح، آفة الجهاز الحكومي هو أن الجميع قد يكونون سواسية من ناحية الإنجاز، بمعنى أن تعمل فهذا لا يؤدي حتماً إلى أن تكافأ، وأحيانًا تتحكم معايير معينة في الترفيعات وغيرها، وهذا المفهوم سائد عند الأردنيين وتحول إلى عقيدة، ولديهم شواهد عديدة تجعلهم يرسخون هذا الأمر، ولا نريد أن ندخل في جدال هل هذا صحيح أم لا، فما يهمنا في هذا المقام هو الحصول على العنب لا مقاتلة الناطور.
ومن جهة أخرى يشتكي غالبية الـمواطنين من سوء معاملة بعض موظفي دوائر حكومية لهم، بل هناك من يصف أن هناك» إبداعا في تعطيل معاملات الـمواطنين» وهذا يخالف كل مبادئ الدولة، وما يدعو له الـملك دائمًا من التسهيل على الـمواطنين، ولا يحقق مبدأ أن الحكومة في خدمة الشعب، وهذا له اضرار هائلة ومنها كبح النمو الاقتصادي والاجتماعي، وشعور المواطن بعدم الانتماء.
هناك تجارب عديدة لدول حاربت الواسطة وطورت القطاع العام، وبدأت في عقاب من يقوم بتعطيل معاملات الـمواطنين، ووضعت أسسا سليمة، وواضحة وشفافة للتعيين والترقية، وتسهيل اللجوء إلى القضاء، وجعله غير مكلف لمن يتعرض لظلم، أو تمييز، كما أن أسلوب «المتسوق الخفي» إذا ما أحسن استخدامه كفيل بتحسين الخدمة في كثير من مرافق الدولة، ومع مرور الوقت سيقتنع الناس أنهم سيحصلون على خدماتهم، وحاجياتهم دون اللجوء إلى الواسطة.
وإذا نظرنا إلى بعض تجارب الأردن نلاحظ تطورًا هائلًا في التعامل مع المواطن، وسرعة إنجاز المعاملات في بعض الدوائر، ومنها على سبيل الـمثال لا الحصر: دائرة الترخيص، والجوازات العامة، وغيرها من الدوائر، وهذا يدل على أننا إذا عملنا بطريقة صحيحة يمكن أن نصل إلى نتائج مذهلة.
إصلاح القطاع العام الأردني والإدارة العامة ليست صعبة، ولكنها تحتاج إلى إرادة، واستمرارية، وصبر، وإجراءات واضحة، وشفافة، وعقاب لمن يعطل معاملات الـمواطنين، ومع مرور الوقت سيصبح كل شيء تحت السيطرة.