مرايا – ابراهيم السواعير
من السياسيين والوزراء من يرتبط بالناس ارتباطًا وثيقًا؛ حتى إذا ألمّ به أمر أو دهاه خطب، وجدتهم جميعاً حواليه، يذكرونه ويواسونه ويقفون إلى جانبه، فكيف به حين يودّعهم بعد طول وفاء وصدق ودماثة خلق، خصوصاً إذا كان يتخللهم في كل شؤونهم ومشاكلهم وهمومهم؟!.. مروان عبدالحليم النمر الحمود العربيّات، كان نموذجاً ناصعاً في ذلك، فلم يكن نعيه والترحّم عليه فقط من زملائه النواب والأعيان والوزراء في الجانب الرسمي والإنساني، بل لقد كان هذا الأيقونة رحمة الله عليه يملأ نفوس الشباب وتعزياتهم الحارّة ومعرفتهم بقيمة الكبار وا?رموز في وطنهم الغالي.
ولو فتّشت في يده وهو يرحل عن دنيانا هذه، لوجدتَ فيها ربما بعضاً من مطالب الناس واستدعاءاتهم وشروحاً عن أحوالهم أو دعوتهم الشيخ للحلّ والعقد في أمور مصيرية، بل لو كشفنا عن قلبه رحمه الله لوجدناه ما يزال نابضاً يحترق ألماً لمشكلة ما أو موضوع يسرّع في طريقه إلى الحلّ، أو لطرفين يريد لهما أن يتصالحا بعد خصام، وهكذا كان مروان الحمود؛ رحل وهو يحمل معه ذكراه العزيزة: شيخاً هادئاً متزناً احتفظ بأكبر رصيد يشفع له بين يدي رحمة ربّه: حبّ الناس وقضاء حوائجهم والإخلاص للعمل العام.
هذه الخصال، تنم عن قامة كبيرة فقدها الوطن وكرّست كلّ حياتها لخدمة وطنها وقيادته الهاشمية ومناقبها الحميدة التي لا تعدّ ولا تحصى، خصوصاً وأنّ المرحوم وفي كلّ مواقع العمل العام، لم يبخل بأيّ جهد من أجل رفعة الوطن وتقدّمه وازدهاره، وكان ابن الوطن من شماله لجنوبه ومن شرقه لغربه، وكان قريباً من كلّ أردني وعنواناً لنصرة الضعيف ومساعدة المحتاج، وبفقدانه يكون الأردن فقد أحد رجالاته المشهود لهم بالانتماء الوطني والحضور الاجتماعيّ الكبير.
ولمواصلة هذا الدفق الحزين في وداعه، لا بدّ من استعادة مشوار مروان الحمود، الشاهد على فترات مهمة تبوأ مناصب لافتة فيها: وزيراً للزراعة عام 1973، ووزير داخلية للشؤون البلدية والقروية 1973، ووزيراً للشؤون البلدية والقروية 1976، ووزيراً للزراعة 1986، ووزيراً للشؤون البلدية والقروية والبيئة 1986، 1989، ونائباً لرئيس الوزراء 1999 حتى عام 2000، إضافةً إلى خبراته الغنية: رئيساً لبلدية السلط 1968 حتى عام 1970، وأميناً عامّاً لمنتدى برلمانيي إفريقيا والدول العربية للسكان والتنمية ورئيساً لمجلس إدارة مؤسسة إعمار السل? منذ عام 2000، وعضواً لمجلس أمناء جامعة عمان الأهليّة، وعضواً في المجلس الوطني الاستشاري 1978، وعضواً في مجلس النواب 1984-1993، وعضواً في مجلس الأعيان من المجلس السابع عشر إلى المجلس السابع والعشرين.
الحكماء والرموز الوطنيّة من رجالات الدولة وخبرائها والمتعاملين مع ناسها، نهلوا من آبائهم أنّ الصدق مع قواعدهم الشعبيّة وناسهم ومجتمعاتهم هو أصدق طريقة لدخول قلوبهم وغرس حبّهم لأوطانهم وقيادتهم، ومروان الحمود، الحاصل على وسام النهضة من الدرجة الأولى، أحد هؤلاء: فهو ابن عبدالحليم النمر الحمود العربيات، وُلد في السّلط عام 1942 ودرس في مدرستها، ودرس أيضاً في فلسطين، وحصل على دبلوم الزراعة من مدينة طولكرم الفلسطينية، تقول سيرته إنّه كان وزيراً في حكومات زيد الرفاعي ومضر بدران، ونائباً لرئيس الوزراء في حكومة عبد?لرؤوف الروابدة، ونائباً لرئيس مجلس الأعيان، وفي كلّ ذلك كان يتوافر على معرفة وبروتوكول في الحكم والسياسة وفي الجانب الإنسانيّ الذي نشأ وتربّى عليه ويحصد ثماره اليوم.