مرايا –
تبدو الخيارات المتاحة أمام الأكراد الذين تصدوا بشراسة خلال سنوات النزاع السوري لتنظيم “داعش” صعبة، في ظل وجود مصالح مشتركة بين دمشق وتركيا وروسيا لإنهاء نفوذهم وإضعاف داعمتهم؛ واشنطن، التي اكتفت، خلال الأسابيع الماضية، بالتحذير من مغبة التصعيد.
ويقول الباحث الفرنسي المتخصص في الشأن السوري، فابريس بالانش، في معرض تعليقه على اللقاء الذي جرى بين وزيري الدفاع؛ التركي والسوري، برعاية موسكو، “إن الهدف المباشر للدول الثلاث هو القضاء على قوات سورية الديمقراطية”.
وتريد أنقرة، وفق بالانش “القضاء على التهديد الكردي” قرب حدودها، بينما تسعى روسيا إلى “تصفية حليف للولايات المتحدة في سورية، أي “قوات سورية الديمقراطية”، وبالتالي تقوية حليفها الرئيس بشار الأسد”.
أما دمشق، فتريد، من جهتها “استعادة الأراضي التي لا تسيطر عليها، وخصوصا ثروتها النفطية”، من الأكراد في شمال شرق البلاد، الذين تأخذ عليهم علاقتهم مع واشنطن، وتنتظر من تركيا “القضاء على الجهاديين في إدلب”، في إشارة إلى مجموعة “هيئة تحرير الشام”، (جبهة النصرة سابقًا)، التي تسيطر مع فصائل أخرى على نحو نصف مساحة محافظة إدلب (شمال غرب) ومحيطها.
وفي حال رفض الأكراد تلبية مطلب أنقرة المتجدد بالانسحاب لمسافة ثلاثين كيلومترا عن الحدود، فإن اللقاء الثلاثي سيشكل محركًا “لغزو تركي” مقبل.
ويوضح بالانش “أن الهجوم التركي ليس سوى مسألة وقت فحسب. فأردوغان يحتاج إلى تحقيق انتصار ضد الأكراد في سورية في إطار حملته الانتخابية”.
على إثر قطيعة استمرت منذ اندلاع النزاع في سورية في العام 2011، جمعت موسكو الشهر الماضي بين وزيري الدفاع التركي والسوري، في خطوة سبقتها مؤشرات على تقارب مقبِل بين البلدين الخصمين، من شأنه، وفق محللين، أن يضع القوات الكردية أمام خيارات أحلاها مر.
في خضم التطورات الأخيرة، يُطرح سؤال ملح يتعلق بأبرز المعلومات المتوفرة عن اللقاء بين الوزيرين وبتداعياته المتوقعة على “الإدارة الذاتية الكردية” المدعومة أميركيًا، والتي تلوّح أنقرة منذ فترة بشن هجوم بري ضد مناطق سيطرتها في الشمال السوري.
قبل اندلاع النزاع في سورية في العام 2011، كانت تركيا حليفًا اقتصاديًا وسياسيًا أساسيًا لسورية. وكان تجمع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان علاقة صداقة بالرئيس السوري بشار الأسد، إلا أن علاقتهما انقلبت رأسًا على عقب مع بدء الاحتجاجات السلمية ضد النظام وقيام دمشق بفض التظاهرات بالقوة.
وبعد أن أغلقت تركيا سفارتها في دمشق في آذار (مارس) 2012، كرر أردوغان وصف الأسد بـ”المجرم”، بينما وصف الأخير نظيره التركي بأنه “لص” وداعم لـ”الإرهابيين”.
وخلال كل هذه الفترة، قدمت تركيا دعمًا للمعارضة السياسية في سورية، واستضافت أبرز مكوناتها في إسطنبول، قبل أن تبدأ في دعم الفصائل المعارضة المسلحة، وتؤوي قرابة أربعة ملايين لاجئ سوري على أراضيها.
وعلى الرغم من أن تركيا شنت منذ العام 2016 ثلاث هجمات ضد المقاتلين الأكراد، مكنتها من السيطرة على أراض سورية حدودية واسعة، إلا أنها لم تدخل في مواجهة مباشرة مع دمشق سوى بشكل محدود في العام 2020، التي سرعان ما انتهت بوساطة روسية.
والآن، بعد أعوام القطيعة، برزت مؤشرات تقارب تدريجي على هامش قمة إقليمية عقدت في العام 2021، أجرى خلالها وزيرا خارجية البلدين محادثة مقتضبة غير رسمية.
وفي آب (أغسطس)، دعا وزير الخارجية التركي، مولود جاويش أوغلو، إلى مصالحة بين النظام والمعارضة في سورية. واعترفت أنقرة ودمشق بوجود تواصل على مستوى أجهزة الاستخبارات.
وبالتزامن مع تهديده بشن هجوم بري ضد الأكراد في شمال سورية، قال أردوغان في تشرين الثاني (نوفمبر) إن احتمال لقائه الأسد “ممكن”.
وجدد الشهر الماضي الإشارة إلى إمكان حصول اللقاء بعد اجتماعات على مستوى وزيري الدفاع والخارجية.
تلعب روسيا، وفق محللين، دورا أساسيا لتحقيق التقارب بين حليفيها اللذين يجمعهما “خصم” مشترك يتمثل بالمقاتلين الأكراد.
وأعلنت موسكو أن المحادثات بين وزراء الدفاع؛ الروسي سيرغي شويغو والتركي خلوصي أكار والسوري علي محمود عباس، تطرقت إلى “سبل حل الأزمة السورية وقضية اللاجئين”، وكذلك “الجهود المشتركة لمكافحة الجماعات المتطرفة”، من دون تسمية هذه الجماعات.
وأشادت الدول الثلاث بالروح “الإيجابية” خلال اللقاء. وشددت موسكو ودمشق على ضرورة “مواصلة الحوار” لإرساء الاستقرار في سورية.
يقول مدير “مركز دمشق للدراسات الإستراتيجية” الدكتور بسام أبو عبدالله، “إن الاجتماع رفع مستوى اللقاءات بين البلدين من المستوى الأمني إلى المستوى الوزاري”، مشددًا على ضرورة “محاولة الأطراف العاقلة في دمشق وأنقرة تهيئة الرأي العام لمزيد من اللقاءات على مستويات أعلى” في المرحلة المقبلة.
وأشار إلى ارتباط الاجتماع بـ”تطورات تتعلق بالعملية العسكرية التركية التي كانت مقررة في الشمال السوري، التي عملت موسكو على وقفها”، معتبرا “أن انتقال الاجتماعات إلى وزراء الدفاع يعني أن هناك عملًا ميدانيًا عسكريًا لا بد من تنسيقه بشكل دقيق بين الأطراف الثلاثة”.
وجاء اجتماع وزراء الدفاع بعد أسابيع من توجيه تركيا في 20 تشرين الثاني (نوفمبر) سلسلة ضربات جوية ومدفعية، استهدفت بشكل رئيسي القوات الكردية، وتلويح أردوغان بشن هجوم بري لإبعادها عن حدوده.
وتصنف أنقرة “وحدات حماية الشعب الكردية”، العمود الفقري لـ”قوات سورية الديمقراطية”، منظمة “إرهابية” وتعتبرها امتدادًا لـ”حزب العمال الكردستاني” الذي يخوض تمردًا ضدها منذ عقود.
وكانت قد فشلت جولات من المحادثات المتقطعة التي قادتها الحكومة السورية مع “الإدارة الذاتية الكردية” التي تسيطر على مناطق واسعة في شمال وشرق سورية تضم أبرز حقول النفط ومساحات زراعية واسعة، تريد دمشق استعادتها عاجلاً أم آجلا.
يقول الباحث في معهد “نيولاينز”، نِك هيراس: “يتعرض أردوغان لضغوط سياسية لشن عملية عسكرية في سورية وإعادة أكبر عدد ممكن من اللاجئين السوريين من تركيا إلى بلدهم” قبل موعد الانتخابات التركية المقرر إجراؤها في حزيران (يونيو)، مضيفًا “إذا منح الأسد أردوغان الضوء الأخضر لشن عمليات جوية ضد الأكراد، فإن حربًا سوف تتبعها قريبًا”.
وكان أكار قد أفاد، مؤخرًا، بوجود تواصل مع موسكو لـ”فتح المجال الجوي” السوري أمام المقاتلات التركية.