مرايا –
ديفيد ماكوفسكي* – (معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى) 2023/1/6
القضايا الفلسطينية
في 29 كانون الأول (ديسمبر)، بدأ رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ولايته السادسة بحصوله على أغلبية 64 مقعداً في الكنيست المؤلف من 120 عضواً. إلا أن إدارة الحكومة الائتلافية الجديدة قد تشكل التحدي الأكبر الذي يواجهه منذ توليه رئاسة الوزراء للمرة الأولى في العام 1996. وفي حين يصر نتنياهو على أنه مسيطر تماماً على الوضع، إلا أن حزب “الصهيونية الدينية” اليميني المتطرف، بزعامة بتسلئيل سموتريتش وإيتمار بن غفير، يمارس سلطة لم يسبق لها مثيل. فعلى الرغم من حصول الحزب على 14 مقعداً فقط مقارنة بـ32 مقعداً لحزب “الليكود” الذي يتزعمه نتنياهو، انتزع حزب “الصهيونية الدينية” تنازلات كبيرة في المفاوضات لتشكيل الائتلاف. وعززت مشاكل نتنياهو القانونية نفوذ هذا الحزب، حيث من المرجح أن يكون قادراً على إنقاذ رئيس الوزراء من محاكمته الجارية بشأن الفساد.
والسؤال الرئيسي الآن هو ما إذا كان رئيس الوزراء قادراً على إدارة التحولات السياسية التي ينشدها حزب “الصهيونية الدينية” بشأن الملف الفلسطيني وتحقيق أهدافه الخاصة في الوقت نفسه؛ أي كسب دعم الولايات المتحدة لموقف أكثر مواجهة تجاه إيران وتخفيف التوترات بين واشنطن والمملكة العربية السعودية، الأمر الذي يمكن بدوره أن يسهل حدوث تقدم إسرائيلي مأمول مع المملكة. ويلمح المسؤولون الأميركيون إلى وجود مبادلات في هذه المجالات، وفي هذه الحالة، ستتاح للحكومتين فرص لمناقشتها على الفور. ومن المقرر أن يزور مستشار الأمن القومي الأميركي، جيك سوليفان، إسرائيل، في غضون الأسبوعين المقبلين، ويشير المسؤولون الأميركيون إلى أن الهدف من هذه الرحلة هو تجنب سوء التفاهم بشأن القضايا الرئيسية. وهناك أيضاً مؤشرات على أن نتنياهو سيرسل وزير الشؤون الاستراتيجية المقرب منه، رون ديرمر، الذي تولى منصبه حديثاً لتمهيد الطريق أمام زيارة رئيس الوزراء إلى البيت الأبيض. لذلك يجب إعداد كلتا الرحلتين بعناية.
سيتناول الجزء الأول من هذه القراءة الطرق التي قد تصبح بها السياسات الإسرائيلية تجاه الفلسطينيين نقاط توتر مع إدارة بايدن. وسيتطرق الجزء الثاني أدناه إلى نقاط الاحتكاك الإضافية المتعلقة بالسياسة الخارجية الأوسع نطاقاً، والمسائل القانونية المحلية، وقضايا أخرى.
الحرم الشريف/ جبل الهيكل
في واحدة من أولى خطوات بن غفير بعد تعيينه وزيراً للأمن القومي، زار الوزير الحرم الشريف/ جبل الهيكل شديد الحساسية في القدس، والمقدس للمسلمين واليهود على حد سواء، مما أعاد إشعال قضية لطالما أزعجت الولايات المتحدة. فبالعودة إلى تشرين الأول (أكتوبر) 2015، تعهد نتنياهو علناً لواشنطن، والأردن الذي هو الوصي الرسمي على الموقع، بأنه سيحافظ على الوضع الراهن هناك، معلناً أن “إسرائيل ستستمر في تطبيق سياستها القائمة منذ فترة طويلة: المسلمون يصلون في المسجد الأقصى وغير المسلمين يزورون المسجد الأقصى”. ومن الناحية النظرية، لم تغير زيارة بن غفير القصيرة هذا الالتزام، وربما كانت مجرد خطوة رمزية نابعة من تعهداته الانتخابية. إلا أن الكثيرين يشكون بأنها قد تنبئ بسياسة تصعيدية في هذا الموقع المقدس، لا سيما بالنظر إلى مسؤوليته الجديدة على قوات الشرطة الإسرائيلية.
بغض النظر عن النوايا الكامنة وراء خطوة بن غفير، فقد نددت الحكومات العربية بها على الفور؛ حيث أيدت الإمارات العربية المتحدة الدعوات الأردنية والفلسطينية إلى إجراء نقاش طارئ في مجلس الأمن الدولي بشأن خطوة الوزير. وكانت إدانة الأردن متوقعة بالنظر إلى دوره كوصي على الحرم الشريف. ولطالما أشارت عمّان إلى أنها تربط الاستقرار داخل المملكة بالهدوء في الحرم القدسي. ومع ذلك، فإن الإدانة الإماراتية مهمة أيضاً نظراً لروابط الدولة المتعمقة مع إسرائيل. وفي أعقاب ذلك، أرجأت أبو ظبي زيارة نتنياهو المقررة إلى الإمارات. واعتبر المسؤولون علناً أن القضايا اللوجستية هي المسؤولة عن التأخير، إلا أن المراقبين تكهنوا بأن القرار قد اتخذ على خلفية خطوة بن غفير.
قضايا الضفة الغربية
يريد حزب “الصهيونية الدينية” أن يضم نتنياهو الضفة الغربية بأكملها إلى إسرائيل، ويستخدم اتفاق ائتلاف الحزب مع “الليكود” لغة مشحونة (وإن كانت غامضة) في هذا الموضوع (على سبيل المثال: “للشعب اليهودي حق حصري وغير قابل للتصرف في جميع أنحاء أرض إسرائيل”). ويدرك نتنياهو، من جهته، أن الضم أحادي الجانب غير مقبول لإدارة بايدن والمجتمع الدولي. ويشمل ذلك شركاء إسرائيل العرب في “اتفاقيات إبراهيم”، ويقول المسؤولون الإماراتيون إنهم وقعوا اتفاقية التطبيع في العام 2020 على أساس أنها ستؤخر الضم لمدة أربع سنوات على الأقل.
* إضفاء الشرعية على البؤر الاستيطانية. يلتزم الاتفاق الائتلافي بإضفاء الشرعية على ما يقدر بـ70 بؤرة استيطانية خارج الجدار الأمني للضفة الغربية، أي المجتمعات المحظورة بموجب القانون الإسرائيلي التي يطلق علها اليمين بطريقة ملطفة “المستوطنات الشابة”. ولا يشمل هذا العدد 78 مستوطنة تقع خارج الجدار كانت قد أذنت بها الحكومة سابقاً ويقطنها حوالي 110.000 إسرائيلي. (للحصول على خرائط تفاعلية شاملة ومعلومات ديموغرافية عن الضفة الغربية، راجع مشروع “المستوطنات والحلول” التابع لمعهد واشنطن).
وتقع الكثير من البؤر الاستيطانية في عمق مناطق فلسطينية كبيرة مأهولة بالسكان، وبالتالي، سيؤدي إضفاء الشرعية عليها فعلياً إلى إبطال أي خطة لإنشاء دولة فلسطينية متصلة الحدود أو فصل الإسرائيليين والفلسطينيين عن بعضهم بعضا. وفي هذا الصدد، أشار الرئيس بايدن إلى هذا الخطر عند ترحيبه بتشكيل حكومة نتنياهو الجديدة، مشيراً إلى أن “الولايات المتحدة ستواصل دعم حل الدولتين ومعارضة السياسات التي تهدد قابلية تطبيقه أو تتعارض مع المصالح والقيم المشتركة”. وفي ضوء هذه التحذيرات، قد يتخلى نتنياهو عن إضفاء الشرعية الكاملة ويسعى بدلاً من ذلك إلى ربط البؤر الاستيطانية بشبكة الكهرباء الإسرائيلية.
وتحرص إدارة بايدن أيضاً على مناقشة معايير الحكومة الجديدة لتوسيع المستوطنات القانونية. وتشير الملاحظات التي أدلى بها المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية، نيد برايس، في 4 كانون الثاني (يناير)، إلى أن واشنطن ستركز على المستوطنات البعيدة المتاخمة للمناطق الفلسطينية المكتظة بالسكان أكثر من تركيزها على المستوطنات “الكتلية” القريبة من الخط الأخضر قبل العام 1967؛ حيث قال: “إن دعوتنا إلى الامتناع عن الخطوات أحادية الجانب تشمل بالتأكيد أي قرار بإنشاء مستوطنة جديدة، أو إضفاء الشرعية على البؤر الاستيطانية، أو السماح بأي نوع من البناء في عمق الضفة الغربية المتاخم للمجتمعات الفلسطينية أو على الأراضي الفلسطينية الخاصة”.
* مستوطنة حومش. يريد حزب “الصهيونية الدينية” إعادة بناء مستوطنة حومش الواقعة شمال الضفة الغربية، وهي أحد أربعة مجتمعات تم تقويضها بموجب اتفاق فك الارتباط الإسرائيلي من غزة للعام 2005. وساعدت عمليات التقويض إسرائيل على تأمين التزام إيجابي من إدارة جورج بوش الابن فيما يتعلق بقضايا اللاجئين الفلسطينيين، لذلك من المحتمل أن يواجه نتنياهو مخاطر جدية إذا تراجع اليوم عن ذلك الاتفاق.
* البناء الفلسطيني في “المنطقة (ج)”. بموجب التصنيفات الإقليمية للضفة الغربية التي جاءت في “اتفاقية أوسلو الثانية” للعام 1995، تسيطر “السلطة الفلسطينية” بصورة كاملة على “المنطقة (أ)” وتتمتع بسلطة مدنية في “المنطقة (ب)”، وتشكل المنطقتان معاً ما يقرب من 40 في المائة من أراضي الضفة الغربية التي هي موطن لحوالي 90 في المائة من السكان الفلسطينيين. وسيتم تحديد وضع باقي الأراضي، أي “المنطقة (ج)”، عن طريق المفاوضات.
ويسعى سموتريتش إلى التأثير على هذه التحديدات عاجلاً وليس آجلاً. وتحقيقاً لهذه الغاية، أصر على منحه منصباً رفيعاً ضمن وزارة الدفاع إضافة إلى توليه منصب وزير المالية الجديد. وقبل دخوله معترك السياسة رسمياً، أسس مجموعة النشطاء “ريغافيم”، التي تصر على وجود 78.000 مبنى فلسطيني غير مرخص بها في “المنطقة (ج)” (نادراً ما يمنح المسؤولون الإسرائيليون تصاريح قانونية للفلسطينيين، مما يجعل معظم أعمال البناء في “المنطقة (ج)” غير قانونية بشكل افتراضي). ويعارض مسؤولو الأمن الإسرائيليون ادعاء “ريغافيم”، مشيرين إلى أن ما يقرب من 73.000 من هذه المباني تشكل امتداداً للمدن والبلدات في “المنطقة (ب)”، وليس مجتمعات منفصلة. وفي السابق، لم تعتبر الحكومة مثل هذا النمو الحضري تهديداً استراتيجياً، وركزت بدلاً من ذلك على المباني المقدر عددها بـ5.000 مبنى الواقعة على طول الطرق السريعة الرئيسية، والمتاخمة للمستوطنات الإسرائيلية، أو القريبة من ميادين الرماية العسكرية. وسيضغط سموتريش باتجاه اعتماد تعريف أكثر شمولاً للمباني المرفوضة، إضافة إلى تنفيذ المزيد من عمليات الهدم.
ويمنحه الاتفاق الائتلافي أيضاً سلطات كبيرة على هيئتي “الجيش الإسرائيلي” من خلال تمتعه بسلطة على الشؤون المدنية في “المنطقة (ج)”، وهاتين الهيئتين: “وحدة تنسيق أعمال الحكومة في المناطق” (COGAT) و”الإدارة المدنية”. ولطالما شكلت “وحدة تنسيق أعمال الحكومة في المناطق” الواجهة العالمية لإسرائيل فيما يتعلق بالشؤون المدنية الفلسطينية، التي تشمل التبرعات الدولية لـ”السلطة الفلسطينية”. وتعزز سيطرة “الجيش الإسرائيلي” على الشؤون المدنية مقولة إسرائيل بأن احتلالها للضفة الغربية يبقى مؤقتاً وعسكرياً، وهو تمييز حاسم في إطار مجابهتها لدعاوى الضم والفصل العنصري في “محكمة العدل الدولية” و”المحكمة الجنائية الدولية”.
*عنف المستوطنين وسيطرة الشرطة. أعرب المسؤولون الأميركيون، مراراً وتكراراً، عن قلقهم إزاء الارتفاع الحاد في عنف المستوطنين ضد الفلسطينيين خلال العام الماضي، وهو مصدر قلق يبرز بفعل التأثير المتزايد للمستوطنين في الحكومة الجديدة. ولطالما أصر “الجيش الإسرائيلي” على أن وقف مثل مثل هذه الهجمات، التي ترتكبها أقلية صغيرة من المستوطنين، يقع تحت مسؤولية الشرطة الإسرائيلية.
بموجب الاتفاق الائتلافي، سيُمنح بن غفير سلطة على “شرطة الحدود”. وفي الضفة الغربية، تخضع هذه القوة حالياً لقيادة “الجيش الإسرائيلي” وتضطلع بالكثير من المهام الحيوية هناك، بما فيها عمليات مكافحة الإرهاب، والدوريات المشتركة إلى جانب وحدات “الجيش الإسرائيلي”، وهدم البؤر الاستيطانية. ومؤخراً، شدد اللواء يهودا فوكس، قائد “الجيش الإسرائيلي” في الضفة الغربية، قواعد الاشتباك المحلية لجميع القوات الإسرائيلية في محاولة لتقليل عدد الضحايا الفلسطينيين وتخفيف التوترات. لكنّ بن غفير أوضح أنه يريد تخفيف قواعد الاشتباك التي تتمتع بها “شرطة الحدود” للسماح لها بفتح النيران في وقت مبكر من بدء المواجهات.
ورداً على ذلك، نوه مسؤولو “الجيش الإسرائيلي” إلى أنه لا يمكن السماح لـ”شرطة الحدود” بالعمل بشكل مستقل في الضفة الغربية بقواعد اشتباك منفصلة، مشيرين إلى الضرورة الملحة للحفاظ على وحدة القيادة. وأشار “الجيش الإسرائيلي”، وفقاً لبعض التقارير، إلى أنه سينشر جنود الاحتياط إلى جانب القوات النظامية بدلاً من “شرطة الحدود” إذا حصل هذا الخلاف المحتمل في الواقع. ولكن ذلك من شأنه أن يرغم الجيش على استدعاء كتائب احتياطية إضافية من أجل التعويض عن الخسارة في صفوف أفراد الشرطة والحفاظ على القدرة العملياتية.
سابقاً، حصل رئيس أركان “الجيش الإسرائيلي”، الليفتنانت جنرال أفيف كوخافي، على التزام من نتنياهو بعدم إجراء تغييرات قد تؤثر على الجيش من دون استشارة مسبقة. وأوضح الجنرال أيضاً أن “الجيش الإسرائيلي” يقدم تقاريره إلى وزير الدفاع فقط، وفقاً للقانون.
ومن شأن الكثير من التحولات في السياسات المبينة في اتفاق الائتلاف الإسرائيلي أن تغير الوضع الفلسطيني الراهن بشكل كبير إذا تم تنفيذها. ومن هذا المنطلق، لدى إدارة بايدن العديد من الأسئلة لنتنياهو وستسعى على الأرجح إلى الحصول على إجابات دقيقة منه مباشرةً، لتجنب التوتر الثنائي ومنع التصعيد على الأرض على حد سواء. وتقوم مقاربة بايدن في أي نزاع مع إسرائيل على حله وراء الأبواب المغلقة كلما أمكن ذلك، وهو تفضيل تشاركه إياه إسرائيل ويستند إلى العديد من المصالح والقيم المشتركة للبلدين. ومع ذلك، من غير الواضح ما إذا كان نتنياهو سيوافق على نقاط تفاهم مفصلة مع واشنطن بالنظر إلى التداعيات السياسية التي قد تنجم عن إحباط طموحات شركائه في الائتلاف، لا سيما مع استعداد المعارضة للانقضاض على أي علامة خلاف في حكومته. وبالتالي، قد يستمر خطر التصادم العلني مع البيت الأبيض.
* * *
إيران والسعودية وأوكرانيا والقضايا المحلية
في 29 كانون الأول (ديسمبر)، ألقى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو خطاباً في الكنيست أطلق فيه حكومته الجديدة وحدد أولوياته الرئيسية الأربع: “أولاً وقبل كل شيء، التصدي لإيران… ثانياً، إعادة بسط الأمن والحكم داخل دولة إسرائيل… ثالثاً، التعامل مع ارتفاع تكلفة المعيشة ومشكلة الإسكان… ورابعاً، توسيع دائرة السلام بشكل كبير”. واعتُبر البند الأخير إشارة إلى تطبيع العلاقات مع دول عربية أخرى، وخاصة السعودية. وسيتطلب تحقيق هذا الهدف والإشارة الضمنية إلى مواجهة الأنشطة الإيرانية الإقليمية والنووية المعادية مساعدة نشطة من إدارة بايدن.
وفي المقابل، ألمح المسؤولون الأميركيون إلى رغبتهم في الحصول على التزامات من إسرائيل بشأن مسائل رئيسية أخرى، من بينها القضايا الفلسطينية التي تم تناولها في الجزء الأول من هذا المرصد السياسي أعلاه. ففي رأيهم، تتعارض بعض المطالب التي يطرحها شركاء نتنياهو في الائتلاف، الذين ينتمون إلى اليمين المتطرف، مع أهدافه الاستراتيجية في المنطقة.
مواجهة إيران
حدد التهديد الإيراني، الذي وصفه نتنياهو بـ”الوجودي” في خطابه في الكنيست، جزءاً كبيراً من حياته السياسية منذ رئاسته الأولى للوزراء في منتصف تسعينيات القرن الماضي. ومن الناحية النظرية، يجب ألا تثير هذه القضية حالياً خلافاً كبيراً مع البيت الأبيض مقارنةً بفترة ولاية نتنياهو السابقة، التي انتهت في حزيران (يونيو) 2021. فبعد أشهر من المفاوضات النووية غير المثمرة مع إيران، والاحتجاجات المحلية الإيرانية ضد انتهاكات النظام لحقوق الإنسان، والدعم العسكري الإيراني لحرب روسيا ضد أوكرانيا، أشارت الحكومة الأميركية إلى تعليق المفاوضات لجهود إحياء “خطة العمل الشاملة المشتركة” للعام 2015 بصورة مؤقتة، وهي الخطة التي عارضها نتنياهو بشدة.
ومع ذلك، تدرك إسرائيل تماماً أن التهديد النووي بحد ذاته لا يمكن تركه جانباً -حيث أفادت بعض التقارير بأن مخزون إيران من اليورانيوم المخصب قد تزايد لدرجة أنه أصبح بإمكان النظام إنتاج مواد صالحة للاستخدام في الأسلحة النووية لتصنيع أربع أو خمس قنابل في أقل من شهرين. وفي مقابلة مع قناة “العربية” في 15 كانون الأول (ديسمبر)، أعلن نتنياهو: “أنا ملتزم بفعل كل ما بوسعي فعله لمنع إيران من امتلاك ترسانة نووية. وبطبيعة الحال لن أحدد ذلك كبند هنا، ولكنه التزام مؤكد قمتُ به تجاه نفسي وشعب إسرائيل… أريد أن نحمي أنفسنا من عدوان إيران ومن نظام يدعو علانية إلى القضاء على بلادي”. ثم أشار إلى أنه سيتخذ الإجراءات اللازمة مع واشنطن “سواء تم التوصل إلى اتفاق أم لا”.
تنتاب إسرائيل مخاوف متعددة ومحددة بشأن ما قد يحدث في الأشهر والسنوات القليلة المقبلة. وعلى سبيل المثال، سيتم رفع بعض أهم قيود الاتفاق النووي قريباً: سينتهي الحظر المفروض على تطوير صواريخ باليستية ذات قدرة نووية في تشرين الأول (أكتوبر) 2023، وتنتهي صلاحية خيار إعادة فرض عقوبات الأمم المتحدة في تشرين الأول (أكتوبر) 2025. ويبدو أن إسرائيل عازمة على تطوير خيارها العسكري قبل الموعد المذكور.
اعتبر رئيس الوزراء السابق، نفتالي بينيت، أن نتنياهو فشل في إعداد الجيش لمواجهة تقليدية مع إيران، واعتمد بدلاً من ذلك على حملات التخريب والاغتيال السرية. ومع ذلك، من غير الواضح ما إذا كان بإمكان إسرائيل بناء قدرة هجومية موثوق بها بمفردها. وذكر المسؤولون إمكانية استخدام ناقلات تزويد الوقود من طراز “كيه سي-46” من الولايات المتحدة لتنفيذ سلسلة متعددة من الضربات اللازمة لاختراق المنشآت النووية الإيرانية المحصنة، بما فيها مجمع “فوردو” الجبلي. ولكن، كما هو مقرر، لن تبدأ هذه الناقلات بالوصول قبل تشرين الأول (أكتوبر) 2025، وقد رفض البنتاغون طلبات تسليمها إلى إسرائيل في وقت أبكر من الموعد المحدد. ويعتقد البعض أن هناك حاجة إلى المزيد من الطائرات الهجومية أيضاً، لكن تسليم المزيد من الطائرات المقاتلة الأميركية قد يكون معقداً بسبب مشكلة فنية؛ إذ يقول المسؤولون الإسرائيليون إن البنتاغون لم يوافق على طلبهم باستخدام تكنولوجيا الأسلحة الإسرائيلية في الطائرة المتطورة “إف-35”.
وفي غضون ذلك، تضمن تمرين مشترك أجري في تشرين الثاني (نوفمبر) تزويد طائرة إسرائيلية بالوقود بواسطة ناقلة نفط أميركية من طراز “كيه سي-135″، في رسالة واضحة لإيران. ويتوقع إجراء المزيد من هذه التمارين هذا العام.
وحيث لم تعد “خطة العمل الشاملة المشتركة” خياراً مطروحاً في الوقت الحالي، هناك مؤشرات على استعداد واشنطن لإعادة تحديد نهجها تجاه البرنامج النووي كسياسة طموحة “أطول وأقوى” تتضمن وضع قيود أطول أمداً على التخصيب. ولطالما أيدت إسرائيل هذه المقاربة، لكن طهران رفضتها رفضاً قاطعاً، وتبدو آفاق السعي فعلياً وراء مثل هذه الصفقة قاتمة مع فشل الطرفين حتى في إعادة إحياء “خطة العمل الشاملة المشتركة”. وعلى أي حال، سوف يحتاج بايدن ونتنياهو إلى العمل معاً لإعداد استراتيجية مشتركة بشأن إيران.
التطبيع مع السعودية
في مقابلته مع قناة “العربية” في 15 كانون الأول (ديسمبر)، كان نتنياهو أكثر صراحة بشأن “توسيع دائرة السلام”: “أنا أشير إلى ما يمكن أن يشكل سلاماً تاريخياً مدهشاً بالفعل مع المملكة العربية السعودية. ضع في اعتبارك أنني ملتزم بتطوير وتعزيز ’اتفاقيات إبراهيم‘ المميزة التي أبرمناها مع جيراننا، ولكنني أعتقد أن السلام مع السعودية سيخدم هدفين: سيشكل نقلة نوعية إلى سلام شامل بين إسرائيل والعالم العربي، وسيغير منطقتنا بطرق لا يمكن تصورها. وأظن أنه سيُسهّل، في النهاية، السلام بين فلسطين وإسرائيل. أنا أؤمن بذلك. وأنوي متابعته. وبالطبع، الأمر متروك للقيادة السعودية إذا كانت تريد الانخراط في هذا الجهد. وأنا بالتأكيد آمل أن يفعلوا ذلك”.
ومن جانبهم، حدد كبار المسؤولين السعوديين لمختلف الوفود الأميركية الزائرة ثلاثة شروط لإقامة علاقات أكثر وضوحاً مع إسرائيل، والتي تعتمد جميعها على الخطوات الأميركية:
1. الارتقاء بالعلاقة الاستراتيجية بين الولايات المتحدة والسعودية وتأمين التزامات خطية باتخاذ خطوات من قبل الولايات المتحدة إذا تعرضت المملكة للهجوم.
2. ضمان تدفق الأسلحة الأميركية بشكل موثوق، والتي تشمل تسليم المشتريات الحالية واستئناف عمليات بيع الأسلحة الهجومية، التي تم إيقافها في شباط (فبراير) 2021، و؛
3. إقامة تعاون مدني في مجال الطاقة النووية، من بينها القدرة على تخصيب اليورانيوم (لا ترغب واشنطن في تقديم قدرات تخصيب لأي شريك).
ولتسهيل التطبيع مع القادة العرب، يميل نتنياهو إلى مساعدتهم على تحسين علاقاتهم مع الولايات المتحدة. ولكن هل سيكون في وضع يمكّنه من كسب ود واشنطن إذا اعتقدت إدارة بايدن أنه لا يتعاون بشأن القضية الفلسطينية؟ يلمح المسؤولون الأميركيون إلى أنهم يريدون رؤية بعض المقايضات من جانبه في مجالات أخرى، مشيرين إلى المكاسب السياسية المفاجئة التي يمكن أن يجنيها من تقدم سعودي. ولكن في نهاية المطاف، لا يمكن لأي درجة من التوسط من قبل نتنياهو أن تضمن استجابة الولايات المتحدة للمطالب السعودية، التي تحمل كل منها تداعيات سياسية معقدة.
تعقيدات روسيا/ أوكرانيا
أوضح الرئيس بايدن، أنه سيقيم الحلفاء من خلال خطواتهم لمساعدة أوكرانيا ضد العدوان الروسي، وقد واجهت إسرائيل انتقادات كبيرة في هذا الصدد من مختلف الجهات. وحتى الآن، قدمت القدس مساعدات إنسانية وغير فتاكة إلى كييف، فضلاً عن معلومات استخبارية عن الطائرات المسيرة الإيرانية، ولكن لا يخفى على أحد أن الأوكرانيين يريدون أنظمة دفاع جوي إسرائيلية، وخاصة نظام “القبة الحديدية”.
يتفهم البنتاغون رغبة إسرائيل في ضمان عدم مراقبة التكنولوجيا الخاصة بها أو الاستيلاء عليها في القتال وإخضاعها للهندسة العكسية. ووفقاً لبعض التقارير، تطلب دول (عدة) من أوروبا الشرقية شراء منظومة “سبايدر”، المشابهة لمنظومة “القبة الحديدية”، ولكنها لا تثير المخاوف ذاتها المتعلقة بحقوق الملكية. وفي الواقع، تم أساساً تصدير هذه المنظومة إلى العديد من البلدان. كما دعم بعض المسؤولين الأميركيين الصفقة التي وقعتها إسرائيل بمليارات الدولارات لبيع ألمانيا منظومة الدفاع الصاروخي “آرو 3” التي يتم إنتاجها بشكل مشترك (عملية الشراء تنتظر الموافقة النهائية للبنتاغون). ومع ذلك، ليس من المؤكد بأي حال من الأحوال أن القدس وواشنطن ستسمحان للمشترين بنقل أي من هذه المنظومات إلى أوكرانيا.
إضافة إلى ذلك، تملك إسرائيل اعتبارات جدية فيما يتعلق بروسيا قد تُعقّد استعدادها للمساعدة بشأن أوكرانيا. على سبيل المثال، يقول المسؤولون الإسرائيليون إن إيران أعدت قائمة بالأسلحة والطلبات الاستراتيجية التي ستطلبها من موسكو مقابل توفيرها الطائرات من دون طيار. ومن المرجح أن يطلب نتنياهو من الرئيس فلاديمير بوتين، ربما شخصياً، عدم تزويد طهران بأسلحة استراتيجية أو تقديم مساعدة لها. ولا بد أن يكون أي تواصل عام مع بوتين في زمن الحرب حساساً في واشنطن، وبالتالي، يجب على المسؤولين الأميركيين والإسرائيليين أن يعمدوا سراً إلى وضع قواعد أساسية واضحة لهذا الحوار رفيع المستوى بشكل مسبق، علماً بأن بعض المسؤولين الأميركيين قلقون أساساً بشأن موقف الحكومة الجديدة من أوكرانيا. وعلى سبيل المثال، صرح وزير الخارجية الإسرائيلي، إيلي كوهين، مؤخراً بأن إسرائيل ستتحدث بشكل أقل عن الحرب علناً، مما أزعج حلفاء رئيسيين في الكونغرس الأميركي مثل السناتور ليندسي غراهام (جمهوري من ولاية كارولاينا الجنوبية)، الذي فسر الملاحظة على أن إسرائيل تتراجع فيما يتعلق بأوكرانيا.
تحولات في السياسة المحلية
حالياً، تهيمن القضايا المحلية على الخطاب السياسي الإسرائيلي، لا سيما الإصلاح المقترح لنظام المحاكم، والذي يعتقد الكثيرون أنه سيضع البلاد على مسار غير ليبرالي، وحتى غير ديمقراطي. كما تشعر قطاعات كبيرة من الجمهور بالقلق من محاولة شركاء نتنياهو الصغار في الائتلاف تقييد حقوق مجتمع الميم، وإنهاء الاعتراف باعتناق اليهودية غير المتشددة في الخارج، وتشديد معايير قانون العودة لليهود المهاجرين إلى إسرائيل، وتقديم تنازلات كبيرة لليهود المتدينين المتشددين (مثل الاستمرار في إعفائهم من التجنيد العسكري، وزيادة الإعانات للمدارس الدينية وطلابها).
وأوضح المسؤولون الأميركيون أنه من غير المرجح أن تجذب هذه القضايا انتباه الرئاسة، لكن أعضاء آخرين في الإدارة الأميركية قد يشددون مع ذلك على الأهمية المستمرة للحفاظ على القيم المشتركة بين إسرائيل والولايات المتحدة. وقد تظهر مخاوف بشأن هذه القضايا أيضاً في تقارير حقوق الإنسان التي ستصدرها الحكومة الأميركية في المستقبل. ويميل الإسرائيليون إلى التركيز على ما يؤكده (أو يحذفه) المسؤولون الأميركيون رفيعو المستوى، لكنهم قد يخطئون إذا افترضوا أن الولايات المتحدة لا تكترث لقضاياهم الاجتماعية لمجرد أن البيت الأبيض قد لا يعالجها بشكل مباشر. ويمكن أن يكون للسياسات الداخلية الخلافية آثار مدمرة على المشاعر تجاه إسرائيل في الكونغرس وأجزاء أخرى من المجتمع الأميركي، مما يبرز حاجة القادة الإسرائيليين إلى إعطاء الأولوية للأهداف المحلية التي تناسب أولويات سياستهم الخارجية مع واشنطن.
* * *
*ديفيد ماكوفسكي: زميل “زيغلر” المميز في معهد واشنطن ومدير “مشروع كوريت” حول العلاقات العربية الإسرائيلية، ومنتج برنامج البث الصوتي “نقاط القرار”.