مرايا –
ديفيد س. داماتو – (كاونتربنش) 7/2/2023
في اللغة العربية، يعني مصطلح “الصمود” تقريبا الثبات أو المثابرة التي لا تكل. وهو مصطلح أصبح نقطة تحشيد ثقافي وممارسة اجتماعية تحررية لشعب يخوض معركة يومية من أجل البقاء على أرضه.
وبالنسبة لهذا الشعب، الذي يواجه الآن هجوما مميتًا من حكومة يمينية متزايدة الخطورة، فإن الصمود هو التضامن، والمساعدة المتبادلة، والمقاومة الحازمة لنظام فصل عنصري.
وقد حذفت القصة الغربية حول ما نشهده في فلسطين روايات الفلسطينيين أنفسهم، وأغفلت قصتهم عن الصمود التي تتجسد بالكفاح المشترك من أجل الحرية والمساواة.
الصمود هو ممارسة “تخلق عالمًا مستمرًا” يمكن للفلسطينيين فيه “العيش مع المقاومة والرفض معًا”، كنضال واعٍ للواقع المادي الذي هو فلسطين كشعب، ومكان، وثقافة.
في آذار (مارس) الماضي، أصدر المقرر الخاص للأمم المتحدة المكلف بتقييم الوضع في فلسطين تقريرا مقلقا، يصف فيه “نظاما قانونيا وسياسيا ازدواجيا وتمييزيا بشكل عميق”، ويدعو المجتمع الدولي إلى التحرك.
وقبل أقل من شهرين من صدور تقرير الأمم المتحدة، أصدرت “منظمة العفو الدولية” تقريرًا يفصل جرائم نظام الفصل العنصري الإسرائيلي، ويصفه بأنه “نظام وحشي للهيمنة والجرائم ضد الإنسانية”، يقوم على مكونات رئيسية من “تمزيق الأراضي، والفصل والسيطرة؛ ونزع ملكية الأراضي والممتلكات؛ والحرمان من الحقوق الاقتصادية والاجتماعية”.
وبعد وقت قصير من صدور هذه التقارير، شنت الحكومة الإسرائيلية حملة إرهابية تسمى “عملية كاسر الأمواج” (أو “كسر الموجة”)، وهي سيل مركز من العنف جعل العام 2022 أحد أكثر السنوات دموية على الإطلاق في الضفة الغربية.
وفقًا لتقرير صادر عن منظمة “المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان” غير الربحية، قُتل أكثر من 200 فلسطيني في العام 2022، 1 من كل 5 منهم تقريبًا من الأطفال.
وتعود معظم هذه الأرواح المفقودة إلى “مدنيين قتلهم الجيش الإسرائيلي في عمليات وسياقات غير مبررة، لم يشكلوا فيها أي تهديد أو خطر وشيك على حياة الجنود أو المستوطنين الإسرائيليين”.
وما يزال العام الجديد في أوله، لكنه شهد مسبقا مستويات من العنف والموت التي، إذا استمرت، ستجعل العام 2023 أكثر دموية حتى من العام 2022.
وشهد شهر كانون الثاني (يناير) وحده مقتل 35 فلسطينيًا، 8 منهم من الأطفال. إن الشعب الفلسطيني يخوض معركة يائسة.
في هذا المنعطف، يجدر بنا أن نكرر أن هناك توافقًا لا يمكن إنكاره في الآراء داخل المجتمع الدولي: الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية ينتهك الأحكام القانونية الدولية التي تحظر ممارساتها المتمثلة في تشريد الفلسطينيين بالعنف ومصادرة أراضيهم ومواردهم الطبيعية.
ولدى الحكومة الإسرائيلية نمط راسخ من الاستهداف غير القانوني للمدنيين الفلسطينيين وممتلكاتهم، ومتابعة تنفيذ حملة إرهابية لا هوادة فيها تشمل المراقبة المتطورة، وفرض “قيود صارمة على الحركة”.
وتخضع تحركات الفلسطينيين وأنشطتهم للرصد والمراقبة الشديدين، ويخيم على أفق سكان الأراضي المحتلة شبح التهديد الدائم باستخدام القوة المميتة.
ويتم تجريم حتى وجودهم ذاته. لقد جعلت حكومة إسرائيل من نفسها واحدة من أكثر الجهات الفاعلة الحكومية خروجًا عن القانون وإفلاتًا من تحمل المسؤولية والمساءلة على هذا الكوكب، مستخفة بالمعايير القانونية الدولية والرفض من جانب واحد لأي آلية للمحاسبة.
وحتى في ظل الاختبارات الأكثر صعوبة لفحص نظام فصل عنصري، فإن إخضاع إسرائيل الوحشي لملايين الفلسطينيين لوضع اجتماعي وسياسي واقتصادي من الدرجة الثانية يفي بشروط الاختبار.
تتأسس المشاريع الاستعمارية الاستيطانية مثل ذلك الذي أدى إلى إنشاء إسرائيل على افتراض أن المستعمِرين هم شعب متفوق يأتي من ثقافة أعلى، يتمتع بالحق في الاستيلاء على الأرض والاحتفاظ بها وحكمها.
وكان قمع الفلسطينيين كشعب ومحو فلسطين كمفهوم وثقافة حية هدفين مركزيين للإسرائيليين منذ فترة طويلة قبل قيام دولة إسرائيل. كانت الشرعية الأخلاقية لمشروعهم الاستعماري تعتمد -وما تزال- على فكرة أنه لا يوجد شيء اسمه فلسطين.
وفي الشهر الماضي فقط، أمر إيتمار بن غفير، وزير الأمن القومي الإسرائيلي الاستبدادي الجديد، بتصعيد جديد في الحرب المستمرة على الثقافة والهوية الفلسطينية من خلال حظر رفع العلم الفلسطيني.
وتنتشر في كل زاوية الضفة الغربية مئات نقاط التفتيش العسكرية وحواجز الطرق، حيث يواجه الفلسطينيون تهديدات يومية وإساءة معاملة لدى أصغر مخالفة متصورة.
إنه نظام من الانضباط القسري والتخويف مصمم لإخضاع ومحو السكان الخاضعين للاحتلال. لكن الواقع قائم ويفرض نفسه؛ هناك شعب فلسطيني موجود، ولا يمكن تخيل عدم وجوده، وهو يستحق التحرر من القسوة والقمع المستمرين اللذين يأتيان مع وضعه كمواطنين من الدرجة الثانية.
وإذا قلنا أي شيء مختلف، أو إذا لم نقل شيئًا على الإطلاق، فإننا نتبرأ من مسؤوليتنا تجاه هذه المجموعة من الناس. لم يعد بإمكان الحديث عن فلسطين في الغرب أن يتسامح مع المساواة السخيفة والهجومية للجالية اليهودية ككل مع دولة إسرائيل.
إن الأولى هي مجتمع عالمي متنوع ومتعدد الأعراق تحدده عائلة من التقاليد الثقافية والدينية التي تعود إلى آلاف السنين. والأخيرة هي كيان حكومي استعماري تأسس في منتصف القرن الماضي ويتميز بإقصائه الصريح لغير اليهود وغير البيض، وبنظامه القانوني المزدوج، ووحشيته تجاه أقلية عرقية أصلية متجذرة في الأرض.
وقد عاش الفلسطينيون لأجيال تحت التهديد المستمر بالطرد القسري، والجهود العنيفة لطمس الهوية والثقافة الفلسطينيتين.
سيكون من الصعب المبالغة في تقدير “التفاوت الشاسع في القوة” في العلاقة بين إسرائيل وفلسطين. فعلى الرغم من تحفظها المعروف بشأن برامج وقدرات أسلحتها النووية، إلا أن إسرائيل دولة نووية، وتصنف بشكل روتيني بين أقوى الحكومات على وجه الأرض.
وكان عدم التماثل الهيكلي واضحًا في العلاقة منذ قرن مضى، عندما بدأت فترة الانتداب البريطاني بعد الحرب العالمية الأولى، التي أدت إلى إنشاء نظام يعترف بقومية يهود الإقليم ويحمي حقوقهم ومكانهم في المنطقة، من دون توسيع نفس الاعتراف القانوني والحماية ليشملا العرب.
واليوم، تحمي علاقة إسرائيل الفريدة مع الولايات المتحدة الحكومة الإسرائيلية من المساءلة أمام المجتمع الدولي الأوسع. وباعتبارها دولة شاذة عالميًا ومارقة في انتهاكاتها المتكررة للقانون الدولي، فإن حكومة الولايات المتحدة هي أيضًا شاذة في رفضها التوقيع على قرار للأمم المتحدة ينص على أن احتلال إسرائيل لفلسطين غير قانوني.
وفي واقع الأمر الواقع، يتميز موقف النخبة في واشنطن من أزمة حقوق الإنسان في فلسطين ليقف بين أوضح الأمثلة الحالية على ازدواجية التفكير والمعايير، حيث تدين الولايات المتحدة المستوطنات بصوت خافت بينما تقدم دعمًا ثابتًا للنظام المزدوج والقمعي الذي تمثله الحكومة الإسرائيلية.
وهنا أيضًا، كان للاعتبارات الاستراتيجية للحرب الباردة مكانها، حيث جعلت حروب إسرائيل وفتوحاتها على حساب الدول المتحالفة مع الاتحاد السوفياتي منها شريكًا قويًا في الحرب الغربية ضد الاتحاد السوفياتي.
يجب أن تلتزم دول العالم بوضع نفسها في مستوى أعلى من ذلك الذي وضعت إسرائيل نفسها فيه. وإذا لم تفعل، فلن تكون الجهات الفاعلة الحكومية أكثر من عصابات من المجرمين، الذين معيارهم الأخلاقي الوحيد هو القوة تصنع الحق، والذين يمكنهم السرقة والقتل مع الإفلات التام من العقاب.
ويجب أن ينطوي أي طريق لإنهاء الرعب والخسارة اللذين تعرض لهما الشعب الفلسطيني على مواجهة صادقة مع الجرائم التي حدثت في الماضي وتُرتكب في الحاضر على حد سواء.
و تتطلب مثل هذه المواجهة الصادقة أن نستمر في تسمية هذا النظام الوحشي والقمعي بما هو عليه، نظام فصل عنصري، يحكم على الفلسطينيين بالسجن مدى الحياة في مرتبة أناس من الدرجة الثانية.
ليس هناك وقت للانتظار. وتتطلب حالة الطوارئ الإنسانية التي يعيشها الناس في فلسطين أن نقف جنبًا إلى جنب مع الفلسطينيين في صمودهم، وأن نلتزم برفض “تقنيات الخنق”.
*ديفيد س. داماتو David S. D’Amato: محام ورجل أعمال وباحث مستقل. وهو مستشار سياسي لـ”مؤسسة مستقبل الحرية” ومساهم منتظم في الرأي في صحيفة “ذا هِل”.
ظهرت كتاباته في فوربس، نيوزويك، إنفستورز بيزنس ديلي، ريل كلير بوليتيكس، واشنطن إكزامينر، والعديد من المنشورات الأخرى، الشعبية والعلمية. تتم الاستشهاد بعمله من قبل “اتحاد الحريات المدنية الأميركي” و”هيومن رايتس ووتش”، من بين آخرين.
*نشر هذا المقال تحت عنوان: Do We Know Apartheid When We See It?