مرايا –
نيف غوردون – (كاونتربنش) 24/1/2023
منذ بداية العام الجديد، كانت القراءة عن إسرائيل في الصحافة الناطقة بالعبرية تجربة مخيفة ومثيرة للقلق. فقد وصف أحد المقالات جناح ولادة في أحد المستشفيات تم فيه إقناع امرأة فلسطينية من الناصرة بالانتقال إلى غرفة أخرى بعد أن اشتكت امرأة يهودية من تقاسم نفس المساحة مع شخص غير يهودي.
وكشف مقال آخر عن أن القائد العسكري الإسرائيلي المسؤول عن الضفة الغربية وزع مؤخرًا على ضباطه كتيبًا مسيانيًا –عنوانه “أسرار مخلّصي الأرض، من إبراهيم أبينا إلى المستوطنين الشباب”– يتحدث عن كيفية الاستيلاء على الأراضي الفلسطينية.
وأفاد مقال ثالث بأن عدد الفلسطينيين الذين قتلوا بنيران الجيش الإسرائيلي في الضفة الغربية في العام 2022 كان الأعلى منذ 18 عامًا.
وشرح رابع كيف وافقت المحكمة العليا الإسرائيلية على طرد الفلسطينيين من منازلهم في ثماني قرى وعلى مطالب الجيش الإسرائيلي بإجراء تدريبات منتظمة في نفس المنطقة.
مثل هذه القصص الإخبارية المحلية، التي تفضح عن غير قصد الحقائق اليومية القاتمة لإسرائيل، نادرًا ما تصل إلى نشرات الأخبار الدولية.
وأحد الأسباب المحتملة لعدم تغطية وسائل الإعلام الدولية لهذه القصص هو أنها إذا فعلت ذلك، فإن مثل هذه التقارير ستتحدى بعمق الرواية الحالية التي لطالما روجت لها نفس هذه المنافذ عن إسرائيل: أن الديمقراطية الإسرائيلية القوية العاملة جيدًا تتعرض الآن للتهديد من قبل حكومة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو اليمينية المتطرفة الجديدة.
في الواقع، كانت التغطية الدولية لإسرائيل منذ انتخابات تشرين الثاني (نوفمبر) 2022 موحدة إلى حد كبير.
فقد حذرتنا مقالة تلو الأخرى من أن التغييرات التشريعية التي اقترحتها الحكومة الجديدة ستمكنها فعليًا من إلغاء قرارات المحكمة العليا، وشجبت التشريعات التي تمنح وزير الأمن القومي، إيتمار بن غفير، سيطرة سياسية واسعة على الشرطة، بما في ذلك تلك التي تم نشرها في الضفة الغربية، باعتبار أن ذلك يشكل تهديدًا لسيادة القانون في البلاد.
وهي بلا شك مسائل مهمة تستحق اهتمامًا إعلاميًا كثيفًا وواسع النطاق.
ومن الواضح أن القوانين والسياسات التي تطبقها أو تقترحها الحكومة الجديدة تهدف إلى تقويض الفصل بين السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية – وهو فصل يعمل على حماية الديمقراطيات من طغيان الأغلبية.
منذ بداية تشكيل ائتلاف نتنياهو، تركزت تغطية وسائل الإعلام الدولية لإسرائيل بشكل حصري تقريبًا على هذه القضايا. ونشرت وسائل الإعلام تقارير مكثفة عن احتجاجات المواطنين الإسرائيليين الذين يعتبرون سياسات الحكومة الجديدة “هجومًا على الديمقراطية”.
ونشرت عددًا لا يحصى من المقالات الفكرية التي تنتقد خطة “الإصلاح الشامل” الذي اقترحته الحكومة للنظام القضائي باعتبار أنه محاولة “لتقويض الضوابط والتوازنات الديمقراطية”، وغطت على نطاق واسع وبكثافة أي انتقاد للتغييرات التشريعية المخطط لها تأتي من القادة الغربيين.
وأوضحت مرارًا وتكرارًا أن إسرائيل تشهد “أزمة ديمقراطية” غير مسبوقة.
وليست هذه النظرة خاطئة بالضرورة -فبعد كل شيء تظل المقترحات التي تتم مناقشتها حقيقية ومثيرة للقلق البالغ. لكن التقارير الإخبارية في الصحافة الناطقة باللغة العبرية، مثل تلك المذكورة أعلاه، وتجارب ملايين الفلسطينيين الذين يعيشون في ظل “الديمقراطية الإسرائيلية”، تشير إلى أنها مضللة للغاية.
إن الرواية السائدة حول إسرائيل المتداولة حاليًا في شمال الكرة الأرضية مستمدة من المجاز المألوف القائل بأن إسرائيل هي “الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط”.
وعلى هذا النحو، فإن التقارير التي تنتقد على ما يبدو حكومة نتنياهو الجديدة باعتبارها “غير ديمقراطية” تعمل في الواقع على تبييض صفحة الطبيعة غير الديمقراطية بطبيعتها لإسرائيل ومؤسساتها البارزة، بما في ذلك المحكمة الإسرائيلية العليا نفسها.
بالتأكيد هناك ديمقراطية في إسرائيل -لكنها أقرب إلى تلك التي كانت موجودة بين البيض في نظام الفصل العنصري في جنوب إفريقيا منها إلى ديمقراطية من النوع الموجود حاليًا في المملكة المتحدة أو فرنسا.
يعيش ملايين الفلسطينيين في الضفة الغربية تحت السيطرة الفعلية لإسرائيل ولكنهم لا يستطيعون المشاركة في العملية السياسية، في حين أن مئات الآلاف من الفلسطينيين المقيمين في القدس الشرقية التي قامت إسرائيل بضمها هم “مقيمون” وليسوا مواطنين، وبالتالي لا يمكنهم التصويت في الانتخابات الوطنية.
وعلى الرغم من أن المواطنين الفلسطينيين في إسرائيل يمكنهم المشاركة في الانتخابات، إلا أنهم يتعرضون أيضًا لسلسلة من القوانين التمييزية.
كل هذا، وفقًا للعديد من الباحثين وعلماء القانون والناشطين والمنظمات الدولية المحترمة مثل “منظمة العفو الدولية” و”هيومن رايتس ووتش”، يعني أن إسرائيل ليست ديمقراطية ليبرالية عاملة بشكل كامل، وإنما نظام “فصل عنصري”.
وبعبارة أخرى، ليست الديمقراطية التي “تتعرض للهجوم” حاليًا من الحكومة في إسرائيل سوى ديمقراطية مخصصة لليهود فقط.
وعلى نحو مماثل، فإن المحكمة العليا الإسرائيلية، التي تصورها وسائل الإعلام الدولية باعتبارها نموذجًا للاستقامة الأخلاقية، هي في الواقع مدافع مبدئي عن الحقوق الديمقراطية -وإنما لليهود وحدهم فقط.
وكما أظهرت العديد من الدراسات، لعبت هذه المحكمة دورًا حاسمًا في تمكين المشروع الاستعماري الإسرائيلي وإضفاء الشرعية على انتهاكات الدولة ضد الفلسطينيين.
وقد أعطت أحكامها الشرعية لمصادرة الأراضي الفلسطينية، ووفرت الغطاء القانوني لعمليات الإعدام خارج نطاق القضاء، وهدم المنازل، والترحيل، والاعتقالات الإدارية التي تستهدف الفلسطينيين. وهناك عدد من قضاتها هم أنفسهم مستوطنون، وبذلك “مجرمون” وفقًا للقانون الدولي.
سوف تكون التغييرات التشريعية التي يقترحها نتنياهو جديدة بقدر ما ستسمح لحكومته باستهداف اليهود الذين لا يتفقون مع أيديولوجيتها السياسية وتقويض قدرة السلطة القضائية على مكافحة الفساد (وهذا سبب آخر وراء رغبة نتنياهو، الذي يواجه حاليًا ثلاث محاكمات بالفساد، في تمريرها).
لكنَّ الادعاء بأن الحكومة الجديدة في طريقها إلى تدمير الديمقراطية في إسرائيل لن يكون صحيحًا إلا في عالم لا يكون فيه الفلسطينيون موجودين.
*نيف غوردون Neve Gordon: أستاذ زائر في قسم السياسة والدراسات الدولية، ومؤلف مشارك لكتاب ”حق الإنسان في الهيمنة” The Human Right to Dominate.
*نشر هذا المقال تحت عنوان: The Problem with Israel’s So-Called ‘Crisis of Democracy’