مرايا – كتب: د.ليث نصرواين
تعد الحصانة النيابية ميزة أساسية أقرها المشرع الدستوري لكل من أعضاء مجلسي الأعيان والنواب، وذلك بهدف تمكينهم من القيام بالأدوار المناطة بهم في التشريع والرقابة على أكمل وجه. وتتنوع أشكال الحصانة النيابية لتشمل حرية العضو في التكلم وإبداء الرأي في حدود النظام الداخلي للمجلس الذي هو منتسب إليه، وعدم جواز مؤاخذته عن أي تصويت أو رأي يبديه أو خطاب يلقيه أثناء جلسات المجلس.
كما يدخل ضمن مفهوم الحصانة النيابية عدم جواز توقيف العضو أو محاكمته خلال مدة اجتماع المجلس الذي هو منتسب إليه، ما لم يصدر من مجلسه قرارا بالأكثرية المطلقة من مجموع عدد أعضائه برفع الحصانة عنه.
إن الغاية من الحصانة الإجرائية التي تمنع ملاحقة النائب أو العين خلال الفترة التي يكون فيها المجلس منعقدا إلا بعد صدور القرار بالإذن بمحاكمته، تتمثل في تحصين عضو السلطة التشريعية من الشكاوى الكيدية التي قد تقدم بحقه، والتي ستحول دون حضوره جلسات المجلس. فكان المشرع الدستوري حصيفا عندما منح أعضاء مجلسي الأعيان والنواب ميزة عدم الملاحقة الجزائية أثناء فترة اجتماعات المجلس ما لم يقرر المجلس خلاف ذلك، على أن تسقط هذه الحصانة النيابية المؤقتة في فترة عدم انعقاد المجلس أو عند حله، وفي حالة القبض على العضو متلبسا ب?رتكاب جريمة جنائية.
ويبقى التساؤل الأبرز حول الوضع الدستوري للنائب أو العين الذي يتقرر رفع الحصانة عنه، وما إذا كان سيفقد مقعده في مجلس الأمة بمجرد صدور القرار بالإذن بملاحقته جزائيا.
إن قرار رفع الحصانة لا يؤثر على المركز القانوني لعضو مجلس الأمة، ولا يؤدي إلى انقطاع صلته الدستورية مع المجلس المنتسب إليه، إذ يبقى محتفظا بصفته النيابية وبعضويته في السلطة التشريعية. وقد ذهب النظام الداخلي لمجلس النواب إلى أبعد من ذلك، حيث أجاز في المادة (145) منه للنائب الذي تقرر رفع الحصانة عنه ولم يجر توقيفه، أن يحضر جلسات مجلس النواب واجتماعات اللجان، وأن يشارك في المناقشة والتصويت. وهو الحكم ذاته الذي قررته المادة (119) من النظام الداخلي لمجلس الأعيان.
ونظرا لأهمية القرار الصادر برفع الحصانة النيابية، فقد أحاطه النظام الداخلي لمجلس النواب بمجموعة من الضمانات الإجرائية تتمثل ابتداء بضرورة قيام رئيس الوزراء بتقديم طلب خاص بهذا الخصوص إلى رئيس مجلس النواب، مشفوعا بمذكرة تشتمل على نوع الجرم ومكانه وزمانه، والأدلة التي تستلزم اتخاذ إجراءات عاجلة بحق العضو المعني.
ففي حال غياب هذا الطلب، لا يحق لمجلس النواب أن يصوت على أي توصية برفع الحصانة عن أي من الأعضاء فيه، كما لا يجوز لأي نائب أن يتنازل عن حصانته النيابية دون موافقة مجلس النواب.
وأثناء النظر في الطلب المقدم برفع الحصانة، فإن مجلس النواب لا يفصل في موضوع التهمة الموجهة للنائب المعني، وإنما يقتصر دوره على الإذن باتخاذ الإجراءات القانونية أو الاستمرار فيها متى تبين له أن الغرض منها ليس التأثير على النائب لتعطيل عمله النيابي. وفي حال صدور القرار برفع الحصانة عن أحد النواب، فإن أثره يكون مقتصرا على الوقائع الجرمية الواردة في طلب الإذن المقدم من رئيس الوزراء، ولا يمتد أثره ليسري على أفعال أخرى.
وتظهر التبعات الدستورية لقرار رفع الحصانة النيابية عند انتهاء القضية الجزائية وصدور حكم نهائي قطعي فيها. فإن صدر القرار بإدانة النائب المعني بجرم جزائي والحكم عليه بالحبس مدة تزيد على سنة واحدة في جريمة غير سياسية، فإنه يعتبر فاقدا لشرط من شروط العضوية المحددة في المادة (75/1) من الدستور، وبالتالي تسقط عضويته حكما دون الحاجة إلى أي إجراء دستوري آخر. ويتم ملء الشاغر الناجم عن اسقاط عضوية أحد النواب وفق أحكام القانون الانتخاب المتعلقة بالترشح ضمن قوائم انتخابية.
وتجدر الإشارة إلى أن اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية قد تقدمت في عام 2022 بمقترح يتعلق بتعديل المادة (86) من الدستور الناظمة للحصانة الإجرائية، حيث أوصت بأن يقتصر شرط رفع الحصانة النيابية على حالة التوقيف فقط دون المحاكمة، وبأنه يمكن مباشرة الإجراءات القضائية في مواجهة عضو مجلس الأمة أثناء اجتماعات المجلس طالما أنه لم يجر توقيقه، ذلك على اعتبار أن قانون أصول المحاكمات الجزائية لم يعد يشترط حضور المشتكى عليه جميع جلسات المحاكمة.
إلا أن مجلس الأمة بشقيه الأعيان والنواب قد رفض هذا الاقتراح، لتبقى الحصانة النيابية الإجرائية تشمل حالتي التوقيف والمحاكمة، واللتين تشترطان لتطبيقهما على النائب أو العين صدور القرار برفع الحصانة، وذلك خلال الفترة التي يكون فيها المجلس مجتمعا في أي من دوراته البرلمانية.