مرايا –
مع زيارة الدولة التي قام بها الرئيس الفلسطيني محمود عباس إلى الصين الأسبوع الماضي، يرى الدبلوماسي الهندي السابق، بهادراكومار، أن وساطة بكين في تحقيق التقارب السعودي الإيراني تضفي مصداقية على المبادرة الصينية بشأن القضية الفلسطينية.
* * *
أخفق وزير الخارجية أنتوني بلينكن في الرياض في مهمته لإقناع المملكة العربية السعودية بمنح اعتراف دبلوماسي لإسرائيل وإحياء اتفاقيات إبراهيم المحتضرة. والموقف السعودي من هذه المسألة ثابت: حل على أساس الدولتين للمشكلة الفلسطينية أولاً؛ والتطبيع مع إسرائيل لا يمكن أن يأتي إلا بعد ذلك.
وقال وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان آل سعود، في مؤتمره الصحفي المشترك مع بلينكن يوم الخميس الماضي:
”من دون إيجاد طريق لتحقيق السلام للشعب الفلسطيني، ومن دون معالجة هذا التحدي، فإن أي تطبيع ستكون له فوائد محدودة. ولذلك، أعتقد أننا يجب أن نستمر في التركيز على إيجاد طريق نحو حل الدولتين، وإيجاد طريق نحو منح الفلسطينيين الكرامة والعدالة. وأعتقد أن الولايات المتحدة لديها وجهة نظر مماثلة، وهي أنه من المهم الاستمرار في هذه الجهود”.
وفي وقت لاحق، اتصل بلينكن برئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، لإطلاعه على ذلك. وذكر بيان وزارة الخارجية الأميركية أنهما “ناقشا المجالات ذات الاهتمام المشترك، بما في ذلك توسيع وتعميق اندماج إسرائيل في الشرق الأوسط من خلال التطبيع مع دول المنطقة”.
بعد الرفض السعودي لاقتراح الولايات المتحدة، أعلنت بكين يوم الجمعة، 9 حزيران (يونيو)، أنه بناء على دعوة من الرئيس الصيني شي جين بينغ، سوف تبدأ زيارة دولة يقوم بها الرئيس الفلسطيني محمود عباس إلى الصين يوم الثلاثاء، 13 حزيران (يونيو)، وتنتهي يوم الجمعة 16 حزيران (يونيو). وتحدث المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية، وانغ ون بين، في المؤتمر الصحفي اليومي لدى الإعلان عن الزيارة يوم الجمعة بحماس عن عباس و”العلاقات الودية رفيعة المستوى بين الصين وفلسطين”. وأكد وانغ، مجددًا، عزم بكين على التوسط بين فلسطين وإسرائيل، وأشار إلى دور عملي للرئيس شي. وقال وانغ:
”إن القضية الفلسطينية هي لب قضية الشرق الأوسط وهي مهمة لتحقيق السلام والاستقرار في المنطقة والإنصاف والعدالة العالميين. وظلت الصين مؤيدة بقوة لقضية الشعب الفلسطيني العادلة المتمثلة في استعادة حقوقه الوطنية المشروعة. وعلى مدى 10 سنوات متتالية، بعث الرئيس الصيني، شي جين بينغ، رسائل التهنئة إلى الاجتماع التذكاري الخاص احتفالاً باليوم الدولي للتضامن مع الشعب الفلسطيني. وطرح أكثر من مرة مقترحات الصين لحل القضية الفلسطينية، مشددًا على ضرورة الدفع بحزم بتسوية سياسية تقوم على حل الدولتين وتكثيف الجهود الدولية من أجل السلام. وبصفتها عضوًا دائمًا في مجلس الأمن الدولي، سوف تواصل الصين العمل مع المجتمع الدولي من أجل التوصل إلى حل شامل وعادل ودائم للقضية الفلسطينية في وقت غير بعيد”.
في النظام السياسي الصيني، نادرًا ما تستحضر وزارة الخارجية اسم الرئيس شي جين بينغ. وعلى أقل تقدير، تشير زيارة عباس إلى الصين ومسار الدبلوماسية العامة للبلد بشكل عام إلى أن بكين ربما تكون قد استمعت إلى إسرائيل وأصحاب المصلحة المهمين الآخرين -المملكة العربية السعودية على وجه الخصوص- ووجدت العلامات المبكرة مشجعة.
خيارات محدودة لإسرائيل
مع تحول “اتفاقيات إبراهيم” إلى أضغاث أحلام، ليس لدى إسرائيل الآن مكان تذهب إليه ولا شيء آخر تخسره؛ حيث يتضح أن الولايات المتحدة تكافح في سبيل تدعيم نفوذها الإقليمي.
مما لا شك فيه أن المشكلة الفلسطينية هي لب أزمة الشرق الأوسط. وعلى مدى العقود الأربعة الماضية، صرفت الولايات المتحدة وإسرائيل الانتباه عنها عن طريق إثارة جنون الارتياب حول تهديد إيران الشيعية للأنظمة العربية السنية. ولكن، مع التطبيع السعودي الإيراني الجديد، يبدو أن واشنطن وتل أبيب دُفعتا إلى الوقوع في شر أعمالهما.
يوم الخميس، 8 حزيران (يوينو)، ذكرت صحيفة “إزفستيا” الروسية البارزة أن “المصالحة بين طهران والرياض تجري على قدم وساق”. ونقلت عن قائد البحرية الإيرانية، الأدميرال شهرام إيراني، كشفه أن عددًا من الدول في المنطقة، بما فيها إيران والمملكة العربية السعودية، سوف تشكل “تحالفًا بحريًا جديدًا لتنظيم الأعمال في المياه الشمالية للمحيط الهندي”.
ومن المثير للاهتمام أن الإمارات قررت، مؤخرًا، الانسحاب من تحالف الأمن البحري الذي تقوده الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، موضحة أن القرار جاء “بعد تقييم مطول لفعالية التعاون الأمني مع جميع الشركاء”.
دول الخليج والصين
تدرس إقامة تحالف
الآن، تقترح طهران إقامة تحالف إقليمي بدلاً من ذلك. ووفقًا لمنفذ “الجديد” الإخباري القطري، فإن القوات البحرية لدول الخليج، بما فيها إيران والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة وسلطنة عمان، ستشكل تحالفًا مع الصين.
وبالمناسبة، أكد الأمير فيصل في المؤتمر الصحفي يوم الخميس مع بلينكن، أن: “الصين شريك مهم للمملكة ومعظم دول المنطقة، وأعتقد أن هذه الشراكة منحتنا نحن والصين فوائد كبيرة. ومن المرجح أن ينمو هذا التعاون فقط لأن التأثير الاقتصادي للصين في المنطقة وخارجها يغلِب أن ينمو مع استمرار نمو اقتصادها”.
وكتب السياسي البارز في الكرملين، أليكسي بوشكوف، في قناته على “تلغرام”، أن كل هذه الاتجاهات هي “دليل على الاستقلال الجديد لدول العالم غير الغربي، التي تطور العلاقات فيما بينها من دون اعتبار كبير للولايات المتحدة”.
ولكن، إذا وضعنا الخطابة جانبًا، فقد تُرك الأمر للأمير فيصل في ملاحظة كاشفة في المؤتمر الصحفي، بحضور بلينكن، لتأطير رياح التغيير العميقة التي تجتاح الشرق الأوسط:
”أعتقد أننا جميعًا قادرون على إقامة شراكات متعددة وارتباطات متعددة، والولايات المتحدة تفعل الشيء نفسه في كثير من الحالات. ولذلك، أنا لست عالقًا في هذه النظرة السلبية حقًا إلى هذا. أعتقد أننا نستطيع -يمكننا بالفعل بناء شراكة تعبُر هذه الحدود. أعتقد أنني سمعت تصريحات أيضًا من الولايات المتحدة حول الرغبة في إيجاد مسارات لتعاون أفضل، حتى مع الصين. ولذلك، أعتقد أنه لا يسعنا سوى أن نشجع ذلك، لأننا نرى المستقبل في التعاون، ونرى المستقبل في المشاركة، وهذا يعني بين الجميع”.
وهنا أيضًا يصبح فوز الرئيس رجب أردوغان في الانتخابات التركية نقطة تحول؛ حيث إن له تأثيرًا مضاعِفًا على التوق الإقليمي إلى بزوغ فجر جديد صاغ الأمير فيصل ملامحه ببلاغة.
في الواقع، تضفي الوساطة بشأن التقارب السعودي الإيراني مصداقية على مبادرة بكين بشأن القضية الفلسطينية. وتدعم روسيا المبادرة بكل إخلاص. (تُرشد موسكو أيضًا جهود عضوية المملكة العربية السعودية في مجموعة “بريكس” بهدف الحصول على قرار سريع بهذا الخصوص).
مع ذلك، أثبتت القضية الفلسطينية أنها مستعصية على الحل حتى الآن. ولكن، ينبغي عندئذٍ إدراك أن جوهر المسألة هو أن واشنطن كانت تفتقر إلى التفاني وإخلاص الهدف، وأن السياسة الداخلية الأميركية عاثت فسادًا في القضية.
كانت الولايات المتحدة تتمتع بجميع المزايا اللازمة للحل، لكنها نظرت إلى أي تسوية فلسطينية في المقام الأول من خلال المنظور الجيوسياسي؛ برؤية تهدف إلى الحفاظ على هيمنتها الإقليمية، والسيطرة على سوق النفط، ومعاقبة إيران، واستخدام بعبع إيران لتعزيز مبيعات الأسلحة، واستبعاد روسيا من المنطقة، وقبل كل شيء، ربط الدول الإقليمية بظاهرة البترودولار التي تحافظ على وضع الدولار كعملة احتياطية.
وفي المقابل، تدخل الصين هذه المسألة بسجل نظيف. وهي تتمتع بعلاقات ممتازة مع إسرائيل. ومن الواضح أن إسرائيل تفكر في احتمال مواجهة مستقبل مظلم. فقد اختفى التباهي القديم. ويبدو نتنياهو متعبًا ومُسنًا. كل ذلك في حين أن الصين في وضع جيد، من ذروة هيبتها الإقليمية اليوم، لتعرض على إسرائيل مسارًا إبداعيًا جديدًا تدعمه جميع دول المنطقة، والذي لن تجرؤ حتى الجهات الفاعلة غير الحكومية لما يسمى “محور المقاومة” على تقويضه.
*إم. كيه. بهادراكومار M. K. BHADRAKUMAR: دبلوماسي هندي سابق. كان سفيرًا للهند لدى أوزبكستان وتركيا.
*نشر هذا المقال تحت عنوان: Palestine Is Ripe for Chinese Mediation