رسالة حادة للمتطرفين الذين يروجون لفكرة الأردن كوطن بديل

 

حقوق الإنسان انتقائية وامتياز يمنح للبعض ويحرم البعض الآخر منه

الأمم المتحدة في أسوأ حال ويجب العمل على إحياء دورها لحل النزاعات

 

وجوب فرض العالم وصول المساعدات لغزة للحد من الكارثة الإنسانية

مرايا –

ألقى جلالة الملك عبدالله الثاني خطابا تاريخيا أمس في اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة المنعقدة، بنيويورك في دورتها الـ79، واجه فيه المعايير المزدوجة في التعامل مع القضية الفلسطينية، وجاء الخطاب على نحو غير معهود يوجهه زعيم عربي للغرب بهذه اللهجة الواضحة منذ عقود.

وقال جلالته في خطابه، “لا عجب أن الثقة بالمبادئ والقيم الأساسية للأمم المتحدة قد بدأت بالانهيار، سواء داخل هذه القاعة أو خارجها. فالواقع الأليم الذي يتجلى أمام الكثيرين هو أن بعض الشعوب هي فعليا فوق القانون الدولي، وأن العدالة الدولية تنصاع للقوة، وأن حقوق الإنسان انتقائية؛ فهي امتياز يمنح للبعض ويحرم البعض الآخر منه حسب الأهواء”.

وأكد مراقبون أن جلالته، وجه رسالة حادة اللهجة أيضا إلى المتطرفين الذين يروجون باستمرار لفكرة الأردن كوطن بديل، قائلا بكل وضوح “هذا لن يحدث أبدا، ولن نقبل أبدا بالتهجير القسري للفلسطينيين، فهو جريمة حرب”.

وأشار هولاء في أحاديث منفصلة لـ”الغد”، إلى أن جلالته تحدث بكل وضوح، وبخطاب تاريخي وضع النقاط على الحروف، أفصح فيه عن أن الصراعات الإقليمية والاضطرابات العالمية والأزمات الإنسانية التي تعصف بمجتمعنا الدولي، تختبر أيضا الثقة العالمية والسلطة الأخلاقية، بخاصة وأن العدالة الدولية تنصاع للقوة، وأن حقوق الإنسان انتقائية؛ فهي امتياز يمنح للبعض ويحرم البعض الآخر منه حسب الأهواء.

وفي هذا الإطار، قال الوزير الأسبق مجحم الخريشا، إن “جلالة الملك في خطابه التاريخي، وجه رسالة واضحة إلى المجتمع الدولي، مفادها أن حياة الفلسطينيين ليست أقل أهمية من حياة الإسرائيليين، وحياتنا ليست أقل أهمية من حياة الآخرين، وتطبيق القانون الدولي انتقائي، وحقوق الإنسان لها محددات، فهي تتوقف عند الحدود، وتختلف باختلاف الأعراق، والأديان، وهذه رسالة خطرة جدا، والعواقب معها في ظل التقاعس الدولي، ستكون كارثية علينا جميعا.

وأضاف الخريشا إن “السردية الحقيقية للصراع بين الفلسطينيين والإسرائيليين، لم تبدأ منذ السابع من تشرين الأول (أكتوبر) الماضي، كما أوضح جلالة الملك، إذ تحمل الفلسطينيون أكثر من 57 عاما من الاحتلال والظلم والاضطهاد”.

وخلال هذه السنوات، وفق الوزير الأسبق، سُمح للحكومة الإسرائيلية بأن تتجاوز الخط الأحمر تلو الآخر، وما حصل في 7 أكتوبر، ما هو إلا ثمن لصَمت المجتمع الدولي عن تقديم المقاربة الصحيحة للقضية الفلسطينية، وانتقائيته في تطبيق القوانين، وهو ثمن لهذا الفشل في تحقيق تقدم ملموس نحو أفق سياسي، يحقق السلام للطرفين على حد سواء.

وزاد الخريشا إن “الخطاب الملكي التاريخي، شكل في مضمونه الموقف الرسمي العربي، وأعاد التأكيد على مبدأ مد العالم العربي يده لإسرائيل عبر مبادرة السلام العربية، مستعدا للاعتراف التام بها وتطبيع العلاقات معها مقابل السلام، إلا أن الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة، اختارت المواجهة ورفضت السلام، نتيجة للحصانة التي اكتسبتها عبر سنوات في غياب أي رادع لها، لا سيما وأن الكيان الإسرائيلي يسعى إلى إقامة نظام إقليمي في جوهره نظام أمني وإعادة ترتيب المنطقة كما تريدها الصهيونية”.

بدوره، قال عميد كلية القانون السابق بجامعة الزيتونة د. محمد فهمي الغزو، إن الخطاب التاريخي لجلالة الملك، تضمن إشارة جلية وصريحة إلى أن استمرارية الفلتان الإسرائيلي من العقاب، لن تستمر طويلاً، مع وضوح مشاهد قتل الأطفال والنساء، وتدمير المستشفيات والمساجد والكنائس، وتعمد استهداف دور العبادة في قطاع غزة، وغيرها من مناطق الأراضي الفلسطينية المحتلة أمام العالم أجمع، وأن وقف الحرب والوصول إلى أفق سياسي، هو السبيل الوحيد أمام الفلسطينيين والإسرائيليين، والذي يفضي إلى قيام الدولة الفلسطينية المستقلة على خطوط الرابع من حزيران (يونيو) عام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، لا سيما وأن الأردن مهما بلغت التكاليف، لن يسمح بأي شكل من الأشكال بتصدير مشاكل الاحتلال الإسرائيلي ومعضلاته الديموغرافية إلى الأردن.

وتابع الغزو “حتى في حقوق الإنسان، فقد قال جلالة الملك، وبملء الفم، إن هناك ازدواجية في المعايير، فهل تطبق كل معايير حقوق الإنسان على المواطن الفلسطيني؟”. ومن هنا، دخل جلالته، وفق الغزو، إلى صلب الحقيقة، وهو يتحدث عن الدمار والخراب والقتل اليومي الذي تعيشه عائلات وأُسر، بل وشعب كامل في الضفة الغربية وقطاع غزة.

وأضاف “جلالة الملك وفي نظرة للمستقبل، حذر من أن يكون تحقيق الأمن عبر استخدام إسرائيل للوسائل العسكرية، بخاصة وأن كل تصعيد تختلقه يتبعه هدوء مؤقت، وسرعان ما يبدأ تصعيد جديد أكثر فتكا، إذ فإن المطلوب اليوم، هو أن نعود الى كل قرارات الشرعية الدولية، وأن يتم العمل الآن وليس غداً، على إرغام الاحتلال بأن يعترف بدولة فلسطينية، يعيش فيها شعبها بأمن وأمان، فمن غير تحقيق هذا، فإن دوامة العنف ستعود مرات ومرات”.

أستاذ العلوم السياسية بالجامعة الألمانية الأردنية د. بدر الماضي، قال إن روح خطاب جلالة الملك، “تأكيد المؤكد”، فقد جاء شاملا حاسما لكثير من القضايا وبالذات القضية الفلسطينية، وهو ما تجلى في مضامين الخطاب التي جالت على كل ما يجري في المنطقة وأخذت أبعادا استثنائية في عرضها للعالم، بهذه الرؤية العميقة والمحكمة، المحملة بالأسئلة لعالم يغمض عينيه عن الحقائق والحقوق. 

وأكد الماضي، أن جلالة الملك أراد أن يقول للعالم وزعمائه “إنني أقف هنا أمامكم اليوم لأحذر من تداعيات ما يجري في المنطقة، وأنتم والمجتمع الدولي لم يستمع لما حذرت منه في عام 2023 قبل اندلاع الحرب على قطاع غزة”.

ولفت الماضي، إلى أن جلالة الملك أراد أن يرسل هذه الرسالة للمجتمع الدولي، كاشفا فيها عن رؤية حكيمة وحازمة، بين فيها عن “أننا نتعامل مع تداعيات، لم يحسن المجتمع الدولي التصرف معها. ليس فقط منذ 7 اكتوبر، ولكن لم يحسن هذا العالم التصرف معها منذ عام 1948 و1967”.، مشددا على أن جلالة الملك، قدّم وصفا كاملا لما جرى ويجري حاليا في منطقتنا، وفي الضفة الغربية وقطاع غزة على نحو عام، عندما ركز على مجموعة قضايا تعتبر هي المشكلة وهي مفتاح الحل.

ولفت إلى أن جلالته، تحدّث عمّا جرى في 7 أكتوبر وعن العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، والذي لم يميّز بين الأطفال والنساء والمقاتلين، ولم يتوان الاحتلال عن تدمير البنية التحتية بكاملها في غزة، ليس فقط انتقاما لما جرى في 7 أكتوبر، لكن في محاولة منه لتثبيت نهج جديد في المنطقة، يكشف عن دموية إسرائيل وابديتها في التعامل مع الأحداث، بخاصة مع القضية الفلسطينية.

وأوضح الماضي، أن جلالة الملك تحدث وعلى نحو معمق، عن وجوب فرض المجتمع الدولي وصول المساعدات الدولية إلى الأهل في قطاع غزة، للحد من الكارثة الإنسانية التي تسببت بها إسرائيل هناك، كارثة التعطيش والتجويع وتدمير المستشفيات، وكل مظاهر الحياة. 

وأضاف، أن جلالته تحدّث عن الكارثة الإنسانية بأبعادها كافة، الغذائية أو الطبية أو الإنسانية، وفيما يخص النساء والأطفال أو البيوت المهدمة أو غيرها، بإدراك عميق لحجم الكارثة، ورؤية تضع العالم أمام مسؤولياته الأخلاقية والإنسانية، كي يتخذ موقفا جليا من كل هذا الخراب.

وشدد على أن جلالته، تكلم بوضوح عن أن السياسات الإسرائيلية في الضفة، تهجيرية، وتحاول رفع سقف الضغط على الشعب الفلسطيني هناك لأجل تهجيره من أرضه “وكأن الملك يقول لإسرائيل إنك لم تؤمني بالسلام ولم تؤمني بعلاقات ودية وعلاقات حسن جوار مع الأردن أو مع الفلسطينيين الذين وقعوا معاهدة سلام معك”. 

 الإستراتيجي د. منذر الحوارات، إن “خطاب جلالة الملك حمل محددات كثيرة تأتي في سياق الواقع الذي يمر فيه العالم الدولي، مبتدئا بانهيار الثقة بالأمم المتحدة والمنظمات الدولية والثقة بقيمها ومقدراتها على تحقيق العدالة، لأنها باختصار تعجز عن حماية الفلسطينيين وتقديم العون لهم، وهم على مقربة منها”.

ولفت الحوارات، إلى أن الأمم المتحدة والهيئات والمنظمات الدولية، وضعت بعض الدول فوق القانون، وسمحت للعدالة بأن تنصاع للقوة، ورأت بأن حقوق الإنسان تطبق بانتقائية، ومُنحت لشعوب دون شعوب أخرى، مبينا في هذا النطاق، أن جلالة الملك قال “لا يمكننا القبول بذلك”، مطالبا بمساواة جميع الشعوب والأمم، وتلك المطالب القيمية تدعو لإعادة الروح للمنظمة الدولية، كحكومة عالمية يمكنها حماية الأمن والسلم العالميين.

وشدّد الحوارات، على أن وضع الأمم المتحدة الحالي بالنسبة لحديث جلالة الملك، تجلى في تبيان أنها أضحت في أسوأ حال، وبالتالي يجب العمل على إحياء دورها لحل النزاعات العالمية.

وقال إن جلالته “اتهم إسرائيل بأنها استغلت الأحداث في 7 أكتوبر، لتستهدف المدنيين لغايات صهيونية، ثم تابع فيما بعد وركز على الضفة الغربية، معتبرا بأنها لم تقم بطوفان الأقصى أو بأي شيء، ومع ذلك تمارس إسرائيل العدوان عليها، وتحاول أن تهجر سكانها، وأن تغير الواقع الزماني والمكاني في المسجد الأقصى”.

 كلفنا ذلك، فضلا عن اعتبار التهجير جريمة حرب وفق كل ما تعنيه، إلى جانب رفض ما يحدث في القدس والمقدسات من إجراءات، تحاول تغيير الوضع التاريخيّ هناك”.

وحمل خطاب جلالته، الذي قوبل بالتصفيق غير مرة، تركيزًا على البعد الإنساني للفلسطينيين الذين لحق بهم الجوع، بينما قوات الاحتلال تمنع المواد الإغاثية والطبية من الدخول إلى غزة، وفق المومني.

وأكد أن تركيز جلالته الذي يحظى باحترام وتقدير عالميين، وتحرص دول العالم على الاستماع له، وضع إسرائيل في قلب المواجهة مع الحقيقة، فقد تجاوزت كل الخطوط الحمراء، ورفضت كل مبادرات السلام التي تهدف لمنح الفلسطينيين حقوقهم، وتحقيق الاستقرار في المنطقة، ليذكر العالم بأنه يجب ممارسة كل الضغوط على هذه الدولة المارقة، ومحاسبتها على كل جرائمها التي ارتكبتها وتفلت من العقاب، متجاهلة القوانين والشرائع الدولية.

وشدد المومني، على أن الخطاب الملكي كشف زيف صورة هذا الكيان الذي يدعي أنه الدولة الديمقراطية الوحيدة في المنطقة، فيما يجب أن ينظر في عينه لصورة قتل الأطفال والجرائم البشعة التي يرتكبها، مؤكدا أن جلالته جدد دعوة العالم للتحرك للجم إسرائيل، ووقفها عند حدها، حفاظا على الأمن والاستقرار، ليس في المنطقة بل بالعالم.

فيما اعتبر رئيس الجمعية الأردنية للعلوم السياسية د. خالد شنيكات أن الخطاب الملكي جاء في ظل ظروف استثنائية ومعقدة مع تدهور الصراع على نحو كبير وتفاقمه، لافتا إلى أن هذا التدهور بدأ في غزة قبل نحو عام، والآن انتقل إلى لبنان، مع احتمالية تحوله الى حرب شاملة، ما لم يتدخل المجتمع الدولي للجم السلوك الصهيوني، بخاصة وان الاحتلال يعتمد على العنف والقوة في تسوية نزاعاته وباعتقاده أن ذلك يضمن بقاؤه واستمراره.

وقال إن “المكان هو الأمم المتحدة، وهذه المنظمة نشأت لتجنب ويلات الحربين العالميتين الأولى والثانية، بناء على قاعدة العدالة والمساواة وحق تقرير المصير للشعوب الواقعة تحت الاستعمار أو تحت الاحتلال”.

وأكد شنيكات أن جلالة الملك أشار إلى أن القيم التي بُنيت عليها الأمم المتحدة، التي لم يجر تطبيقها في المنطقة نهائياً، وأن المجتمع الدولي تلكّأ في كل ذلك، وأن إسرائيل هي الدولة التي بقيت فوق القانون.

وقال إن المجتمع الدولي لم يستطع فرض القيم التي تمثلها. مشيرا إلى أن جلالة الملك تحدّث عن أكثر من 42 ألف شهيد بسبب الحرب على غزة، بالإضافة للأطفال، وانتقل في حديثه إلى الضفة وتحدث عن أرقام تجاوزت الـ700 شهيد والعشرات من الأطفال.

كما تحدّث جلالته عن محاولة إقصاء الآخر، وإلغاء وجوده عبر القوة واحتلال الأراضي، ومحاولة القفز عن المشكلة الحقيقية لهذا الصراع، الذي امتد إلى لبنان في الآونة الأخيرة، مبينا أن الرؤية التي يطالب بها جلالة الملك، هي رؤية حل الدولتين، لأن حل الدولة الواحدة يعني العنصرية وغياب المساواة والمزيد من دورات العنف.

وأضاف شنيكات، أن “غياب تطبيق قرارات الأمم المتحدة وبرغم أن الأردن والعالم العربي ككل سعى منذ البداية لمد يده للسلام مع إسرائيل، وقبولها كطرف وكدولة طبيعية في المنطقة، إلا أنها لم تلتزم باستحققات السلام، واستمرت بسياستها بخاصة مع سيطرة المتطرفين على صناعة القرار فيها”، وتجلّى ذلك بمحاولة انتهاك القدس، والأماكن المقدسة الإسلامية، وتغيير الواقع التاريخي والجغرافي للمدينة المقدسة، ومحاولة فرض سياسات الأمر الواقع وإلغاء الديانات، بعد أن كانت القدس رمزا للسلام والاستقرار. 

وأوضح أن جلالة الملك، أشار إلى أن هذه السياسات في النهاية، لا يمكن أن تنجح، وأن محاولة طرد الفلسطينيين عبر التهجير إلى الأردن لن تتم، وأن المملكة لن تقبلها نهائيا.

وقال شنيكات، إن جلالته طرح فكرة أن يكون الأردن بوابة للمساعدات الدولية والمدخل الأساسي لهذه المساعدات، ضمن أطر وجهد من المجتمع الدولي لدعم الشعب الفلسطيني، مضيفا أن جلالته قال إنه بسبب السياسات الإسرائيلية، تقف الشاحنات التي تحمل العلم الأزرق على بعد عدة أمتار، في حين يتضوّر الفلسطينيون جوعا، وتُمنع عنهم المساعدات الإنسانية، في محاولة لاستخدام هذه المساعدات كأداة من أدوات الحرب وفرض سياسة الأمر الواقع. 

وأكد أنه ما يزال مطلوبا من المجتمع الدولي إذا أراد المساواة والعدالة والحفاظ على قيم الأمم المتحدة، فلا بد من أن يتدخّل بقوة وألا يكتفي فقط بالتصريحات، بل عليه العمل الجاد والمستمر لضمان أن تكون الدولة الفلسطينية حجر استقرار في المنطقة، والاعتراف بوجود الفلسطينيين، وأن “استحالة أن تحكم شعب أو تمحي تاريخه وتراثه وقيمه لصالح شعب آخر عبر القوة”.