مرايا – في عام 1965 اكتشف الناس الذين يعيشون في جبال مورينا بإسبانيا، ماركوس رودريغز بانتوخا، الذي أُطلِقَ عليه اسم “ماوكلي إسبانيا”، بعدما عاش في كهفٍ مع مجموعةٍ من الذئاب، بحسب ما ذكرته صحيفة “Theguardian” البريطانية، الأربعاء 11 أبريل/ نيسان 2018.
وبانتوخا، الذي كان موضوع فيلمٍ وثائقي صدر عام 2010، ماتت والدته عندما كان صغيراً، وباعه والده لمزارع محلي مات هو الآخر بعد ذلك بوقتٍ قصير. وأشارت الصحيفة البريطانية إلى أنه يُقدّر أنَّ بانتوخا كان في السادسة من عمره عندما انسحب إلى الجبال ليعيش مع مجموعة الذئاب، التي ستصبح عائلته لـ12 عاماً بعدها.
أصبح سن بانتوخا الآن 72 عاماً، ووصف الحياة التي قضاها وسط البشر بعد أن ترك الذئاب بأنها مخيبة للآمال. حتى أنَّه حاول العودة إلى الجبال، ولكن “لم يعد الوضع كما كان” حسبما أخبر جريدة El Pais، فقد نسيته الذئاب.
وقال: “إذا ناديتهم، سيردون عليّ، ولكنَّهم لن يقتربوا مني، فرائحتي مثل البشر، وكذلك أصبحتُ أضع عطر الكولونيا”.
ويعيش بانتوخا في الوقت الحالي داخل منزل مساحته صغيرة ومظلم الأركان في قرية رانتي، في مقاطعة أورينسي التابعة لمنطقة غاليسيا.
وقد مرّ الشتاء الماضي بصعوبة على رودريغيز، حيث غالباً ما ينتابه سعال عنيف يمنعه من مواصلة حديثه. وتعود آخر ذكرى سعيدة عاشها بانتوخا إلى طفولته حين كان يعيش مع الذئاب، إذ قبلته جراء الذئب كأخ لها، في حين علمته الذئبة التي سهرت على إطعامه، معنى الأمومة.
ونام الرجل داخل الكهوف رفقة الخفافيش والثعابين والغزلان، واعتاد الاستماع إلى الأصوات التي تصدرها أثناء صراخها وعوائها.
وقد تشاركت الحيوانات في تلقين رودريغيز فنون البقاء على قيد الحياة، كما أنه توصل بفضلها إلى تعلم أي الأنواع من الفطر أو التوت البري قابلة للأكل، بحسب ما ذكرته الصحيفة الإسبانية.
غير سعيد
ويعاني بانتوخا “الصبي الذئب سابقاً” الأمرّين، بعد أن اكتشف الحرس المدني وجوده صدفة بعد بلوغه 19 سنة، وتم نقله إلى موطنه الأصلي. وتُمثل برودة عالم البشر أكبر معاناة لهذا الرجل، وهو أمر لم يكن له وقع كبير على نفسه عندما كان يعدو بحرية رفقة الذئاب، حافي القدمين ومكتفياً بقدر ضئيل من الملابس التي تستر عورته.
ويعود بانتوخا بالذاكرة إلى الوراء، حيث قال :”كانت لدي نتوءات ضخمة على قدماي، جعلت ركل صخرة بمثابة ركل كرة عادية”. إلا أنه بعد إلقاء القبض عليه، انهار عالم بانتوخا ولم يتمكن من التعافي تماماً من هول الصدمة.
وقالت صحيفة El Pais إنه تعرض للخيانة والإساءة، بالإضافة إلى استغلاله من قبل أرباب العمل في قطاع السياحة والإنشاءات، ويضاف إلى ذلك عجزه عن الاندماج مجدداً وبصفة كاملة بين البشر، لكن وعلى الرغم من ذلك، تقبله جيرانه في قرية رانتي بصدر رحب وعاملوه كواحد منهم.
وفي الوقت الحالي، تضطلع جمعية “أصدقاء الأشجار”، التي تُعنى بالبيئة، بجمع المال للمساعدة على تحصين منزل بانتوخا وتمكينه من شراء سخّان، وهي أغراض لا يمكنه اقتناءها بسبب معاشه القليل.
ومثلت خبرة بانتوخا التي اكتسبها طوال السنوات التي قضاها في الغابة، موضوع دراسات أنثروبولوجية مختلفة، كما انبثق عنها عدة مؤلفات، على غرار كتاب غابرييل خانير، وفيلم “بين الذئاب”، سنة 2010، لمخرجه خيراردو أوليفاريس.
وشدد بانتوخا على أن حياته أمست أكثر صعوبة منذ أن أُعيد إلى العالم الحديث، وقال: “أعتقد أنهم يسخرون مني لأنني لا أعرف شيئاً حول السياسة أو كرة القدم”، لكنه تذكر نصيحة طبيبه الذي أشار له بالسخرية منهم بدوره لأنهم يعرفون أقل منه”، مشيراً في ذات الوقت أنه على الرغم من مواجهته لكثير من الأشخاص السيئين في حياته، إلا أنه لم ينف أن هنالك من تضامن معه.
بانتوخا ليس الأول
ولم يكن بانتوخا الوحيد الذي تحولت الذئاب إلى عائلة له. في العام 1972 عُثر على الطفل شامديو الذي كان عمره 4 سنوات في إحدى غابات الهند، ووفقاً للمصورة جوليا فوليرتون-باتن، التي بدأت مؤخراً مشروعاً بعنوان “الأطفال الوحشيون”، كان شامديو يلعب مع أشبال الذئاب.
وأضافت: “كانت لديه أسنانٌ حادة، وأظافر معقوفة طويلة، وشعرٌ مُتلبِّد، وكانت لديه نتوءات في كفيه وكوعيه وركبتيه. وكان مولعاً بمطاردة الدجاج، ويمكن أن يأكل التراب، وكذلك لديه رغبة في تناول الدم”. وتُوفي الصبي عام 1985، ولا يتضح إذا كان قد تأقلم تماماً مع البشر.
وهنالك قصة أخرى تعود إلى عام 1304 عن طفل خطفته الذئاب وربته في منطقة هسن الألمانية. ووفقاً لترجمة كارل ستيل الخبير في دراسات حالات الحيوانات الحرجة وما بعد الإنسانية، كانت الذئاب الشغوفة بالطفل هي التي تُعد له وجبات الطعام، وصنعت له حفرة صغيرة زودتها بأوراق الشجر لحمايته من البرد وفقاً للتقارير. ومثل بانتوخا، يبدو أنَّه فضّل العيش مع الذئاب.
“الفتى الكلب” من تشيلي
وفي العام 2001 نشرت قناة الأخبار ABC News الأميركية قصة “الطفل الكلب” الذي لم تُحدد هويته، والذي تركته والدته ذات الـ16 عاماً، وبعد قضاء فترةٍ تحت الرعاية، هرب ليعيش وسط مجموعةٍ من الكلاب البرية في كهف.
كان الصبي يبحث عن الطعام مع الكلاب، ويأكل من حاويات القمامة. ويُقال إنَّه رغب بشدة في البقاء مع عائلته الجديدة، حتى أنَّه قفز في المحيط الهادئ هرباً من قبضة الشرطة.