مرايا – لا أحد منا نحن البشر أو سائر الكائنات الأخرى قد يرحب بالموت في حالته الطبيعية، وبطبيعتها الاعتيادية، لا تكون معظم حالات الوفيات سوى أمرا عاديا لا حدث استثنائي يشوبه، لكن بإمكان الطبيعة أن تكون قاسية واستعراضية أحيانا فيما يتعلق بالموت، مقدمة للعلم مهمة لا يحسد عليها تتمحور حول الخوض في تفاصيل بعض أكثر حالات الموت بشاعة، ودراستها وكيفية حدوثها خطوة بخطوة.
ليك عزيزي القارئ مجموعة من خمسة طرق عرضية مريعة بحقّ تؤدي بك إلى مغادرة هذا العالم، بالإضافة إلى العلم ”المثير للقشعريرة“ وراء حدوثها.
تنويه: قد لا تكون معظم هذه الحالات مؤلمة بالنسبة لضحاياها، لكن الملاحظ لا يحسد على مشاهدتها وهي تحدث.
1. الجماجم المفقودة في (روما) القديمة:
ليس الموت جراء التدفق البركاني Pyroclastic Flow (وهو تيار سريع الحركة من الغاز والصخر الساخن والذي يتحرك بعيدًا عن البركان بسرعات تتعدى 80 كم في الساعة) طريقة جيدة بأي شكل للرحيل عن هذا العالم، وعلى الرغم من كون عقول الجميع تقفز مباشرة إلى حادثتي (بومبي) و(هيركيلانيوم) في سنة 79 قبل الميلاد عندما يتعلق الأمر بالبراكين، فإن هذه المخاطر ليست حكرا على الماضي فقط.
بتحركها بسرعة تقدر بثمانين كيلومتر في الساعة، بل وقد تكون أكبر بكثير، بإمكان المزيج الحار جدا من الغازات وفقاعات الحمم البركانية وكذا الحجارة المقذوفة أن تصل حرارته إلى 1000 درجة مئوية، كما ستعمل على محق كل ما تجده في طريقه حرفيا.
عندما انفجرت هذه التيارات الحارة الجهنمية على طول أسطح المنازل وخلال الشوارع شُوي على الفور كل شخص وقف في طريقها، فشويت الجلود على الفور ولقي الضحايا مصرعهم جراء صدمة الحرارة المرتفعة جدا، مما تسبب في تجمدهم في وضعيات يحكمون فيها على قبضاتهم وكأنهم ملاكمون -تيبس الجثة- ذلك أن عضلاتهم تقلصت بشكل حاد ومفاجئ، وكان كل شخص غير محظوظ نجى من مرحلة المحق الحراري هذه ليختنق تحت الغازات البركانية السامة، والرماد البركاني.
هناك تفصيل واحد حول الحادثة كذلك يبعث على القشعريرة، على الرغم من أن هذا لم يتم ذكره من قبل، حيث وُجد أن جماجم العديد من الضحايا في (هيريكالينيوم) و(أوبلونتيس)، وهي مدن قريبة من (بومبي)، كانت قد تحطمت وتناثرت، وهو ما يفسر بأن درجة الحرارة الحادة الارتفاع في محيط المدينتين كانت قد تسببت في غليان السوائل داخل أدمغة وجماجم الضحايا، وفي غضون لحظات قليلة، كان هذا ليتسبب في انفجار رؤوسهم حرفيا، هل جعل هذا دماغك ينفجر عزيزي القارئ؟
2. حادثة غرفة الغطس (ناقوس الغواص):
الـByford Dolphin، أو (دلفين بيفورد)، هو آلة حفر آبار نفط نصف غواصة تعود ملكيتها لشركة (بريتيش بيتروليوم) British Petrolium، تتموقع في البحر الشمالي.
كانت حفارة آبار النفط هذه تقوم بعملها الاعتيادي في شهر نوفمبر من سنة 1983، وكان العديد من الغواصين يعملون على حقل غاز (فريغ) Frig بمساعدة (غرفة غطس) Diving Bell، وهي غرفة صلبة تم تصميمها لنقل الغواصين إلى أعماق سحيقة وخطيرة.
بينما تتعرض هذه الغرف الغاطسة إلى ضغط خارجي هائل بغطسها إلى أعماق سحيقة، يتم ضغط الهواء داخلها بشكل كبير، كما بإمكان الضغط الجوي داخلها أن يكون عاليا جدا.
تتضمن بعض الإجراءات ”الآمنة“ تموضع غواصين إثنين خارج الغرفة من أجل ضمان ربطها بسلسلة من الحجيرات والخزّانات ذات الضغط الجوي المنخفض، وكذا السماح لكل من يوجد داخلها بالخروج من غرفة الغطس دون تعريض أنفسهم لانخفاض مفاجئ في الضغط.
في ذلك اليوم، كان يتم رفع غرفة الغطس خارج المياه إلى عمق ضحل، وكانت الإجراءات السابقة ذكرها تجري بشكل طبيعي، على الأقل في بادئ الأمر.
كان الغواصون قد غادروا غرفة الغطس، وكانوا متواجدين في ممر يشبه الخزّان محكم الإغلاق، يتوسط غرفة الغطس وحجيرات الضغط، وكان هناك غواصان آخران في مقطورة أخرى من نفس الحجيرة.
وفقا لقناة (هيستوري) History، كانوا على وشك غلق الباب بين ممر الخزان والحجيرة، عندما حدث أمر لم يكن في الحسبان؛ تم إلقاء اللوم في ذلك على الفتح المبكر لمشبك غرفة الغطس والمعدات التي لم تكن بحالة جيدة، حيث انفتح ذات المشبك بشكل مفاجئ، مما تسبب في انخفاض ضغط انفجاري داخل غرفة الغطس التي كان الضغط داخلها يعادل تسعة مرات الضغط داخل الحجيرات، فلقي الغواصون الأربعة والغواص المرافق خارج الغرفة مصرعهم على الفور.
كما تم تفصيله بالشرح في دراسة سنة 1988 حول الحادثة: قتل ثلاثة من الغواصين الأربعة على الفور بسبب تسبب الانخفاض المفاجئ والانفجاري في الضغط بتوسع السوائل والهواء داخل أجسامهم بتسارع كبير، مما أدى بدوره إلى تقطع أحشائهم الداخلية.
تم الإلقاء بالغواص الذي كان بالقرب من الباب وحشره خلال فتحة يبلغ حجمها 60 سنتمترا، كانت بين باب الخزان والحجيرة عندما وقعت الحادثة، مما تسبب في تقطع أطراف جسمه وانفصالها عن بعضها البعض بالكامل، مع كون بعض أجزاء جسمه عثر عليها لاحقا منثورة حول محيط آلة الحفر.
دونت الدراسة: ”تم إرسال بقايا الغواصين الأربعة إلينا في أربعة أكياس بلاستيكية“، شارحة كيف أن العديد من أطراف أجسامهم، بما في ذلك الأدمغة، والأجهزة التنفسية، وغيرها قد محيت من الوجود أساسا، وبشكل غريب، عثر على ”كبد“ في مكان ما على السطح، ”كانت حالته كاملة كما لو تم استئصاله من الجسم من طرف جراح“.
وتضيف الدراسة: ”كان القضيب موجودا… لكنه كان مقلوبا داخله خارجا وخارجه داخلا“.
3. التعرض لضربة صاعقة داخلية:
إن احتمالات تعرضك للموت بسبب التعرض لضربة صاعقة، بل أن احتمالات تعرضك لصاعقة هي ضئيلة بشكل كبير، حيث تقدر بواحد في الـ1083000، وذلك خلال سنة عادية في الولايات المتحدة الأمريكية على سبيل المثال، فهناك احتمال كبير أن تموت جراء سقوطك من السلالم أكثر من احتمال موتك جراء تعرضك لصاعقة، لذا يجب عليك القلق بشأن الجاذبية أكثر من البرق.
أما احتمالات الموت جراء التعرض لضربة صاعقة بينما تكون داخل المنزل فهي ضعيفة تكاد لا تذكر، لكن دراسة تم نشرها في (بوبيلار ساينس) Popular Science سنة 2017 تشرح بالضبط كيف كان أحدهم قد تعرض لصاعقة داخل المنزل أدت إلى مقتله.
كان هذا الرجل يعمل بالقرب من عمود معدني، وبين دعامتين معدنيتين توضعان من أجل تثبيت أجذع الأشجار ليتم قطعها بالمنشار، عندما كانت عاصفة رعدية على وشك تقرير مصيره حرفيا.
أطلقت تلك العاصفة صاعقة كهربائية مرت خلال العمود المعدني، وقفزت خلال قدم الرجل، ومرت خلال قلبه، ثم خرجت عبر إبهام يده الأيمن.
تعرض نسبة 70 بالمائة من جسم الضحية إلى حروق من الدرجة الأولى والثانية والثالثة، كما أوضحت الدراسة أن ”الجثة أظهرت تصلبا غير عادي لا يمكن التغلب عليه بالقوة اليدوية، ومنه لا يسعنا تفسيره سوى بـ”تيبس الجثة“ بعد الموت.“
4. التحلل داخل بركة مياه ينابيع حارة بركانية:
قد يكون المتنزه الوطني الأمريكي (ييلوستون) Yellowstone على قمة أكثر البراكين الهائلة شهرة، لكن ليست الشهرة كل ما في الأمر عندما يتعلق الأمر بهذا البركان، حيث أنه على الرغم من كونه خامدا حاليا، لكن طاقته الحرارية الأرضية وتلك الخاصة بينابيعه الحارة ليست كذلك.
قد تكون هذه البرك ذات الطاقة الحرارية الأرضية التي يعج بها المتنزه إما أساسية قوية أو حمضية للغاية، كما أنها دائما حارة للغاية، مع درجة حرارة مياهها في عتبة الغليان تقريبا على الدوام.
لا ينصح بتاتا بالسقوط داخل إحدى هذه الحفر، لكن بين الفينة والأخرى يسقط أحدهم فيها للأسف، وذلك راجع في أغلب الأحيان إلى تغليب الجرأة على العقل.
سقط رجل مؤخرا في إحدى هذه البرك ضمن نطاق (نوريس جيزر باسين) أو (حوض ينابيع المياه الحارة نوريس)، وقد حرصت مياهها الحمضية جدا ذات درجة الحرارة العالية على أن يختبر ميتة لم يسبق لها مثيل.
في البادئ، قد يكون الضحية قد اختبر حروقا من الدرجة الثالثة، مما ينتج عنه الاحتراق التام والتلف على مستوى طبقاته الجلدية الثلاثة، ثم اسودادها وتمزقها، كما قد تكون الدهون تحت جلده قد تعرضت للغليان والمحق كذلك.
بشكل مثير، كل مما سبق لن يكون قد تسبب له سوى بألم قليل جدا، ذلك أن نهاياته العصبية قد تكون احترقت وزالت هي الأخرى تاركة إياه عاجزا عن الشعور بأي شيء تقريبا، ثم قد يكون بعدها عانى من صدمة حرارية عظيمة يتلوها نزيف حاد، وذلك على الرغم من كون ما تسبب في مقتله أولا غير واضح تماما.
وفي غضون أقل من يوم واحد، تحلل جسمه كاملا، بما في ذلك هيكله العظمي، ولم يتم العثور على أية بقايا له، خذوا هذه الحادثة كعبرة يا أولاد: ستعمل الينابيع الحارة على إذابتكم حرفيا، مثل مكعب سكر في كوب قهوة ساخنة.
5. الموت بين فكي أفعى الشجر Boomslang:
على الرغم من أن اسم هذه الحية يبدو وكأنه سلاح، أو أحد مكونات السلاح من العالم السحري لسلسلة أفلام (هاري بوتر)، فإن أفعى الشجر هذه عبارة عن ثعبان سام جدا.
على الرغم من كون هذا النوع من الثعابين لا يعتبر عدوانيا، فإنها إن شعرت بالتهديد فقد تهاجمك على الفور دونما أي تردد، وإذا ما تمكنت أنيابها الخلفية بشكل ما من اختراق جلدك، فستتعرض لشحنة كبيرة من السم القاتل، ستسري خلال جسمك في لحظات.
بفضل ”الحياء“ الذي تتصف به هذه الثعابين، وبفضل توفر الترياقات المضادة، فلن تموت جراء لدغتها إلا إذا كنت غير محظوظ إلى أبعد الحدود.
لسوء الحظ، كان ذلك هو المصير المحتوم الذي لاقى عالم الزواحف والبرمائيات Herpetologis (كارل شميدت)، الذي أحضر إليه نوع من هذه الثعابين من أجل تصنيفه في شهر سبتمبر من سنة 1957 في متحف (شيكاغو) الطبيعي، وتماما مثلما تم توضيحه في شريط فيديو من إعداد قناة (ساينس فرايداي) Science Friday، لدغ هذا الثعبان السام إبهام السيد (شميدت) الأيسر خلال قيامه بفحصه، قام بعد ذلك هذا الخبير بتوثيق تأثير السم على جسمه، ثم توفي للأسف الشديد بحلول اليوم الموالي جراء تعرضه للسم.
من خلال ما ذكره في دفتر يومياته، لم تكن ميتة سهلة، ولا ممتعة كذلك: بدأ الأمر بدوار قوي، ثم تطورت لديه قشعريرة قوية تلتها هزات حادة وارتفاع سريع في درجة حرارة جسمه، بدأ بعدها ينزف من فمه، ثم بدأ يتبول بعض الدم خلال الليل، قبل أن يتقيأ بشكل عنيف كل ما كان قد تناوله على وجبة العشاء.
استمر النزيف، وهذه المرة من خلال فتحات عديدة في جسمه، بما في ذلك أنفه وعيناه لبعض من الوقت اللاحق، قبل أن يفقد أخيرا القدرة على الاستجابة لأي محفز خارجي.
توفي لاحقا في وقت قصير جراء شلل تنفسي في ذلك المساء، بينما بدأ قلبه ودماغه ينزفان كذلك.
استُنتج لاحقا أن سم ثعبان (أفعى الشجر) يتسبب في جعل الجسم ينتج الكثير من خثرات الدم الصغيرة والغزيرة، مما يجعله غير قادر على التخثر في الحال بشكل فوري وكامل، وبشكل فعال، يجعل هذا الأمر فريسة هذا الثعبان تموت جراء استنزافها حرفيا.