مرايا – خضعت شابة أمريكية لعملية جراحية ناجحة لزراعة وجه كامل. ووصفت كايتي ستبلفيلد العملية الجراحية التي خضعت لها من أجل زراعة وجهها الجديد بأنها “أطول نومة” في حياتها.
وكانت كايتي في الثامنة عشرة من عمرها، عندما تعرضت للإصابة بطلق ناري في الوجه تسبب لها بمضاعفات كبيرة وذلك في شهر مارس من العام 2014. وأجرى العمليةَ، وهي الثالثة لزراعة وجه في مستشفى كليفلاند كلينك بالولايات المتحدة، فريق من 11 جرّاحاً من كليفلاند كلينيك بجانب عدد من المختصين الطبيين. وتُعتبر العملية الأولى التي تُجرى في المستشفى لزراعة وجه كامل.
وتُعدّ كايتي أصغر شخص في الولايات المتحدة، وأحد أصغر الأشخاص في العالم، ممن تُجرى لهم عملية مماثلة.
وشملت الجراحة زراعة لفروة الرأس والجبين والأجفان العلوية والسفلية ومحيط العينين والأنف والخدود العلوية والفك العلوي ونصف الفك السفلي والأسنان العلوية والأسنان السفلية والأعصاب الجزئية للوجه وعضلات الوجه والجلد، مع استبدال كامل أنسجة الوجه.
وما زالت طريق العلاج طويلة أمام كايتي، بالرغم من العملية الجراحية، فهي حالياً تعاني عجزاً في الإبصار وبدأت في تعلّم لغة “بريل” للمكفوفين، كما خضعت لجراحات إضافية لتحسين عمل اللسان والفكين. لكن يبدو أنه سيكون بإمكانها في نهاية المطاف الالتحاق بالدراسة الجامعية وممارسة حياتها باستقلالية.
وأظهرت كايتي عزيمة كبيرة أمام لجنة الأخلاقيات الطبية في مستشفى كليفلاند كلينك، حين أخبرت اللجنة خلال اجتماع لضمان جاهزيتها للعملية الجراحية بأن عليها “المضيّ قدماً وعدم التراجع”.
الانطلاق في طريق التعافي
كانت كايتي قد تعرضت لإصابات تهدد الحياة نتيجة تعرضها لرصاصة في الوجه، لكن بالرغم من أن الطلقة اخترقت فمها وجوفها الأنفي وخرجت من جمجمتها بين حاجبيها، فقد ابتعدت بأعجوبة عن أنسجة الدماغ. وقد نقلها المسعفون على عجل في سيارة إسعاف إلى مستشفى بالقرب من مدينة أوكسفورد بولاية مسيسيبي بعدما أخضعوها للتنفس الصناعي. وعندما استقرت حالتها، نُقلت على متن مروحية إلى مركز لعلاج الإصابات الخطرة يقع في ولاية مجاورة. حيث أدخلت إلى غرفة العمليات لتُجرى لها عملية جراحية كانت الأولى في سلسلة من العمليات التي سوف تُجرى لها على مدى سنوات.
وقد نُقلت كايتي بعد ذلك بخمسة أسابيع إلى مستشفى كليفلاند كلينك الواقع في ولاية أوهايو شمالي البلاد، حيث سنحت أمامها فرصة إجراء جراحة لزراعة الوجه، وهي عملية سبقها عدد من العمليات التحضيرية التي شملت عملية جراحية لترميم الفكّ باستخدام عظام استُخرجت من ساقها فضلاً عن رقع جراحية معدنية.
وشارك عشرات الأطباء من مختلف التخصصات الطبية، كالعظام والأعصاب والعيون والأسنان والغدد الصماء وغيرها، فضلاً عن جراحيين تجميليين وعشرات الممرضين والمعالِجين، في العمليات الجراحية وجلسات العلاج العديدة التي أجريت لكايتي، التي تُمضي رحلة العلاج الطويلة تحت إشراف الدكتورة كاثي كوفمان، التي قدّمت الاستشارات الطبية والجراحية كذلك للحالتين الطبيتين للمريضين السابقين اللذين خضعا لجراحة زراعة الوجه في كليفلاند كلينيك.
وعادة ما يبدأ تقديم الاستشارات في مثل هذه الحالات قبل عام من الجراحة ويستمر ذلك حتى سنة كاملة بعدها أو أكثر. وكانت الدكتورة كوفمان قد ذكرت أن زراعة الوجه، بجانب تقديم الرعاية النفسية الصحيحة، “يمكن أن تتيح للمرضى استعادة هويتهم، وإحياء علاقاتهم الاجتماعية وتوطيدها، وتمكينهم في نهاية المطاف من استعادة الإمساك بزمام الأمور في حياتهم”.
وعندما اقتربت كايتي من عملية زراعة الوجه، كانت الدكتورة كوفمان تلحّ عليها بالأسئلة، كي تضمن أن يتمّ إجراء هذه العملية وفق إرادتها ورغبتها الكاملة.
وقد أشارت والدة كايتي، إليسيا، إلى حوار دار بين ابنتها والدكتورة كوفمان، استمرت الأخيرة خلاله في سرد المخاطر المرتبطة بالعملية الجراحية، لكن كايتي، التي استمعت مطولاً إلى طبيبتها الاستشارية، أكّدت رغبتها وتمسّكها بإجرائها، بحسب الأم التي كرّرت قول ابنتها: “أريد أن أخرج إلى العالم مجدداً وأحقق التفاعل والتواصل الطبيعيين مع الناس”.
وضع خطة العملية الجراحية
وقّعت كايتي استمارات الموافقة على إجراء جراحة زراعة الوجه في نوفمبر 2015، أي قبل 18 شهراً من إجراء العملية، وذلك ليتمّ إعدادها بدنياً وذهنياً، ويبدأ البحث بعد ذلك عن متبرع مناسب.
وأوجدت البنية الجسدية الصغيرة لكايتي، وسنها الصغيرة، بعض الصعوبة، إذ قلّل ذلك من أعداد المانحين المحتملين، الذين كانت غالبيتهم من الذكور أصلاً. وعلاوة على ذلك فإن المانحين كانوا يفضلون التبرع بأعضاء أخرى غير الوجه لمنفعة حالات مرضية أخطر وأكثر تهديداً للحياة، مانحين ذلك الأولوية على التبرع بالوجه.
وأشار الدكتور براين غاستمان، الجراح التجميلي الرئيس وعضو الفريق الجراحي الذي أجرى عملية زراعة الوجه الكامل لكايتي، إلى أن أبرز مخاوفه تمثّلت في تأمين المانح المناسب والملائم تماماً للمريضة.
وتمّ، خلال الأشهر التي سبقت الجراحة، تشكيل الفريق الجراحي الذي سيُجري العملية لكايتي. وتولى الدكتور فرانك باباي، رئيس معهد كليفلاند كلينك لجراحة الجلد والتجميل، الإشراف على الفريق الجراحي بمعيّة الدكتورة ماريا سيميونو، المدير السابق لقسم أبحاث جراحة التجميل في كليفلاند كلينك.
وأجرى فريق زراعة الوجه، خلال الاستعداد للعملية الجراحية الكبرى، العديد من جراحات الممارسة، لجأ في بعضها إلى استخدام تقنية مبتكرة تدعى “هولو لينس” HoloLens، وهي أداة حاسوبية مستقلّة تقوم على تقنيات الواقع المختلط ويسمح عملها للجرّاح بمشاهدة صور مجسمة ثلاثية الأبعاد لرأس المريض أثناء إجراء الجراحة. وسمحت هذه التقنية للجرّاحين بالتدرّب على ممارسة جوانب مهمة من العملية الجراحة قبل الدخول إلى غرفة العمليات والشروع في إجرائها.
وأكّد الدكتور غاستمان أن أعضاء الفريق تبادلوا الأفكار بتأنٍّ وتحاوروا بشأن ما ينبغي وما لا ينبغي القيام به في العملية الجراحية التي وصفها بـ “المعقدة للغاية”، لافتاً إلى أن كل عملية زراعة للوجه هي عملية “فريدة من نوعها”، ومؤكداً أن الفريق ناقش جميع احتمالات الخطر المتصلة بالعملية واتخذ القرارات بشأنها.
بزوغ فجر جديد
وضع الفريق الجراحي منذ تشكّله نصب عينيه هدفاً نهائياً يتمثل بزراعة الوجه، بعد أن أدرك أن ترميم وجه كايتي وحده لن يصحّح التشوه الذي أصابها أو يرتقي بجودة حياتها. لذا حرص الجراحون، خلال جراحات الترميم التحضيرية، على حماية أية أوعية دموية يُحتمل استخدامها في عملية الزراعة.
وقال الدكتور باباي إن جراحة التجميل تتمحور حول “استعادة الشكل والوظيفة”، معتبراً أن الوظيفة تأتي قبل الشكل، ومشيراً إلى أن كايتي عانت سوءاً شديداً في هاتين الناحيتين.
ومرّت ثلاث سنوات منذ أن وصلت كايتي إلى مستشفى كليفلاند كلينك حتّى تلقّى المستشفى الواقع في أوهايو اتصالاً يفيد بالعثور على متبرعة ملائمة، وكانت كايتي عندها مستعدّة للدخول في أطول “نومة” في حياتها.
وكان كل من الدكتور باباي والدكتور غاستمان، في عدّة مراحل خلال العملية التي استغرق إجراؤها 31 ساعة، يغادران غرفة العمليات وفي حوزتهما صور عدّة التقطت أثناء الجراحة، وذلك لمناقشة الخطوات والخيارات التالية مع والدي كايتي؛ روب وأليسيا.
وأوضح الدكتور باباي: “كنا مستعدين جيداً للعملية، ومدركين بأن الخطة المتفق عليها يمكن أن تتغير في منتصف العملية، وهذا ما حدث. لقد انتهى الأمر باستخدام قدر أكبر من المخطط له في الأصل من وجه المانح، وتوجهنا في منتصف الجراحة إلى الخيار البديل الذي كان من شأنه أن يزيد المخاطر لكنه سيحسن من الشكل والوظيفة على السواء”.
وكان إشراك الفريق الطبي والجراحي والدي كايتي في اتخاذ القرارات منذ اللحظات الأولى في رحلة العلاج، قد أثار دهشتهما، لكن أليسيا أبدت تقديرها للاهتمام الذي أظهره الأطباء بالحصول على رأييهما وحرصهم على مساهمتهما في صناعة بعض القرارات التي كان لها تأثيرات تتعلق بالشكل الجمالي لوجه ابنتهما، ولكنها تنطوي في الوقت نفسه على مخاطر عدّة.
وفي نهاية المطاف، استبدل الأطباء، عبر لجوئهم إلى الخطة البديلة، أنسجة وجه المانح بجميع أنسجة وجه كايتي، وشمل ذلك المنطقة من منتصف فروة الرأس نزولاً إلى الفك السفلي وحدّ الرقبة. وعلاوة على ذلك، لجأ الأطباء إلى تعويض عظام من الفك العلوي والمنطقة تحت أرضية محجري العينين وثلثي الفك السفلي، من عظام المتبرعة. وكان ضمان سلامة الأوعية الدموية وحملها الدم بكميات كافية أحد أصعب أجزاء العملية الجراحية.
وأجريت لكايتي في كليفلاند كلينك ما مجموعه 17 عملية جراحية، حسّنت لديها وظائف التنفس والمضغ والبلع وزادتها فعالية، كما جعلتها قادرة على رسم التعابير النفسية والمشاعر التي تخالجها، بطريقة أفضل، على وجهها. وإضافة إلى التحسّن الكبير الذي حدث في وظائف كايتي الجسدية، فإنها تسير في طريقها إلى تعزيز الوظائف الفسيولوجية والنفسية والاجتماعية.
ووصف الدكتور باباي عملية زراعة وجه كايتي، بعد مرور عام على إنجازها، بالناجحة، مؤكداً أن المريضة لم تعانِ أياً من علامات الرفض للوجه الجديد، أو الآثار الجانبية الناجمة عن العقاقير المثبطة للمناعة. وقد أُجريت للمريضة سلسلة من العمليات اللاحقة لضبط بعض المجالات التي شملت لسانها لتحسين الكلام، سارت جميعها وفق ما هو مخطط له.
وبعيداً عن الإنجازات الطبية، أعرب الدكتور باباي عن ثقته بأن كايتي ما كانت لتبدأ حياة جديدة من دون الدعم المستمر الذي حظيت به من والديها وأشقائها وأفراد أسرتها، الذين عانوا جميعاً “صدمة عاطفية”، على حدّ تعبيره، وقال: “جميعهم يتسم بقدر عالٍ من المرونة، وأنا فخور بهم بقدر ما أنا فخور بكايتي”.
وقالت كايتي في بيان أعدته لوسائل الإعلام في أعقاب العملية الجراحية لزراعة وجه كامل، إنها ممتنة لجميع المعنيين بمسيرة علاجها، وأضافت: “أنا ممتنة إلى الأبد للرعاية التي قدمها ولا يزال يقدمها لي هذا المستشفى في رحلتي نحو التعافي والشفاء، كما أنني في غاية الامتنان للمتبرعة وأسرتها، ولا يمكن للكلمات أن تعبّر تعبيراً بليغاً عن التقدير الذي أكنّه لهذا التبرع السخيّ، لكنني أقول شكراً لكل من جعل هذا الأمر ممكناً”.