مرايا – ذات ليلة، تلقت الشابة هلا رسالة عبر تطبيق “إنستغرام” من مجهول يدعي حيازته صورا وتسجيلات خاصة بها، ويهددها بإرسالها إلى والدها، في ابتزاز جنسي يشهد تزايدا في العراق، ويضع نساءه تحت رحمة المبتزّ ومجتمعهن المحافظ.

تلقت هلا، وهو اسم مستعار لحماية هويتها الحقيقية، سلسلة رسائل مماثلة عبر مواقع التواصل المختلفة مثل “فيسبوك” و”سنابتشات” و”إنستغرام”، بعدما قام مجهولون باختراق صفحتها وسرقوا صورا حميمة لها.

وتوضح الشابة لوكالة فرانس برس إن “بعضهم كانوا يريدون أموالا وبعضهم يريدون علاقة جنسية حتى لو عبر الهاتف فقط. والبعض لمجرد الابتزاز”.

وتشكو نساء في العراق من وقوعهن ضحايا ممارسات “ابتزاز جنسي” عبر الإنترنت من قبل قراصنة رقميين، أو أشخاص ربطتهم بهن سابقا علاقات شخصية، تخللها قيام أولئك النساء بإرسال صورهن الحميمة إليهم.

وتعزو الضحايا ومحامون وناشطون تلك الممارسات إلى عوامل عدة: مجتمع محافظ إلى حد كبير، وتحول مواقع التواصل إلى منصة افتراضية للمواعدة، وقوانين لا تحمي، وإجراءات أمن رقمي متواضعة تتيح النفاذ إلى الحسابات الشخصية.

وتضع تلك التهديدات الضحايا في مواجهة تبعات مدمّرة في مجتمع عراقي محافظ، قد تراوح بين وصمهن بالعار، وصولا إلى “جرائم الشرف”.

وفي العام الماضي، قضت تاره فارس، عارضة الأزياء والنجمة المعروفة عبر “إنستغرام”، بإطلاق النار عليها في بغداد، في جريمة يرجح أن الدافع خلفها كان أسلوب حياة فارس وتحررها. وأتت تلك الجريمة حينها ضمن موجة استهداف شابات شهيرات، بينهن مديرتا أبرز مركزي تجميل في بغداد.

ويبقى مصيرهن ماثلا في ذهن هلا. لكن الأخيرة، المصممة على عدم الرضوخ للابتزاز، اضطرت لمغادرة البلاد في وقت سابق هذا العام. ورغم ذلك، “حتى الآن تصلني تهديدات. الناس لا ينسون”.

وبحسب الباحثة في قضايا العنف المرتبط بالجنس رُسُل كامل، دفعت الظروف الاجتماعية والقيود على الاختلاط بين الجنسين بالعديد من الإناث للجوء إلى مواقع التواصل للمواعدة والتعرف إلى الشبان.

وفي غياب التربية الجنسية، تلجأ الشابات في بلاد الرافدين إلى منتديات افتراضية خاصة بهن، للبحث في مسائل مرتبطة بالجسد أو البحث عن نصائح من أقرانهن.

وغالبا ما يقوم الثنائي في “علاقة” عبر الإنترنت، بتبادل صور حميمة بدرجات متفاوتة، علما أن بعضها، والتي قد تقتصر على صور لشابة من دون حجاب، “تعتبر عارا في هذا المجتمع”، بحسب كامل.

ويتم استغلال صور مماثلة بشكل متزايد، بحسب كامل وناشطين، استنادا إلى شهادات من ست شابات رفضن إجراء مقابلات صحافية.

وأوضحت صديقة إحداهن لوكالة فرانس برس أن الأخيرة اضطرت لدفع 200 دولار أميركي شهريا، أي نحو نصف الحد الأدنى للأجور في العراق، على مدى أربعة أعوام، لصديقها لئلا ينشر صورها.

وقامت شابة أخرى ببيع هاتفها النقال ومجوهراتها، لدفع أموال لمقرصن كان يبتزها ويهددها بنشر صور لها، بينما تلقت ثالثة تهديدات من شخص كانت على علاقة به عبر مواقع التواصل، بإرسال صورها إلى زوجها.

وتقول كامل إن هذا النوع من الابتزاز الجنسي الرقمي “يتضمن تقريبا كل أنواع العنف القائم على التنوع الجندري، جنسي ونفسي واقتصادي… ونادرا ما يكون للضحايا أي ملجأ اجتماعي أو قانوني”.

وتشهد تلك الممارسات تزايدا في العراق في الآونة الأخيرة في ظل عدم وجود “أي رادع” في مواجهتها، بحسب المحامية مروة عبد الرضا التي تعاملت مع عشرات من هذه الحالات خلال الأعوام الثلاثة الماضية.

وتوضح أن زيارة مقر للشرطة يعد من المحرمات بالنسبة إلى العراقيات اللواتي يخشين أيضا أن يكون مبتزهن محميا من قبل نافذين أو عشائر، مشددة على أن “غالبية الضحايا لا يردن أن يتقدمن بشكوى”.

وتضيف “المحكمة هي عبارة عن بعبع عند الناس”.

وإذا كان للضحايا ما يكفي من الجرأة للمضي في مسار قانوني، غالبا ما يجدن أنفسهن في مواجهة سلطة غير مطّلعة على قضايا الإنترنت أو طبيعة الجرائم التي قد يتم ارتكابها باستخدامها.

وتوضح عبد الرضا أن “القاضي يقول مثلا +إلغي الفيسبوك. ما هو الفيسبوك أصلا؟+”، مشيرة إلى أن المسار في المحكمة يخضع لتقويم القضاة، فبعضهم قد يضعها في إطار “إرهاب” المرأة وتاليا فرض عقوبة تراوح بين السجن ستة أشهر أو الاعدام، لكن “يمكن لقاضٍ آخر أن يراها جريمة سب وقذف (قدح وذم) تبقى أبسط عقوبة لها الغرامة”.

وكشفت وزارة الداخلية العراقية أنها فتحت في الشهر الماضي وحده ثلاث حالات من الابتزاز الجنسي عبر الإنترنت.

لكن الشرطة المجتمعية تحاول مقاربة هذه المسألة من زاوية مختلفة: فأقسامها تضم العديد من الشرطيات لتشجيع النساء على تقديم الشكاوى. كما تلقت وحداتها تدريبا في التعامل مع العنف الجندري.

ويقول قائد الشرطة المجتمعية غالب عطية إن وحداته “توفر السرية والثقة، هذه أولوية بالنسبة إلينا. نحاول أن نطبق ما يريده الشخص الذي تعرض للابتزاز، إن كان بإنهاء الموضوع من خلال إلقاء القبض على المبتز أو بدون اللجوء الى المحكمة، أو خارج المحكمة”.

وفي مدينة الموصل، تمكنت الشرطة المجتمعية خلال أسبوع واحد، من حل ثلاث قضايا ابتزاز جنسي عبر الإنترنت بالتراضي.

لكن عطية يحذر من أن هذه الممارسات تشهد “انتشارا واسعا وخطيرا”، مشيرا إلى أن النساء يشكلن ما بين 60 و70 في المئة ممن يتعرضون للابتزاز الرقمي، وغالبيتهن في بغداد والمحافظات الجنوبية.

ويشدد على الحاجة إلى سن قانون، وعندها “إذا صدر (…) سيخفف هذا الأمر”.

لكن عبد الرضا ترى أن ذلك لن يكفي، بل ثمة حاجة إلى تغيير جذري يشمل تغطية وسائل الاعلام لهذه المسائل، وتدريب منظمات المجتمع المدني للشابات بشأن الأمن الرقمي، وحمايتهن في حال تقدمن بالشكوى.

وتضيف أن “البنت ممكن أن تقتل في ثانية بسبب هذا الموضوع”. (أ ف ب)