مرايا – كتب رئيس الورزاء الأسبق طاهر المصري مقالا في يومية الغد بعددها الأحد حمل عنوان “مسلمون ومسيحيون لحماية القدس”.
وقال المصري في مقالته : أدهشني بعض كبار الساسة والكُتّاب في تبسيطهم للأحداث المهمة والقرارات التاريخية التي حدثت خلال الأسابيع الماضية والمتعلقة بقرار الولايات المتحدة الاعتراف بالقدس الموحدة (والكبرى) عاصمة لإسرائيل.
وتابع : ولم يفكر أؤلئك في تداعيات وآثار هذا القرار ومدى إنسجامه مع قرارات المؤتمر الصهيوني الأول، الذي عقد في بازل (سويسرا) العام 1897. فقد حدد ذلك المؤتمر ثلاثة أهداف أساسية سيعمل على تحقيقها: إنشاء دولة إسرائيل في فلسطين (من النهر إلى البحر) القدس عاصمة لهذه الدولة، وإعادة بناء الهيكل رمزاً لعودة اليهود، شعب الله المختار للعيش في دولة إسرائيل التوراتية.
وتالياً نص المقالة :
أدهشني بعض كبار الساسة والكُتّاب في تبسيطهم للأحداث المهمة والقرارات التاريخية التي حدثت خلال الأسابيع الماضية والمتعلقة بقرار الولايات المتحدة الاعتراف بالقدس الموحدة (والكبرى) عاصمة لإسرائيل. ولم يفكر أؤلئك في تداعيات وآثار هذا القرار ومدى إنسجامه مع قرارات المؤتمر الصهيوني الأول، الذي عقد في بازل (سويسرا) العام 1897. فقد حدد ذلك المؤتمر ثلاثة أهداف أساسية سيعمل على تحقيقها: إنشاء دولة إسرائيل في فلسطين (من النهر إلى البحر) القدس عاصمة لهذه الدولة، وإعادة بناء الهيكل رمزاً لعودة اليهود، شعب الله المختار للعيش في دولة إسرائيل التوراتية.
وتحقيقاً لهذه الأهداف، استولوا عام 1948 على نصف فلسطين وأقاموا دولة لهم فيها، وفي العام 1967 استولوا على النصف الآخر من فلسطين وأعدوا أنفسهم لضمها إلى النصف الأول. واليوم؛ مكنهم دونالد ترامب من تحقيق الخطوة الثالثة حين اعترف بالقدس الموحدة عاصمة لإسرائيل.
وبما أن العاصمة تخضع لسيادة الدولة، فإن أميركا تكون قد نقلت صفة القدس من (أرض محتلة) بموجب مئات من قرارات المؤسسات الدولية إلى صفة (أراض إسرائيلية) تقع ضمن سيادة إسرائيل، وللعلم فإن مساحة القدس الموحدة الكبرى من وجهة النظر الإسرائيلية تبلغ حوالي
12 % من مساحة أراضي الضفة الغربية.
إذن؛ قرار ترامب لم يكن حدثاً عابراً، ولن يكون. ولا هو مجرد قرار اعتراف بالأمر الواقع، بل هو قرار ستتأثر به سلباً المنطقة. ولم يعد هذا القرار أمراً ثنائياً بين بلد عربي أو بلدان عربية ودولة غربية. القرار ضرب مفاهيم الشرعية الدولية وقرارات الأمم المتحدة، التي تسعى الـــدول الديمقراطية منذ الحرب العالمية الثانية لترسيخ أحكامها ومفاهيمها، لتكون الحَكَم في النزاعات الثنائية والدولية. أميركا التي كانت تبشر بأنها الداعية الأولى والأصلب في الدعوة لترسيخ مفهوم الأمم المتحدة، هي اليوم تضرب بمعولها جدار الأمم المتحدة قاصدة هدمه.
الأهم بالنسبة لنا في الأردن وفلسطين، أن الولايات المتحدة قد أعطت (الرخصة) لإسرائيل للانطلاق لاستكمال الخطوات القليلة الباقية من تحقيق المشروع الصهيوني الذي وضع في بازل. وها نحن نرى أن حزب الليكود الحاكم وافق بأغلبية كبيرة على الطلب من الكنيست ضم كل المستوطنات وتوابعها في الضفة الغربية إلى السيادة الإسرائيلية. وسوف تستجيب الحكومة لذلك. وقريباً سيقرون إعلان يهودية الدولة. وبذلك يصبح كل إنسان غير يهودي في إسرائيل (ساكناً) وليس مواطناً، وتنزع منه حقوقه السياسية، ويصبح (مقيماً) فقط، خاضعا لقرار من الشرطة أو وزير الداخلية.
في مثل هذا الوضع، أصبح الخطر الذي يهدد الأمن الوطني الأردني واضحاً لا لبس فيه. ويساوي في خطورته ونتائجه (مع اختلاف التوقيت والظروف) نكبة عام 1948. ولن تقبل إسرائيل بعد اليوم التعاطي مع أي من الحلول المطروحة سواء من الولايات المتحدة أو من غيرها. ولن تتعامل مع أي صيغة سياسية أو غيرها: دولة بأي شكل من الأشكال، فيدرالية ثنائية أو ثلاثية أو كنفدرالية، دولة مستقلة، أو حكم ذاتي واسع. هذا الواقع يأخذنا إلى طرح السؤال: كيف نواجه هذا الوضع أو كيف نواجه هذا الواقع؟
القدس لكل الموحدين بالله، ولا يجب أن يستحوذ أتباع ديانة واحدة عليها. الإسلام والمسيحية، هما دين للعالمين، بينما الدين اليهودي هو لليهود فقط. وإسرائيل عملت وستعمل على جعل القدس مدينة يهودية خالصة. فقد أحاطتها بسوار عميق من المستوطنات الجديدة لكي يسكنها اليهود المتدينون المتعصبون حماية وتأكيداً لهويتها الدينية اليهودية. وسوف يعاني المسيحيون الغربيون من هذا الواقع، كما عانى المسيحيون العرب منه. وأصبح الوجود العربي المسيحي في القدس لا يذكر.
وفي الوقت ذاته جعلوا من تل أبيب مكاناً لإقامة اليهود الديمقراطيين، وبدأ يظهر هذا الاستقطاب بالمجتمع الإسرائيلي تدريجياً.
من هنا أقول، إن جهدنا وتحركنا نحو القدس يجب أن يضم دولاً وقوى مسيحية إضافة إلى مسلمين عرباً وغير عرب. فاستفراد اليهود بالقدس يجب أن يقاوم لأن مسيحية القدس مستهدفة كذلك، وحتى لو لم يظهر ذلك الآن، فسيظهر في النصف الثاني من هذا القرن. وعلينا أن نجند الكنيسة الأرثوذكسية والفاتيكان معنا في هذا الجهد. استفراد اليهود بالقدس سوف يؤجج الوضع بين الحضارات ويؤدي إلى نزاع بين الأديان وهنا تكون الكارثة.
وبكل تواضع فإنني أعتقد أن الأردن بما تمثله قيادته السياسية والدينية من عقلانية وانفتاح على الآخر وعلى ثقافات العالم وقبول واسع النطاق دولياً ومحلياً، يمكن أن يخطو الخطوة الأولى في سبيل تحقيق هذا الترابط. لذلك فإنني أقترح بكل تواضع أن يعمل جلالة الملك عبد الله الثاني مع الرئيس اللبناني ميشيل عون باعتباره رئيساً مسيحياً وطنياً عروبياً وأن يضعا خريطة طريق للتحرك تجاه الدول الأوروبية وأميركا الجنوبية، واستمراراً لجهود جلالته مع الفاتيكان خلال زيارته الاخيرة ولقاء رؤساء الطواف والكنائس المسيحية في المغطس والذي حدد موقفاً واضحاً وجريئاً اتجاه القدس من خلال التعاون والتفاهم المسيحي الإسلامي، لوضع حكومات وشعوب هذه الدول في صورة ما تعد له إسرائيل تجاه القدس وتداعيات هذه السياسة. والهدف هو إبطال قرار الولايات المتحدة بنقل السفارة إلى القدس والعودة عن قرارها. وستكون هناك العديد من الدول الأوروبية وغيرها التي ترغب بإشعار الولايات المتحدة أنها لم تعد تملك العالم.
لقد تأكد لنا أن نزاعنا مع إسرائيل سيكون طويل الأمد، وأننا نواجه تحدياً سوف يستمر اجيالاً. ولا يبدو أن تحقيق حل سلمي عادل هو أمر ممكن في المستقبل القريب.
في النهاية أقول إن هذا التحرك المقترح سوف يعطي الأردن دوراً أهم من الدور الإقليمي الذي يحاول البعض تهميشه، وإذا ما أمسكنا بالخيط من أوله، فإننا سنكون مرشحين