مرايا – كتب : محمد فخري – إنولدت معي هوية زرقاء ، داخل الأراضي المحتلة 48 بقرية عارة ، درست الإبتدائي بنفس القرية والثانوي بالساليزان بالناصرة ، وبعدها هندسة ميكانيكية بجامعة بن غوريون ، كان بإمكاني أتصهين باللبس والأكل والفكر وأصير صهيوني ومالي ومال هالناس وبعيش حياتي ، بس لأ إستغليت الهوية الزرقاء وقدرت أمشي وأروح وآجي براحتي ، وهربت سلاح وحتى هالأسلحة كانت محظورة لحد ما أجت الفرصة وقدرت أخطف جندي وقتلته ، وكان كل هالحكي بدون ما حد يعرف حتى أبوي ما كان يعرف ، كان كل شغل بالسر ، وراحت الأيام وأجت لحد ما قوات الإحتلال إقتحموا بيتنا وسألوا أمي عني وين كريم وين كريم ؟
أمي جاوبتهم إنه كريم بدرس ببير السبع شو بدكم فيه ؟
طلعوا بعد ما استنوني والشرار بقدح من عيونهم وبتهددوا يعتقلوتي ، وبالفعل ثاني يوم 6/1/1983 أجو علي ع الجامعة وسألوا الدكتور مين عندك هون عرب أشرلهم على طاولتي وأجوا عندي وسألوا مين كريم وكانوا لابسين مدني جاوبتهم وأخذوني قدام كل الطلاب ، بلش الضرب والتحقيق والعذاب وبعد 12 يوم أعتقلوا ماهر ابن عمي وبلش التحقيق معي ومع ماهر وبلغوا أهلي إنهم إعتقلوني ، أهلي نشف ريقهم وهمه من سجن لسجن وراي يدوروا لحد ما المحامي قدر يلاقيني بأي سجن ، قت 27 جلسة وبشهر 12 يعني بعد سنة من الإعتقال حكموني إعدام شنق بالحبل ولبسوني بدلة حمراء ، وضليت أستنى بالإعدام وأهلي زاروني وشافوني بالزي الأحمر وتدمرت نفسياتنا ، وبعد 73 يوم لغوا حكم الإعدام وحكموني “مؤبد مفتوح” هالمؤبد كان أهون من الموت يعني بضل في أمل ، بس عندهم كان لازم أضل عايش لإنه بموتي رح أرتاح وهمه ما رح ينشفي غليلهم إلا إذا بضل عايش ، وبعدها المحامي إستغل ثغرة عندهم وتحدد هالمؤبد 40 سنة ، يعني كمان أهون ؛ من الموت لأربعين سنة ، فتح عين وغمضها رح أطلع بلشت زيارات أمي على السجون وراي وأجت علي على سجن ” الجلمة والرملة وعسقلان ونفحة وبئر السبع والشارون ومجدو وهداريم” ، سجن نفحة قعدت فيه 6 سنين كانت أمي تطلع من الساعة 5 الفجر وترجع للساعة 8 بالليل تركب 4-5 باصات مشان توصلني ، كل ما تزورني تصير تعيط وتنهار وأحكيلها : يما في 11 ألف أسير غيري كلهم عندهم أهل وأولاد مش بس أنا ، بالسجن كملت تعليمي وألفت كتابين ودافعت عن الأسرى وكنت سند للمرضى وغير هيك أشرفت على تعليمهم وعملت إضرابات وكلمتي زي السيف اللي بتقرر بنعمله ، كانوا يمنعونا من صلاة العيد وأنا أجمعهم ونصلي وبس يعرفوا إنه أنا اللي جمعتهم ما يحكوا معنا اشي ، صار عندي وعي وخبرة وثقافة ، الذكرى 31 لإعتقالي بالزبط توفى أبوي ، وما قدرت أودعه وضلت بمخيلتي صورته لآخر مرة شفته ، خايف أمي أودعها بنفس الطريقة ، كان لازم ينفرج عني بصفقة شاليط وأكثر مت صفقة ووصلت فيهم ينزلوني من الباص بآخر لحظة وكان في إتفاقية تحرير أسرى ما قبل أوسلو رح يفرج عنهم ، وآخر دفعة 30 واحد أنا منهم ما رضيوا وحكوا إنه أمثال كريم لازم تموت بالسجن وهذا إستغل الهوية ، السلطة وأبو مازن تنازلوا وموا تنازلات بخصوصي وخصوص أمثالي ، سنة 2023 رح أطلع من السجن ورح يكونلي 14.600 يوم ، هسا أنا مقضي منهن 12.700 ، صرلي 35 سنة محبوس ورح أقضي 40 وعمري بكون 65 متخيلين من 6 ساعات ونص تقضي 4 ساعات محبوس ؟
على مستوى الساعات ما بتقدر بس ما بالك بالسنين ، أخواني وأخواتي تزوجوا وما بعرف أولادهم ولا بعرف بناتهم ولا بعرف شو هالعالم اللي برا ، العالم بعقلي بشبهش العالم اللي برا ، مش متذكر الا شكل أمي وابوي واخوتي ، صرلي 35 سنة بالأسر شفت الاف الأسرى وراح الاف الشهداء ، سقط حكام دول وسقطت دول كثير ومات وإنخلق ناس كثير ، مر علي 70 عيد متتالي وأنا بالسجن و 35 رمضان ، أمريكا عينت 6 حكام ، لحقت ولاية شمعون بيريز مرتين ونتنياهو وباراك وشارون وأولمرت ونتنياهو كمان مرة ، ما بعرف شو يعني هاتف ولا حتى حاسوب ولا عمرتي لمستهم ، ما ركبت سيارة ، بسمع بالإنترنت والفيس ومواقع التواصل بس ما بعرف شو يعني ، اللي صفحة ع الفيس عملتها زوجة أخوي مجمع عليها كلشي بخصني ، يمكن أطلع من السجن وما أقدر أعيش وأتعايش مع هالعالم ؟
كلامي بسيط والحكي سهل بس 30 ثانية أصفن وتخيل حالك محلي !
الجريمة مش رح تكون إنه كيف رح أستقبل هالتطور ، ولا شكل الحرية كيف رح يكون ، الجريمة إنه أنا الأسير كريم يونس أقدم أسير في سجون الإحتلال وأقدم أسير في العالم ، عميد الأسرى ما حد بعرفه ولا بعرف أمه ؟
* هذه القصة لأقدم أسير في سجون الإحتلال وفي العالم الأسير ” كريم يونس ” المقرر الإفراج عنه سنة 2023 ، الذي سيصبح عمره حينها 65 عام قضى منهم 40 في السجون ، كتبت بواسطة :
“محمد فخري التلاوي”