مرايا – عمر كلاب

لم يعد التطرف مربوطا بدين او طائفة او اثنية , فقد بات العالم كله يعاني من ظواهر التطرف والانكار المفضيين الى الارهاب , وهذه الخلاصة نقلها الملك الى العالم مرارا وتكرارا , ربما لم يستمع قادة ومفكرون له في البدايات بحكم محاربة ثقافة الجديد وبحكم جدلية المال والقوة التي تجعل الاذن تستمع لاصوات لها من الدلالة المالية اكثر مما لديها من الملاءة الفكرية , لكن الادب الهاشمي دوما يستطيع تحقيق عناصر القوة الاخلاقية , لذلك أعاد العالم بعد مجزرة نيوزيلندا شريط ذكرياته مع احاديث الملك خاصة اولئك الذين لم يحسنوا الاستماع في بواكير التطرف الذي اجتاح العالم وضرب كل العواصم الثقيلة والصغيرة .

رسالة الملك الى رئيسة وزراء نيوزيلندا فيها الكثير من الثوابت التي يجب على الاخلاق الكونية ان تُعيد لها الاعتبار , ليس اولها ان الارهاب لا دين له , وانه فيروس عابر للاديان وللجغرافيا كما هو عابر للبشر , وأن التعايش القائم على الاحترام المتبادل يُصنع بأيدٍ بشرية ويجب ترسيخه مع كل جيل ونقله لكل جيل , فكل الحوارات التي لا تُفضي الى تشكيل ثقافة مستقرة في العقل والوجدان ستنتهي مع إطفاء اضواء قاعة الاجتماعات الحاضنة لها , فيما ينتقل الفيروس الى الحواضن الاجتماعية الكونية , لأن الارهاب والتطرف تهديدان عالميان .

تحذيرات ملكية كثيرة , وتحديدا من ظاهرة الخوف من الإسلام المتنامية عالميا ، ودعا إلى محاصرتها باعتبارها ظاهرة هدّامة تتغذى على الأفكار المغلوطة ، وتخدم غايات المتطرفين وأهدافهم , وأعاد الملك التأكيد وفي أكثر من خطاب على أن الإسلام يفرض احترام الآخرين وتقديم الرعاية لهم , لكن الخوارج وجدوا ضالتهم في الافتئات على الدين وساهم عدم التفات كثير من الدول الى ضبط الفتوى واستسهال الغاء الاخر وشيطنة المخالف , في تغذية التطرف وتجويد منابعه , ومن هنا جاءت رسالة عمان , لتكون مرجعية اخلاقية لمحاربة الاسلام فوبيا وبعدها جاءت مبادرة ” كلمة سواء ” كمحاولة لاعادة الرشاد الى العقل الكوني .

كل تلك المبادرات والهجمات القبلية على التطرف بادر الملك باطلاقها , بتركيز مضاعف على احترام قيمة الانسان وحقه في العيش بكرامة واحترام معتقده ودينه وفكره دون التعدي على الاخرين وعزلهم واهانة شعورهم , اضافة الى ضرورة تعميق ثقافة الانفتاح ومحاربة التطرف بين الشباب على وجه الخصوص , بعد ان تورط افراد كثيرون بشباك التطرف دون وعي وتورطت دول في غيّه ايضا , بل ان بعض الدول مارست تطرفها ورفضها للانفتاح والتعايش بحجة الخوف من الاحزاب القائمة على اسس دينية مما عزز الشعور العام بالخوف من المتدينين وتحديدا اتباع الدين الاسلامي .

مجزرة نيوزيلندا , لن تكون خاتمة الاحزان الكونية , اذا لم تلتفت الدول والمجتمعات الى ظواهر التطرف والتنمر وعدم تجفيف منابع التطرف والارهاب , ورفع منسوب الامل بالمستقبل لجيل شاب يعيش اليوم اسوأ الظروف ويقع تحت تأثيرات الانفتاح الهائل لوسائط التواصل الاجتماعي , الذي اجاد المتطرفون استثماره وتطويعه لمصالحهم , فالاستثمار في الاوجاع والافاق المسدودة استثمار يحسنه المتطرفون والارهابيون , واصحاب الهوس بالشهرة والظهور .

من الانصاف العودة والتذكير بما قاله ويقوله الملك , وما يفعله في كل المحافل المحلية والاقليمية والعالمية , من أجل صون صورة الاسلام السمحة واعلاء ثقافة الحوار وقبول الآخر , لانتاج التعايش المطلوب والمأمول , وقبل ذلك كله سعيه لاجهاض مشروع ارهاب الدولة والتصدي لكل محاولات زعزعة الامن والاستقرار , من خلال تصديه للغطرسة الصهيونية بحمايته ووصايته ورعايته للمقدسات الاسلامية والمسيحية ومشاركة الاردن الفاعلة في الحرب على الارهاب .