مرايا – عمر كلاب
يمكن حشد اسباب لكل اجابة على السؤال الوارد كعنوان للمقال , فمن يبغض الحكومة سيقول انها سنة بالتأكيد , فدلالة السنة مقرونة بالبؤس والشقاء في اللغة , ويمكن للمحبين ان يقولوا عاما بالفم الملآن ودلالة العام ايجابية في اللغة , فنحن لا نمتلك الحجم الكافي من المعلومات والارقام كي نمتلك اجابة شافية , وربما ليس المطلوب منح الحكومة نجمة او اشارة اكس , فكل حكومة فيها بعض من قبلها كما الحروب , وكل حكومة تأخذ شيئا من شكل وهيئة رئيسها بحكم انه المسؤول الاول عن فريقه منذ الولوج الى الرحيل .
ولعل القراءة الاولى او الجزء الاول من القراءة ستكون عن شخصية الرئيس بوصفه العنوان الابرز للحكومة , فالرجل حقق مكاسب شعبية لحسن سيرته الشخصية وادائه الوظيفي الخالي من الشوائب , مما دفع الجماهير الهادرة على الدوار الرابع قبل عام الى الاستئناس بمقدمه , وكثيرون كانوا في حالة تفوق الاستئناس حد الانتصار , لكن احدهم لم يقرأ الواقع الذي سيعمل الرجل داخله ولا البناءات السابقة التي يستوجب عليه استكمال حلقاتها , وطبعا لم يكن احد على استعداد لان يمنحه الوقت اللازم للتفكير الهادئ الذي يمتاز به وبناء تجربته الخاصة , فالوقت كان قاتلا والظرف صعبا ودقيقا والاجتراءات الحكومية كانت على جيب المواطن وليس على غيره , فهو الحلقة الاضعف والاسهل للحصول على اللازم الحكومي .
كانت الساعة تقترب من الفجر في يوم 14- 6 – 2018 , حين وصلتني رسالة على الواتس آب من الكويت التي كان يزورها الملك وقتها, تقول بأن رجائي المعشر نائبا للرئيس وسيبقى 14 من الحكومة السابقة ومكرم القيسي وزيرا للشباب وكناكرية للمالية , مردفا مرسل الرسالة بأننا في المسجد بانتظار صلاة الفجر , لحظتها احسست بالفجيعة نسبيا , وبعدها ايقنت ان الدكتور عمر الرزاز , اختار نمط التغيير الهادئ والذي لا يتناسب مع المرحلة ومع ظروف اللحظة الاردنية , ولكن هذا هو , هادئ وغير مستعجل ويختار التفكير الهادئ الطويل والتنفيذ السلس , مع كثير من الحرص لكل خطوة , فهو يبحث عن السباحة الآمنة جدا في بحر يفيض بالامواج والاراء .
يومها احتار كثيرون في تفسير بقاء هذا العدد الهائل من حكومة خرج الناس الى الشوارع لاسقاطها , واختار كثيرون التفسير الاسرع بانه الضغط القادم من الشرق , لكنهم استعجلوا , فالرجل يمتلك من العناد ما يحصنه من الاستجابة للضغوط ويمتلك من المرونة ما يؤهله لتمرير رغباته دون اشعار الطرف الآخر بعدم الاستجابة لمطلبه , فالرزاز ابن مدرسة التاو الصينية حسب ظني , التي تؤمن بقدرة المياه على احداث الاختراق اللازم وتترك الطمي والاتربة في القاع دون اثارة لاي انفجار او دمار , وكلها مواصفات مطلوبة لو ان التوقيت يسمح واللحظة تحتمل , فالحكومة ليست وزارة التربية التي سار الرجل فيها بهدوء ووقار وحقق حضورا لافتا .
شخصية الرئيس ليست وادعة كما يعتقد حتى القريبين منه , فتجربة المنافي والهروب بحكم طبيعة الأب ومهامه واشتباكاته السياسية والحزبية قد اورثته دهاءً صامتا , يستشعر مقابله بأنه قد نجح في تمرير ما يريد , والعكس هو الصحيح , وأظن لست آثما ان الرزاز اذا كتب لحكومته مزيد من العمر سيكشف عن طبائعه فهو قارئ جيد لكتاب الكواكبي طبائع الاستبداد , واقرب في المنهجية الى والدته منه الى والده رحمهما الله , فالتربوي متحدث اكثر منه مستمع , اما المتدرب على يد التربوي – بحكم عمل والدته – يحسن الاستماع اكثر من الحديث , وهذا ما فعله الرزاز في الايام السابقة وللحديث بقية.