بهدوء

مرايا – عمر كلاب

دون شك ساهمت البيئة الحاضنة السياسية والشعبية في وضع الحكومة في مازق حذرنا منه منذ اللحظة الاولى , وهو سقف التفاؤل المرتفع بالحكومة , حين اختلط الامر على كثيرين بين حجم المامول من الدكتور عمر الرزاز كوزير للتربية والتعليم ومديرا للضمان الاجتماعي , والبيئة الحاضنة التي يعمل داخلها الرجل والتركة الثقيلة التي يحملها من حكومات متعددة وتحديدا حكومات مرحلة الربيع العربي , تلك الحكومات التي اجتهدت في شراء الرضى الشعبي على حساب الوضع الاقتصادي , فأثقلت الكاهل بالتعيينات وبوقف العمل بتسعيرة المشتقات النفطية وما تبعها من اعباء , وللانصاف فإن التبرير المستعمل لهذه القرارات يحتاج الى قراءة فقد لجأت الحكومات الى اسهل الحلول واقلها كلفة بدل دفع الكلفة السياسية اللازمة للاصلاح السياسي والاقتصادي , باستثناء حكومة سمير الرفاعي الثانية التي دفعت ثمن ثباتها على القواعد . الرأي العام سرعان ما انقلب على حكومة الرزاز وبالتحديد عينة قادة الرأي , التي من المفترض انها تعرف جيدا السيستم والية العمل بداخله وحجم التركة التي ورثها الرزاز , فالشارع الشعبي او العينة الوطنية ظل ممسكا على تفائله بالرزاز , قبل ان تنجح عينة قادة الرأي في استثمار كل قرار حكومي وكل تعيين , وقد منح الرزاز خصومه الكثير من الاسلحة للهجوم عليه بتعيينات دافع عنها بدون حزم وحسم فبدا وكانه غير مقتنع بها , او انها جاءت لحسابات العلاقات الشخصية فعلا , وكأن الرؤساء السابقين استقدموا كفاءات من مخزن المعلومات الوطني , فكل رئيس استعان بدائرة معارفه في التشكيل والتعيين , لكن ماكينة الرزاز الاعلامية لم تعمل بأليات وطرائق الماكينات السابقة والرزاز نفسه ليس كسابقيه من المدرسة البيروقراطية المتجرأة على الحالة العامة .

الرزاز كان منحازا الى طبقة مغايرة لطبقة التأثير العام , فهو منحاز الى جيل الشباب الفائر وجيل الاصلاحيين الاجتماعيين وهم طبقة غير منغمسة في الواقع الشعبي كثيرا وتنتمي الى عوالمها الذاتية , ولم ينجح اكثر في محاولته توحيد صفوف التيار المدني الذي كشف عن تباينات داخلية معقدة وفيها الكثير من الابعاد الشخصانية , فخسر مبكرا تيارا مؤثرا ” معا ” ولم ينجح في ارضاء باقي التلاوين داخل التيار المدني , فحاول العودة الى التيار التقليدي الذي لا يحتمل فكرة وجود الرزاز في الدوار الرابع اساسا , فبات الرجل على مشارف ان يصبح وحيدا , لولا تعديله الاخير الذي اعتقد انه السبب في تحسن صورة الحكومة في استطلاع الرأي الاخير الصادر عن مركز الدراسات الاستراتيجية في الجامعة الاردنية رغم ان فريقه ما زال ثاني اسوأ فريق حكومي في العقد الاخير . البيئة العامة على مستوى عينة قادة الرأي ليست بيئة صديقة للرزاز , وأظنه اكتشف انها اكثر عدائية له من اي عينة اخرى , ولم تكن بطبيعة الحال بيئته الحاضنة الذاتية واحلافه بأحسن حالا , فجزء منهم اراده نسخة مكررة لما سبقه بوجوه جديدة وجزء قليل ابتعد بعد ان استشعر ان الرزاز لا يستمع لوجهة نظره , وكان الرأي واجب التنفيذ او الابتعاد , كما لم ينجح الرزاز في ترسيخ لون واضح لنهجه وحكومته , لانه بطبعه توافقي , فباتت الحكومة ترفع شعارات كبرى وسرعان ما تتراجع عنها وتتحدث عن دولة الانتاج والتكافل بسلوك ليبرالي اقرب الى التوحش منه . حكومة الرزاز بعد 365 يوما , ليست عاما بالمعنى الايجابي بالتأكيد لكنها ليست سنة كبيسة كما يحاول خصومها , فهي فيها شيء من العام وكثير من السنة .