بهدوء ..
مرايا – كتب: عمر كلاب – فشلت التجربة الاردنية في صناعة النجم واستثمار حالة الابداع , فعلى مدار تاريخنا الحديث والطويل لم ننجح في انتاج نجم او صناعته , اي ان تكون هناك ماكينة لصناعة وتفريخ النجوم في المسارات المتعددة , اسوة بتجارب عربية وعالمية , وكل النجوم الذين نجحوا في خارج الجغرافيا الاردنية , نجحوا بفضل جهدهم الذاتي وابداعهم الخاص , سواء نجوم الفن او الادب وحتى كرة القدم , بل مارسنا الكثير من التطنيش والتقليل وعدم الرعاية للناجحين الاردنيين , فلا اعلامنا تابعهم ولا مؤسساتنا الرسمية اغدقت عليهم الدعم او الاحتفاء , باستثناء صور بليدة على صفحات الوزراء لغايات الظهور الذاتي وليس الولاء المؤسسي .

في معظم المحافل الدولية وفي اكثر من موقع عربي ستجد اردنيا بارزا , وتسمع من اشقاء واصدقاء عرب واجانب عن مهارة الاردنيين في الطب والادارة والهندسة , جميعهم معروفون خارجيا دون ادنى معرفة في الداخل , بل ان كثيرا من المبدعين الاردنيين سمعنا بهم من الخارج اصلا , ابتداء بالدكتور محمد عدنان البخيت أمد الله في عمره الى آخر شاب احتفت به وزارة الشباب بصورة بلهاء مع وزير الشباب , وكأن فخر الشاب بالصورة التي ستمنحه الايزو في الخارج , وقس على ذلك عشرات المبدعين في مختلف المجالات الذين لم نتمكن من الاحتفاء بهم او معرفتهم , بانتظار ظهورهم على شاشة عربية او في حفل جوائز عالمي .

في مخزوننا الثقافي الجمعي صورة كئيبة في هذا المجال تم اختصارها في مقولة ” لا كرامة لنبي في اهله ” وتم استنساخ الكثير من المقولات القريبة على غرار ” زمار الحي لا يُطرب ” , فباتت الثقافة السائدة هي ثقافة التحطيم والتكسير , فمعظم الذين ابدعوا في الخارج رفضتهم مؤسسات الداخل بل انها عاقبتهم على تميزهم , من اجل ارضاء محدودي الكفاءة ومتوسطي الذكاء , الذين تقلدوا اعلى المناصب وتم دعمهم من خزينة الدولة بما يفوق دعم عدد من القرى النائية , فهناك الكثير من المبتعثين الذين عادوا حتى بدون لغة الدولة التي زاروها للابتعاث , وكثير من الابتعاث والدعم كان لغايات استرضائية , فأكثر الاوبريتات دعما لم يسمع بها الناس لضحالة مستواها واكثر المنتجين تلقيا للدعم ليس في سيرته الذاتية عملا فننيا واحدا على سبيل المثال .

هذه الثقافة البائسة تحظى بالرعاية الرسمية دون شك , بعد ان استبدلت مؤسسات الدولة فكرة صناعة النجم وانتاج ماكينة التفريخ , بنظرية التسمين السياسي , وتقوم نظرية التسمين على فكرة ضخ اعلامي هائل ودعم لوجستي غير محدود لفرد سرعان ما يتم تقديمه نجما على مسلخ الظرف الموضوعي وزيرا او عينا او نائبا او صحفيا او ممثلا او منتجا , لمنح المجتمع جرعة زائدة من الاحباط وانعدام الامل , ويعتمد انصار نظرية التسمين بالعادة على شخوص قابلين للانقياد ومحدودي الفكر والثقافة وقادرين لاحقا على الدخول في صفوف حملة المباخر والتصفيق والتصفير للداعم الرئيسي او راعي التسمين , ويكفي استعراض مواقع متعددة ليعرف المتلقي عددهم وامكنتهم وحتى اسمائهم , سواء الجالس منهم على المقعد او المتقاعد بلقب ثقيل العيار .

التسمين السياسي القائم , أفضى الى تقزيم الحالة العامة للبلاد والى زيادة منسوب الاحباط وانعدام الامل ودون مراجعة هذه الثقافة والتخلص منها , بالانحياز الى ثقافة المبدع صاحب الانجاز وصاحب الرأي حتى لو كان مخالفا فإننا سنبقى ندور في نفس الازمة وسنجلس بيقين في قعر الزجاجة وليس عنقها , بمناسبة الحديث عن الذكرى السنوية الاولى لتصريحات الخروج من عنق الزجاجة .