مرايا – بهدوء – عمر كلاب-  لا يحتاج الموضوع الى تمهيد او توطئة , فمفهوم الحصانة السائد والمعمول به في دولة تقترب من بلوغ مائة عام من عمرها , لا يتناسب مع الطموح السياسي والحداثي , ولا يلبي طموح الشعب في الوصول الى العصرنة والاصلاح المنشود , بل هو تعبير صادم عن اختلال موازين القوى بين مجاميع الشعب وطبقة الكريما الاردنية او طبقة الحكم ان جاز التعبير , بعد ان اضاف النواب الى الحصانة الدستورية حصانة مضافة في نظامهم الداخلي , فالدستور حصّن النائب تحت القبة لتسهيل الرقابة والمحاسبة , لكن النواب توسعوا في الحصانة لتشمل خارج القبة ايضا .

الحصانة بمفهومها الحالي تعبير عن الصراع الطبقي السائد , حيث شملت الوزراء ايضا ولكن في ما يتعلق بمهامهم الوزارية وليس على اطلاقها كما فعل النواب , وكأن ثمة تواطؤ بين السلطتين التشريعية والتنفيذية على تبادل الحصانة ومنافعها , فالوزير يحتاج الى موافقة نيابية حتى يتم تحويله الى النيابة العامة بجرم او تهمة تتعلق بواجبات وظيفته , ولتمرير ذلك توسع النواب في حصانتهم لتصل الى ابعد الحدود طوال انعقاد الدورة البرلمانية , وتصل الحصانة الى مخالفات السير وحوادثه وحتى جرائم الشيك بدون رصيد طالما ان الدورة منعقدة , ولمزيد من التوضيح فإن حادث سير بسيط مع نائب بحاجة الى اربع سنوات لحصول الطرف الآخر على حكم قطعي يمكنه من الحصول على تعويض .

اليوم وفي زمن الشفافية والحكم الرشيد , تقف الحصانة حاجزا امام انفاذ القانون , ولعل الصدام الذي وقع تحت القبة مؤخرا بين رئيس مجلس النواب ونائب , يكشف مدى الحاجة الى مراجعة مفهوم الحصانة وتناقضها مع الحق في التقاضي , الذي هو حق طبيعي للانسان , فكيف ستقاضي سيدة وزيرين ترى بأنهما اعتديا على حق لها , مستثمرين وظيفتهم ؟ وكيف يمكن لمواطن له حقوق على مرشح للنيابة ان يتحصّل على حقوقه اذا ما اصبح هذا المرشح نائبا والامثلة كثيرة على قضايا من هذا النوع ؟

وعودة الى الصدام تحت القبة على خلفية منح إذن لتحويل وزيرين سابقين الى النيابة العامة , الذي كشف ضرورة مراجعة مفهوم الحصانة , حيث حدد النظام الداخلي لمجلس النواب الفترة الزمنية الواجبة لاصدار اللجنة القانونية قرارها في التنسيب لمجلس النواب في منح الاذن من عدمه الا انه ترك الفترة الزمنية مفتوحة للمجلس كي يتم التصويت على قرار اللجنة , فهل يُعقل ان نحدد فترة زمنية للدراسة ولا نحدد فترة زمنية للقرار ؟ وبالتالي نترك للخيال الشعبي حرية رسم الصورة واصدار الحكم نيابة عن القضاء .

فكرة الحصانة جاءت لمنح النائب حرية كافية لمراقبة الحكومة ومحاسبتها وطرح الاسئلة عن اي ملف او موضوع دون وضعه تحت خانة المساءلة بجرم القذف او التشهير , لكنه حصرها تحت القبة , وربما وضع قيودا على محاكمة الوزراء لغايات الهيبة ومنح المقعد الوزاري مهابة , بدليل انه ربطها بواجبات وظيفته , فلماذا لا نربط الحصانة النيابية ايضا بواجبات الوظيفة ومهماتها , فالنائب خادم مدني مثل الوزير , ولا يجوز له ان يتحرك في كوكب آخر .

نحن بحاجة الى مراجعة دستورية لمفهوم الحصانة , ويجب تحويل نص محاكمة الوزراء اليوم الى المحكمة الدستورية وكذلك المادة التي تتحدث عن حصانة النائب في النظام الداخلي , لحسم الامر , لأن النص الدستوري حصر الحصانة تحت القبة وتوسع النواب في وضع نظام داخلي قارب على منحهم القداسة .