مرايا – كتب : د. محمد المومني – من أعقد وأهم العلاقات الخارجية للأردن تلك المرتبطة بإسرائيل. الأسباب تتجاوز الجغرافيا الأطول والتاريخ المليء بالمنعطفات الحادة. أهمية العلاقة تكمن في أن إسرائيل ومشروع التسوية الاقليمي الشامل معها يؤثر ويرتبط عضويا بمصالح الدولة الأردنية المباشرة والسيادية من أمن وحدود وتعاون اقتصادي ولاجئين وقدس، بالاضافة إلى ان القضية الفلسطينية ترتبط بالوجدان الذاتي الشخصي للأردنيين الذين لجؤوا ونزحوا وحاربوا وخدموا بالعسكرية والبيروقراطية في قرى ومدن فلسطين. بالمقابل، وبدرجات أهمية مضاعفة، تنظر إسرائيل للعلاقة مع الأردن وتعتبرها إستراتيجية ومصيرية لأسباب موضوعية براغماتية. العلاقة مرّت بعديد من المحطات تراوحت ما بين الحرب والسلم والسلم البارد، الى ان توقفت لأسباب معقدة ومركبة أضاعت الحد المطلوب من الثقة الذي يسمح باستمرار العلاقة مع حكومة يمينية تمعن بالمساس بمصالح الأردن.
مناسبة الحديث عن العلاقة الثنائية مع اسرائيل واهميتها المتبادلة هو استمرار اليمين الاسرائيلي بالمغالاة بالهجوم على الأردن والملك. وصل الامر لحالة هستيرية تحريضية شهدت الدعوة للنيل من الدولة الأردنية ممثلة بالملك لأنه بات سببا رئيسا وسدا أمام تحقيق احلام اليمين الاسرائيلي المتمثلة بقيام دولة على كامل الاراضي بما فيها المحتلة، وان على الأردن ان يتولى أمر السكان الفلسطينيين الذين لا يريدهم اليمين الاسرائيلي لا جزءا من اسرائيل ولا جزءا من دولة فلسطينية لا يقبلون قيامها. الملك يقف سدا منيعا ومؤثرا في الساحة الدولية بوجه ذلك موظفا ما يمتلك من قوة الحق والمنطق ورصيد كبير من المصداقية الدولية، مدافعا عن مصالح شعبه السيادية وأمته العربية والاسلامية. لا يستطيع لا اليمين الاسرائيلي ولا أيا كان أن يزاود على التزام الملك والأردن بالسلام والمعاهدة، ولا يمكن التشكيك بالمصداقية الأردنية بهذا الصدد، لكن لا يوجد عاقل في العالم يتوقع من الأردن ان يقف مكتوف الأيدي وهو يرى حكومة اسرائيلية تتعدى وتنتقص من مصالحه العليا. معاهدة السلام ذاتها ما كانت لتوقع في العام 1994 لولا أنها حققت الحفاظ على المصالح الأردنية.
المعركة مع اليمين الاسرائيلي شديدة ومحتدمة، ولا خيار أمام الأردن الا القتال وتوظيف ذخيرته الدبلوماسية والقانونية والسياسية والامنية لكي يحافظ على مصالحه ولا يجب ان يتوقع احد بالعالم غير ذلك منه. قصر العرب كافة ليس فقط فلسطين والأردن ومصر بأحداث اختراقه بالمشهد السياسي والانتخابي الاسرائيلي، وتركوا الساحة فارغة لليمين الاسرائيلي يملأ عقول الناخبين بالأكاذيب، والدبلوماسية العربية في كثير من الأحيان كانت “مباكسة” اكثر منها عملا دبلوماسيا هادئا مقنعا، اهتمت بمخاطبة الداخل لشعبوية أكثر مما كانت فعلا مؤثرا للحفاظ على المصالح. مهم جدا الانتباه لكل ذلك، وإدراك خطورة وشدة المعركة السياسية المحتدمة مع اليمين الاسرائيلي المنفعل، والتعامل مع هذه العلاقة الحساسة ضمن رؤية شاملة تستثمر وزن وحضور الأردن الدولي، ومصداقية خطابه ومواقفه، فذاك هو السبيل والرصيد الأهم لهزيمة اليمين الاسرائيلي وخططه السامة.