مرايا – كتب :وليد حسني – لم يمض على قرار الحكومة اغلاق المساجد ومنع صلاة الجماعة في المساجد 24 ساعة حتى تمرد ” المؤمنون كثيرا” على هذا القرار واصروا على اقامة صلاتهم جماعة في الشوارع وامام المساجد وفي اماكن عامة أخرى.

ولا ادري هل هذا السلوك نوعا من التحدي للحكومة ام تحديا للكورونا البغيض، أم هو نوع من إشراك الدين ومظاهره في مواجهة تلك الجائحة التي تلم بالعالم اجمع ولا احد يعرف متى تنتهي، واين ستتوقف وكم من الضحايا ستأخذ في طريقها قبل ان تعود للكرة الارضية حياتها الطبيعية.

حين بدا فيروس كورونا يضرب في العمق الصيني خرج”المؤمنون كثيرا” للقول انه غضب من الله على الصينيين لأنهم يأكلون ما حرم الله، ثم ارتفعت وتيرة الخطاب الايماني قليلا ليصبح “الكورونا” احد جنود الله التي يرسلها على الكافرين ليمحق الباطل ويزهقه انتصارا للمسلمين، ثم يذهب هذا الخطاب في اتجاه آخر عندما وصل الى بلاد المسلمين ليقول أصحاب هذا الخطاب انه امتحان من الله لعباده.

وبين تضاعيف تطور هذا الخطاب خرج أساتذة جامعات” من أصحاب الجرعة الايمانية الزائدة ” ليطلبوا من الناس الاستغفار، والدعاء الى الله ان يُذهب مقته وغضبه عن عباده، فيما ذهب الكثيرون من المستهزئين على شبكات التواصل الاجتماعي للسخرية من هذا الخطاب داعين خطباء المساجد للكف عن الدعاء على الكفار وتاليب المصلين ضدهم لأننا كمسلمين بامس الحاجة لهؤلاء “الكفار” لاكتشاف علاج للكورونا، وعندما ينجحوا في ذلك يمكن لهؤلاء الخطباء العودة للدعاء عليهم بالويل والثبور وتبشيرهم بجهنم.

هذا هو الخطاب الديني السائد الان في حلبة مواجهة المصير الانساني الذي يقود البشرية والانسانية جمعاء الى الكارثة، في الوقت الذي ذهب فيه ديوان الافتاء في تونس الى وقف باب التوبة والدخول في الاسلام لغير المسلمين بسبب الكورونا، بينما ابقى الله سبحانه وتعالى باب التوبة مفتوحا حتى قيام الساعة.

يتمحور الخطاب الديني في مواجهة فيروس كورونا بين هذه الحالات دون أن يقدم اصحاب هذا الخطاب اية حلول منطقية وعقلانية تتوافق مع العلم ومع نتائج المختبرات العلمية، كاشفا عن عقلية متخلفة لا ترى اي توافق بين الدين والعلم بخلاف ما نص عليه القران الكريم بحتمية توافقهما، فيما يرى العقلانيون أن اي خلاف بين النص الديني والعلم يتوجب الانحياز للعلم، ليس لوجود خطأ في النص الديني، وانما لتعرض النص الديني لتشويه وتحوير صنعته يد الانسان إما في النقل او في التدوين او في النسخ والنشر والتوظيف.

واليوم ونحن والبشرية جمعاء تواجه خطر كورونا البغيض يتوجب علينا الارتقاء بخطابنا الديني الى مستوى التحديات التي تعصرنا وتحاصرنا، وان نكون الأكثر ايمانا بعقلنة الجائحة وعدم الاستسلام لها باستخدام اسلحة العلم ودعم المختبرات وفضائل الصبر والايمان المطلق بان الله تعالى يريد لنا النفاذ والنجاة بسلطان العلم لا بقعقعات الجهل والتجهيل .

أعترف ان نداء”صلوا في بيوتكم” هزّني حين سمعته لأنها المرة الاولى في حياتي أسمعها، لكنني اومن بانها الضرورة، تلك التي تبيح تعطيل احكام الله، ومنها الصلاة في المساجد.