مرايا -محمد حسين المومني يكتب-  سيمفونية وطنية جميلة تعزفها كافة أطياف المجتمع الأردني. الناس والجهات الرسمية والجيش والناشطون كلهم يتناغمون ويتكاملون لتخرج معزوفة أردنية رفيعة وجميلة ملأت صدور الأردنيين بمشاعر الاعتزاز والفخر. درة التاج بالمعزوفة أمران: رسالة ملكية وافقت على إنفاذ قانون الدفاع ونبهت بذات الوقت أن لا يكون ذلك على حساب الحريات والحقوق، والعهد للجيش بتطبيق حظر التنقل إلا في الحالات الضرورية أو المصرح بها. مجرد دخول الملك والجيش على خط الأزمة جعل منها مستوى آخر وجنّد أبناء المجتمع جنودا خلف وطنهم يلتفون حول الملك والشعار إنقاذا للوطن. بلد محدود الإمكانات والموارد أظهر مناعة وصلابة واهتماما بمواطنه عجزت عنه كبرى الدول. قيادة تدير الدفة باقتدار، جيش يحمي ويطمئن الناس، نظام تعليمي استطاع للآن استدامة الحد الأدنى من التعليم عن بعد الذي تجده دول من حولنا أحجية عصية على التنفيذ، مؤسسات تراقب وتحاسب، مواطن واع ملتزم ينفذ التعليمات، ناشطون يبثون الإيجابية ورفع الروح المعنوية، إعلام واع نأى بنفسه عن التصيد والاقتناص. إنها فعلا أوركسترا وطنية تستحق أن تجعلنا جميعا فخورين أننا أردنيون.
دول غرقت في طلاسم التعليم عن بعد، أخرى وجدت أن ضعف الإنترنت- الذي استثمر به الأردن كثيرا- لا يسعفها لتعليم أبنائها في منازلهم، دول كبرى قالت لمواطنيها استعدوا لتوديع الأحباء في إشارة لاحتمالية موتهم، مجتمعات انهار فيها النظام الصحي بسبب سوء إدارته والتأخر باتخاذ القرار. كل هذا لم يحصل في الأردن؛ ما يعني أن هناك شيئا صحيحا تم عمله، وأن الأردن استثمر منذ عقود بوعي إنسانه وقطاعاته الحيوية ما جعله قادرا على مواجهة التحديات. ليست هذه المرة الأولى التي ينجح فيها الأردن بمواجهة ما عجزت عنه دول كبرى. تذكرون قصة اللجوء السوري الذي قدم فيه الأردن ما عجزت قارات على تقديمه بالمعنى الحرفي للكلمة.
في ضوء حالة الفخار الوطني المستحق، لا بد من رسالة لأبناء الأردن الذين اعتادوا وأدمنوا السلبية والسوداوية والعدمية. عندما تنجلي هذه الأزمة، لا تنسوها وتنسوا كيف أبلى وطنكم بلاء حسنا. لا تعودوا للسلبية والسوداوية، وفرقوا بين النقد البنّاء الإيجابي المقصود منه رفعة الوطن، وبين العدمية التي لا ترى إلا السواد ولا تريد لأحد أن يرى غيره. انصفوا بلدكم وأعطوه ما يستحق من تقدير. نجح الأردن بتحييد واحتواء عدد من الذين امتهنوا بث السواد في صبيحة كل مقال أو تغريدة أو بوست لهم، وأبعد بعض أصحاب الحناجر المبتزة، وحيّد هؤلاء بحكمة وهدوء، وأجزم أن لتحييد هؤلاء دورا أساسيا في انحسار أجواء التنكر والعدمية. لقد أنهك هؤلاء البلد، وخلقوا أجواء من الابتزاز وانعدام الثقة مع كل ما هو رسمي أو مجتمعي، عانوا منها أنفسهم عندما كانوا بمواقع المسؤولية. إبعاد هؤلاء أصحاب مدرسة “انتقد ثم انتقد وانشر السلبية فإما أن تصبح بطلا شعبويا أو أن يتم احتواؤك بمكافأتك”، إبعاد هؤلاء كان مفصليا لتعود الأمور لنصابها الصحيح الذي يستحقه الأردن.