مرايا – كتب : وليد حسني – اثنان بيننا يمثلان شريحة واحدة وإن اختلفت مهنتيهما، احدهما يتاجر بالتعليم وبالمعلمين، والثاني يتاجر بالصحة وبموظفيه، وبين هذا وذاك تتبدى قسوة تلك الطبقة وتوحشها.
وما يجمع بينهما انهما يحوزان الكثير من الصفات والوظائف التي تجعلهما بحق يمثلان طبقة راس المال الظالم” لا ادري إن كان ثمة رأس مال عادل”، وانا هنا استعير منطوق تاجر التعليم الذي خاطب السيدة من عليائه ملصقا بها وصف”الحاقدة طبقيا “، في حين بدا تاجر الطب والصحة وكأنه يغرف من حفرة للصرف الصحي ويريد إغراق موظفة لديه به لأنها اشتكت من عدم حصولها على كامل راتبها.
وما يجمع بين النموذجين أنهما استقويا على سيدتين ظهرتا في وسائل الاعلام تشتكيان من عدم حصولهما على اي نوع من العدالة بالحصول على كامل رواتبهما، وكأنهما تقترفان جرما وهما تطالبان بحقهما وبأجرهما، فانهالا عليهما بالشتم والتوبيخ وبلغة لا تحمل ادنى شروط الاحترام ومراتبه.
وما يجمع بين هذين الخطابين أنهما انطلقا من افواه ارباب عمل، وأصحاب مال وسلطة وظيفية وتوظيفية كشفا عن مكنون ما ينظر اليه أصحاب هذا الخطاب لموظفيهم، فهو خطاب استعلائي يتنزل من القمة الفارهة الى القاعدة المنهكة، وفي خطاب تاجر التعليم بدا واضحا انه ينطلق من نظرة استعلائية للمعلمة ويمن على معلمي القطاع الخاص بتوظيفهم والصرف عليهم، فيما اظهر خطاب تاجر الطب تلك النظرة بكلمة توصيفية اختزلت كامل دلالاتها الشعبية من التحقير والشتم بالرغم من أن دلالتها المعجمية الفصحى لا تشي بمدلولاتها الشعبية.
وما يجمع بينهما أيضا انهما يمثلان مهنتين تتربعان على قمة هرم العمل الانساني النبيل، الطب والتعليم، الاولى تهتم برعاية وبناء وصيانة الجسم، والثانية تهتم ببناء العقل والروح، وهذه مفارقة تبدو لكل مراقب في غاية العجب
والمفارقة أننا لم نخض في الأردن أبدا حربا طبقية بين المسحوقين من الموظفين وبين أصحاب رؤوس الاموال، ولا اظن أن أحدا من الشعب الأردني الغارق معظمه في اقتصاد الكفاف فكر للحظة ان يعلن الحرب الطبقية على رؤسائه وأصحاب العمل بوازع طبقي صراعي، فكيف فكر صاحب التعليم بان السيدة المعلمة التي تطالب بحقها الطبيعي تنظر اليه بنظرة طبقية حاسدة وشامتة .
ولا أدري كيف سمح صاحب الطب لنفسه بالانزلاق في استخدام لغة شوارعية لمهاجمة موظفة لديه اشتكت من عدم حصولها على كمل راتبها، ليصفها بــ”الشَّخَّاخة..”، وهو اكثر الناس معرفة ودراية بأن الحياة لا تستسقيم بدون”الشَّخ ” التي تعني في العربية المعجمية”صوت البول” وفي لسان العرب” شَخَّ ببوله شَخّاً إذا لم يقدر على حبسه..الخ”، والطبيب أعلم الناس بالمخاطر الصحية الناجمة عن حبس البول، إلا إذا ظن في نفسه أن الشاكية حبست شكاتها حتى أترعت بها وغيظت من قهرها فلم يجد وصفا لشكواها غير وصفها بــ” شخاخة..” إمعانا منه في امتهانها وتحقيرها.
وبالنتيجة فان السيدين أهانا سيدتين، وأهانا الاعلام، واهانا قطاعين عريضين من الموظفين، قبل أن يهينا مجتمعا بكامله لم اسمع من احد ان قبل ما قالاه او دافعا عنهما..