بهدوء -عمر كلاب -بعدد اقل او يوازي اصابع اليد الواحدة , كانت الكلمات المعتبرة تحت قبة البرلمان لمناقشة بيان الثقة في حكومة الدكتور بشر الخصاونة , فيما كان النهج السائد كلمات مألوفة لآذان السامعين والمراقبين , فهي كلمات معلبة ويغلب عيها الطابع المناطقي والغرائزي الشعبوي , وللتوضيح فالغرائزية بمعناها السياسي هو مداعبة غرائز المستمعين دون تحقيق انتاجية لصالحهم , بل ان سخونة بعض الكلمات غير كافية لانضاج طبق من الاطباق الشتوية التي لا تحتاج عادة الى نار قوية .
بيان الحكومة كان طويلا وحاملا لتوجهاتها القادمة , ونجحت راصد في تفكيكه الى محاور سبعة , مسهّلة على النواب مناقشة البيان ورصد بواطن قوته ومناطق لم يتم التركيز عليها بالقدر الكافي , لكن جلّ النواب آثروا الانحياز للاطباق المعلبة من الكلمات , فكانوا يخاطبون الشارع بما يرغب دون الولوج الى تحقيق التزامات قادمة , وجرى التغافل عمدا عن منجزات الدولة بكليتها طوال عقود لصالح السائد والانطباعي المتكرس بفعل تجاوزات حكومية طوال عقد من الزمان , ارتفعت فيه المديونية العامة بجنون وتقلصت فيه الخدمات بما لا يليق بالوطن والمواطن .
يسجل للفريق الحكومي الحالي انجازه الصحي , اولا بتسطيح المنحني الوبائي وانخفاض نسبة الاصابات وكذلك رفع القدرة الاستيعابية الصحية بنسبة 300% عن السابق , وهذه الاسرّة الجديدة يجب ان تكون رافعة لتحسين الخدمات الصحية مستقبلا لكن لم يتوقف النواب عند هذا الملف , وضرورة انتزاع برنامج من الحكومة لشكل والية تجويد الخدمة الصحية من خلال استثمار هذه المنشأت الجديدة بأسرّتها واجهزتها .
لم نسمع من النواب ولو اشارات أولية عن مسار الفتح للقطاعات في ظل انخفاض المؤشر الوبائي وانعكاسه على القطاعين التربوي والاقتصادي , ولم يربط احد من النواب ثقته ببرنامج واضح يكفل الانفتاح المتدرج للقطاعات والرقابة الصارمة على الاشتراطات الصحية او برتكولات الانفتاح لكل قطاع فالحديث تحت القبة من السادة النواب , بأغلبه ماضوي او افتراضي قياسا بمسلكيات حكومية سابقة نمت وترعرعت بضعف الرقابة النيابية او بفعل صفقات بين النواب والوزراء .
صحيح ان النواب بمجملهم تحدثوا عن ضرورة الحرب على الفساد , لكنهم خسروا هذه الاحاديث سريعا بفعل المطالب الذاتية والمناطقية التي تعني فسادا في المؤشر العام , فأي اولوية تفرضها الحاجة المناطقية وليس بالضرورة ان تكون منطقة النائب الانتخابية هي الاكثر حاجة , كذلك اغفل النواب وربما إنجروا الى الحديث المرسل عن الفساد وطالبوا بتعظيم الرقابة المالية لمحاربة الفساد المالي ناسين او متناسين عمدا بأن المطلوب اليوم مراقبة القرار الاداري الذي يؤسس للفساد المالي ويؤسس لاهدار المال العام , بعد ان تراجعت الادارة في كل القطاعات وتم تجريف الادارات الوسيطة اما بإرهابها ورعبها من الوزير او المسؤول الاول او باختيار ضعاف الكفاءة والقدرة , فباتت الادارة هي الاضعف ومعظم القضايا العالقة والشكاوى الشعبية تحتاج فقط الى قرار اداري حصيف .
حتى كلمات نواب السياسة كانت بمعظمها كلمات مناطقية , اي محصورة بالمنطقة الحزبية الضيقة , وليست بالفضاء السياسي العام , فجرى التركيز على مناطق نفوذ الحزب وليس على توسيع النفوذ السياسي والحرياتي في كل الفضاءات وجرى استثمار حالات محدودة ليس لغاية توسيع المساحة السياسية بقدر ما هي اكسسوار لمنح الخطاب تعددية نعلم انها مفقودة في السلوك العام .