بهدوء -عمر كلاب
في ظني غير شاعر بالاثم منه, فإن القرار يجب ان يسبق الحوار, على اهمية الحوار بشروط موضوعية جديدة, بعد ان خزّنت الذاكرة الاردنية مفهوم اللجان في خانة التسويف او التندّر, ولم تحمل الذاكرة الشعبية والسياسية ملمحا تنفيذيا او نتيجة مفهومة لاي لجنة سواء على على مستوى التحقيق البسيط في ازمة خدماتية او على مستوى اللجان التي حملت فكرة اصلاح سياسي, ولما سبق فإننا اليوم مطالبون بجملة قرارات تسبق الحوار.
ولتثقيف الفكرة اكثروجعلها قابلة لمزيد من التثقيف, فإن سائق قاطرة الاصلاح يجب ان يضع ناقل الحركة على مؤشر “الليفرس” وليس على مؤشر ” الدرايف”, فالعودة الى الخلف اكثر الحاحية, من حيث ضرورة الالتفات الى ان السير الى الامام في ظل هكذا اختلال اجتماعي وادراي, يعني بالضرورة اننا نبني الاصلاح المنشود على قاعدة رخوة, قابلة للازاحة والتشظي في اية لحظة.
فهل يعقل ان نرسم مستقبل زاهر لمجتمع ما زال يرى تطبيق القانون حالة انتقائية, وان المواطنة الكاملة قضية نسبية, وطبعا لا يوجد حل مثالي لحسم صراع الهويات الفرعية الا بعدالة تطبيق القانون على الجميع ووقوف الاردنيين امام القانون سواء, من شكل وقوف مركباتهم في الشوراع الى تعيين مدير لهيئة كبيرة وانتهاء بتوزيع عوائد التنمية على المحافظات , فكل ما سبق جرى ذبحه على مسلخ الانتقائية, فرأينا مناطق ساخنة ومساحات اكثر سخونة جرى التعبير عنها في اكثر من حادثة وموقف, ورأينا تطبيقا للقانون هنا واغماضة عين هناك.
فنحن بحاجة اليوم الى قرارات سيادية تُعيد الاعتبار الى ضوابط اجتماعية فقدناها بحكم تراجع منسوب الامل لدى قطاع واسع من الاردنيين, شاهدوا بأم اعينهم احلامهم مستباحة, وامانيهم مهدورة على قارعة الطريق الى الحد الذي اوصلهم الى الالتفاف حول كل صوت غاضب بسيط او عميق, مأجور ام حقيقي, خارج الجغرافيا الاردنية ام داخلها, وكلها اختلالات صمتنا عنها وعليها, اما لأنها تخدم طبقة استأثرت بالسلطة وترى في حالة الرخاوة الاجتماعية فرصتها, وإما لعدم تقدير مآلات الازمة ونهاياتها وسبق ان أشرت الى فجوة المعرفة التي عززت ازمة الثقة, لكن الثابت ان عقل السلطة كان يرى في الظواهر الصوتية المخالفة ومنحها السقوف العالية, ابرز حاجز لتشكيل احزاب وقوى اجتماعية مدنية تحقق الاصلاح المنشود.
واذا استعرضنا خلال العقدين الماضيات على وجه الحصر لرأينا كيف سعت السلطة وبوعي شديد الى تأصيل هذه الظواهر وتعميقها في المجتمعات, فكل مرحلة او دورة نيابية كان يخرج علينا صوت مرتفع وخارق للمألوف, قبل ان يدخل غياهب الجب السلطوي, فننساه ونبدأ مع الجديد, مكتفين اصحاب السقوف العالية والصوت المرتفع بالظهور في المناسبات الشعبية او النشاطات التي يفتعلها الصوت الجديد, وكأنهم يستحضرون شهادة منشأ من دائرة شعبية, لأن اي حزب او جماعة تعرف ابجديات العمل السياسي والعمل المنظم لا يمكن ان تنزلق الى هذا المستوى من الخطاب الطائش, وكذلك لا يقبل العقل الشعبي بأقل منه طالما ان السلطة تسكت عليه بل وتمنحه الجوائز والترضيات في كثير من الاحيان.
اجهضنا تيارات المعارضة الحقيقية ولم نسمح لها بالنمو والتشكل, ووجهنا العشيرة لمقارعة الاحزاب, ففقدنا العشيرة كوحدة اجتماعية, وخسرنا الاحزاب التي باتت في جوهرها تركيبة فردية او مربوطة بصلات القُربى والنسب, فظهرت اصواتا عشائرية غاضبة وانتجنا احزابا مبسترة نحفظها في ثلاجة وزارة الشؤون السياسية والبرلمانية التي انتدبت فريق الاحزاب من وزارة الداخلية للالتفات على فصل الاحزاب عن الداخلية, بل تطورت الفكرة اكثر حتى وصلت المذبحة التي اخذت شكل تعليلة برلمانية, فعشنا تجربة سابقة مع كتلة مبادرة التي اسست لمفهوم الاشتباك الايجابي والمجتمع المدني, ثم اقصيناها بعنف وشراسة, مستحضرين تجربة “معا” التي لاقت نفس المصير.
لكل ما سبق يجب اعادة الاعتبار للقرار, فالمساواة امام القانون لا تحتاج الى حوار لتثبيت مفهومها بل تحتاج الى قرار حاسم يُصدره عقل يتخلّى عن فكرة ” فرّق تَسد”, لأن هامش الشك والريبة بين التكوينات الاجتماعية والسكانية يخدم فقط السلطة القائمة, وبالمناسبة هي لا تخدم الدولة ولا تخدم النظام, قالدولة للجميع والنظام الهاشمي يحظى بشرعية ومشروعية, وإلا كيف انتج الاردنيون بمهابة وسماحة ووقار مفردة “سيدنا”, واطلقوا على الديوان الملكي ” المقر”, فهذه المفردات منتجات شعبية وجدانية ولم تصدر بقانون او ارادة الا ارادة الاردنيين.
نحتاج الى قرارات حاسمة بتغيير نهج الادارة العامة, في كل مرافق ومؤؤسات الدولة, من الية اختيار رئيس الوزراء الى تشكيلة الحكومة والاسس التي تأتي بالوزير وتُخرجه في التعديل مرورا ببتعيين مدير لهيئة او مؤسسة, وعلى اسس واضحة من الشفافية والعدالة, ثم نرى سيادة القانون فعلا على الجميع ووقف كل اشكال التنمر الرسمي على المواطن, وتطبيق القانون على الجميع بعدالة ومساواة, ثم نبدأ بالحديث عن ترتيب الاصلاح وجدوله الزمني, فحتى نصل الى حكومة برلمانية وعلى فرض الاستعجال والسير الحثيث, فلن يكون ذلك قبل ثلاث دورات برلمانية, يتم فيها اعداد قانون انتخاب يعرف الى اين يريد ان يصل, وهذا يحتاج الى خبراء في هندسة البناء الاجتماعيي اكثر ما يحتاج الى لجان حوار.
نحتاج الى حوار حقيقي مع السلطة والاجهزة الامنية لمعرفة اسرار واسباب هندسة الانتخابات بهذه الطريقة العجيبة, والالتزام بصون صناديق الاقتراع وحرية الناخب قبل ان نتحدث عن القوائم او المقاعد, فرأينا كيف تم تشكيل القوائم سواء الوطنية او المناطقية, وعلينا ان نتحدث بعقل سياسي بحماية امنية وليس العكس, فلماذ لم نقدم رأيا سياسيا لاختيار عين مثل عودة قواس بوصفه يمثل كتلة الاصلاح وليس بوصفه حالة اختراق ومكافأة على الخروج من الاصلاح, اليس ذلك اكثر انتاجية سياسية؟
الحوار على قاعدة اجتماعية مهزوزة وغاضبة ومتشققة لا يمكن ان يفضي الى منتج قابل للديمومة والنجاح, ومن نافل القول ايضا ان الاصلاح يحتاج الى اصلاحيين والديمقراطية تحتاج الى ديمقراطيين وليس الى تنويعات اكسسوارية, سرعان ما تتحول الى ظاهر منجمين على الفضائيات او وجهاء مناطقيين.
omarkallab@yahoo.com