بهدوء
عمر كلاب
مع بدايات الانفراج الديمقراطي في العام 1989 غامر الاستاذ هاني الحوراني بانشاء مركز للدراسات تحت اسم الاردن الجديد, وأظنه اصدر مجلة بهذا الاسم, لرسم صورة وملامح الاردن الجديد حسب فقه اللحظة التاريخية التي عاشها الاردن في تلك الحقبة, التي شهدت اقبال الاردنيين على الدولة والمشاريع السياسية المتجددة, بعد ان اعلنت الاحزاب والمنظمات ذات الارتباطات الفلسطينية بالتحول نحو اردنة برامجها لنيلها التراخيص اللازمة وظهرت الاحزاب الى العلن.
وقتها لم تكن السلطة حائرة, بل كانت الحيرة عند الاحزاب , التي نمت وترعرعت في ظرف العمل السرّي اعلى, فالكوادر لم تألف بعد الاجتماع الحزبي العلني, ولم تستعد له ايضا, فلم يستوعب احد الضربة التي احدثها الانفراج الديمقراطي, فالشعارات كانت بمجملها اسقاط النظام الحاكم حينها, وكان الخلاف على تسمية الساحة الهاشمية بعد نجاح الثورة, هو السائد, فهل تحمل ساحة الشهداء المفترضين ام تحمل اسم الساحة الحمراء تيمنا بالساحة الشهيرة في موسكو.
فجأة صدمنا الواقع باسئلة لم نعهدها, عن دور امانة عمان وخدماتها والاقتصاد واسئلته الحرجة مع باقي تفاصيل الحياة اليومية للمواطن الاردني, فالاحزاب طوال عقود سابقة كانت تعيش وتعتاش على فقه تحرير فلسطين او الاشتراكية الناجزة, ولم يستعد حزب او عقل لمسألة الشراكة في بناء الدولة مع اليمين السياسي والمحافظ الديني, فهم نقيض يجب التخلص منه, لا التعايش معه او بناء شراكات معه, وقتها لم يلتفت احد لا في السلطة ولا في الاحزاب الى ضرورة اعادة بناء الانسان ليتعايش مع الظروف الجديدة, فخرجت قطاعات واسعة من الاحزاب الى الفضاء العام دون اسلحة او برامج وانداحت اما في الوظيفة او العمل في الخليج, مع احتفاظ قلة بالتجربة لذاتها او للتنظير في السهرات.
هذا الفراغ تعاملت معه السلطة بقلة حصافة, فهي احتفلت بالتخلص من صداع التنظيمات والاحزاب السرية دفعة واحدة, ولم يتسع عقلها لفهم معادلة سياسية واجتماعية مفادها , لو لم يكن هناك معارضة لخقلتها السلطة كي تتطور وتتعلم, وملأت الفراغ اما باحتواء بعض الخارجين من رحم الاحزاب والتظيمات واما بالاستقواء عليهم حتى يعودوا الى حظيرة السلطة, وتحرك الاقليم بما يشبه الزلزال, فحرب الخليج الثانية صدمت العقول العربية وتلتها بسرعة مفاوضات مباشرة مع الكيان الصهيوني وما بينهما انهيار المنظومة الاشتراكية.
كل هذه الصدمات لم تجعل العقل يصل الى ضرورة اعادة بناء الانسان الاردني وسط كل هذه الامواج والزلازل, الى ان وصلنا الى حالة من الرخاوة الوطنية بات التعبير فيها اما بالصدام الخشن, واما بالاحتواء الابتزازي, ولجأنا الى اعمار الحجر ومراقبة ارتفاع اسعار الاراضي دون اي التفاتة للبشر وحجم التغير في طباعهم وطبائعهم, فالتعليم يتردى والتعليم العالي اصبح تجارة, والوعي تصحر والثقافة جُرفت, فصحونا على انسان لا نعرفه, انسان عاد الى التمسك بكل ادوات ما قبل الدولة, ورأينا السبف والخيل والبيداء تستعيد القها وبريقها على حوائط التواصل الاجتماعي, التي هي ابرز منتجات الحداثة في عصرنا.
خلطة غريبة من الحداثة لخدمة ما قبل الدولة, فالتكنولوجيا باتت توظف في خدمة التطرف والهويات الفرعية واستنهاض الهمم القبلية والمناطقية, ومع ذلك تلجأ السلطة الى معالجات تكشف حجم العجز عن قراءة المشهد المعقد, وتلجأ الى مقاربات نجحت في العام 1989 ولكن ليس بالضرورة ان تكون هي العلاج للعام 2021, فنحن اليوم بحاجة الى استرداد الانسان اولا, ثم نضع له البناءات اللازمة لتحسين حياته السياسية, ولكن قبل استرداد الانسان الاردني في بيئة الدولة ومفاهيمها فكل ما نقوم به مجرد قشور.
omarkallab@yahoo.com