د. مهند العزة
كتب الزميل زيد النابلسي مقالةً عن السياحة الدينية متسائلاً عن سبب عدم السماح بها خصوصاً في ظل الأزمة الخانقة التي يمر بها القطاع بسبب تداعيات الجائحة، بالإضافة إلى ما سوف تجلبه هذه السياحة من عوائد وفوائد اقتصادية وتنموية على إقليم الجنوب الذي بدأت مظلوميته منذ عقود ولم تنتهِ حتى الآن.
المقال متوازن جداً وحَذِر في ما يخص فوبيا “التمدد والتبشير الشيعي”، مع ذلك، لم ينتظر كثيراً غلاة الفكر المتطرف الذين يبدو أنهم متغلغلون في كل قطاع حتى السياحة؛ فخرجوا بتصريحات ملؤها الطائفية والعنصرية، فقد نشر “خبير” في مجال السياحة وفقاً لوكالة عمون تغريدةً قال فيها: “لماذا كثرة الثرثرة والتنظير لمن لا يفقه “بالسياحة” أهل مكة ادرى بشعابها !! لدينا ثروة سياحية ضخمة تكفي ان ننهض بالاقتصاد الاردني !! دون ايرانيين ولا كازينوهات ولا ما يعيب بالحياء ، بل سياحة مستدامة راقية محترمة وتدر علينا المليارات”.
الواقع أن المعيب هو هذه التغريدة العنصرية التي شذت عن كل منطق وصواب. فمن جهة أولى، الدعوة لفتح باب السياحة واستثمار مزارات سيحج إليها مئات ألوف وربما ملايين السائحين سنويا؛ لا يحتاج فقهاً ولا علما، إلا إذا كانت زيادة أعداد السائحين بما سينفقونه من أموال وينعشونه من مرافق وخدمات سوف يضر بالقطاع. أما ما يحتاج حقيقةً لعلم وتفقه ما أفتى به “فضيلة الخبير” حينما حذر من “سياحة الإيرانيين” قارناً إياها بسياحة “الكازينو” ليصمها ب”المعيبة”، ثم زاد على ذلك بأنه لدينا ثروة سياحية ضخمة تكفل لنا سياحةً “راقية ومحترمة”، لتكون النتيجة المنطقية بمفهوم المخالفة أن “سياحة الإيرانيين” لا راقية ولا محترمة.
إذا تحكمت العواطف والمواقف العنصرية البائسة في قطاع المال والأعمال، فإن النتائج ستكون كارثيةً على الدولة واقتصادها، هذا بخلاف هزلية المشهد التي تعطي انطباعاً سلبياً عن مدى سطحية التفكير ومنطلقات اتخاذ القرار، تماماً كما تداولت حركة الأخوان المسلمين حينما تولت زمام الحكم في مصر عقب ثورة يناير، مسألة القروض الخارجية وحرمتها وحلالها بسبب ما يترتب عليها من فوائد “ربوية”، هذا فضلاً عن البحث حتى التعرّق لإيجاد مخرج شرعي للاستمرار بترخيص أماكن بيع المشروبات الروحية والملاهي الليلية وإقامة المهرجانات الفنية… وكالعادة طبعاً وجدت الحركة التي سجلت أرقاماً قياسيةً في البرغماتية والقفز على الحبال مخرجاً شرعياً مستمد من قاعدة “الضرورات تبيح المحظورات” ولا تسأل عن الشق الثاني من القاعدة “الضرورة تقدّر بقدرها.
كل ما أخشاه أن يتبحر هذا “الخبير” ويتفيقه أكثر فيخرج علينا بحل وسط يسمح فيه للحجاج الإيرانيين وغيرهم من أتباع الطائفة الشيعية بالمجيء إلى الأردن قياساً على المضطر في مخمصة حيث يباح له أكل الميتة ولحم الخنزير؟ ألا يبدو هذا معيبا وعبثياً إلى أبعد الحدود؟ أليس من المخجل طرح مسألة السماح لملايين السائحين المجيء إلى البلد من عدمه للنقاش على أساس مذهبي بغيض؟ كيف يمكن أن نسيء لمشاعر ملايين البشر على هذا النحو الفج؟ ألا يسيء هذا إلى بلدنا وشعبنا الذي سطّر وما يزال نموذجاً في التسامح والتعايش بين الجميع؟
كيف استقام لدى هذا “الخبير” اعتبار “سياحة الكازينو” معيبةً وضرب صفحاً عن السماح ببيع المشروبات الروحية في المنتجعات والفنادق والحانات؟ أم تراه أقحم “سياحة الكازينو” ليضفي على طرحه صبغةً وطنيةً دينيةً تنافح عن الأخلاق والنظام العام، لاستثارة الشعور اليوفوري المتيقظ أصلاً لدى جمهور المآمرة الكونية والدسائس الأممية التي تحاك ضدنا.
قول “الخبير” أن “أهل مكة أدرى بشعابها” مردود عليه جملةً وتفصيلا، إذ أنه قفز عن مناقشة العائد الاقتصادي والتنموي لما طرحه زيد النابلسي وأخذ يفتي في السياسة والأمن القومي والبعد الاجتماعي ، لذلك، نعم فضيلة “الخبير”، لا داعي لثرثرة وأهل مكة أدرى بشعابها.