بهدوء

عمر كلاب

لا يمكن تصور النجاح فى إدارة التغيير فى المجتمع دون وجود تحالف قوى ومؤثر يدعم هدف التغيير والتطوير ويعمل على إنجاحه, جزء من قوة هذا التحالف هو تنوع مصادر قوته, مناصب عليا، رؤوس أموال، خبرة، مكانة عند قطاعات واسعة من الناس، وهكذا, هذا التحالف لا بد له من رؤية مشتركة يسهم هو، كتحالف، فى صياغتها ويتفق على ملامحها ويعلن التزامه بها, هذا الافق ما زال مفقودا في الاردن, رغم الحاجة الى وجود هكذا تحالف, يمكنه التصدي لحلف طبقة السلطة, التي تقفز عن خلافاتها في لحظة شعور بالخطر, او مجرد بروز لحلف يسعى لتغيير القائم.

نماذج كثيرة انهارت قبل ان تولد, لعل آخرها حلف التيار المدني, الذي سقط في مستنقع الشخصنة, وتحديد الأب الروحي لهذا الحلف, رغم وجود كثير من مصادر القوة له, من الطبقة التي اسلفت في تحديدها, فهناك اصحاب مناصب يرغبون بقوة في عصرنة المجتمع وتمدينه, وكذلك رجال اعمال وحتى عسكريون متقاعدون, لكن عدم وجود قائد ملهم لهذا التيار افقده عنصر الوحدة, فنحن في مجتمع يبحث عن قائد وليس مدير, وللأسف لدينا الكثير من المدراء وكبار المظفين ولا يوجد قيادة في اوساط النخبة.

اليوم وفي غمرة انشغال المجتمع بمخرجات لجنة تحديث وتطوير المنظومة السياسية في البلاد, تكتشف حجم الانزياح بين المامول لعصرنة الدولة والمجتمع وبين احاديث اعضاء اللجنة, الذين استغرقهم تعريف الحزب ست جلسات عمل, حسب تصريح رئيس اللجنة, في حين كانت كبسة زر على محرك البحث غوغل كفيلة بمنح اللجنة هذا التعريف, فنحن لن نخترع العجلة او نعيد اختراعها, وكذلك الحال في لجنة الانتخابات, التي ما زالت تبحث عن نموذج يليق بالحالة الاردنية, وكأنها حالة مخالفة او خارجة عن سياق المجتمع البشري.

كل ذلك لا يمنح العقل الجمعي طمأنينة, فالحراك الدائر في المجتمع يبدو انه يسبق اللجنة بكثير حسب ما يرشح حتى اللحظة, فربما تباغتنا اللجنة بمخرجات مخالفة, وكلنا أمل بذلك, لكن – وما بعد لكن أخطر مما قبلها- التفاؤل ما زال محدودا, الا اذا التقطت اللجنة ضرورة الحاجة الى تجسير الفجوة مع عقول تطرح اسئلة حرجة ومهمة عن شكل القادم وتحديدا على مسار الهوية الوطنية, التي يبدو ان ضرورتها قد بدأت تظهر على السطح حتى عند اصحاب الانحياز الراديكالي, كما يقول شاب واعد مثل منصور المعلا, الذي لا يخفي راديكاليته, ولكنه مؤمن بضرورة حسم الهوية الوطنية على قاعدة المواطنة, عبر حوار يزيل هواجس الجميع.

ما يطرحه منصور المعلا, مهم وضروري, لاجتياز العتبة الوطنية نحو العصرنة عبر ازالة الهواجس, ويحتاج الى تحالفقوي ومؤثر, على غرار التحالف الذي اشرت له في بداية المقال, فهو على شدة راديكالية طرحه, الا انه ديمقراطي, وتلك مفارقة تحتاج الى وقت وحوار لانضاج حالتها, ومنحها الفرصة للتعبير عن ذاتهافي اجواء صحية, يقودها تيار من العقلاء, الذين يدركون ان ازالة الهواجس لا تتم الا بالحوار بعقل منفتح, وليس باشتراطات مسبقة او بقرارات قبلية.

نحتاج فعلا الى تحالف مدني حقيق ييمتلك تصورا للتغيير وارادة في انضاج الحالة العامة على ارضية المواطنة الكاملة, ويبدو ان تيار الراديكالية اقرب الى حسم هذا الملف من تيار المجتمع المدني الذي يعاني من رخاوة في المواقف عكس صلابة التيار الذي نعتقده راديكالي, فهو اقرب كثيرا الى الوطنية الصلبة منه الى الراديكالية, وللحديث تكملة.

omarkallab@yahoo.com